شحنة روحاني (شحنة روحانية)

بقلم: سيما كدمون

‘لا اختلاف في أمر واحد ولا يهم الى أي معسكر تنتمي، وهو أن رؤية روحاني يخطب ألذ من رؤية أحمدي نجاد. فوجه رئيس ايران السابق، المهدِّدُ الباحث عن الشر قام بالعمل قبل أن يُخرج كلمة من فمه، أما روحاني فيجب أن يقول كلاما قاسيا جدا كي يُفسد بشاشة وجهه اللذيذة والصورة الروحانية التي يوحي بها.

وتوجد النغمة ايضا، فالنغمة هي التي تصنع الموسيقى كما أظهر الفرنسيون ذلك منذ زمن. وقبل كل شيء آخر كانت النغمة هي التي مُررت بخطبة رئيس ايران في الجمعية العمومية للامم المتحدة، وهي ليست نفس النغمة التي جعلت المندوبين قبل ثماني سنوات يهربون من القاعة بصورة ظاهرة.

لكن لا يجوز أن نفرق بين النغمة والجوهر، فلم يتغير الكثير في الجوهر، أو هو لم يتغير الى الآن، إن الفرق هو في أن روحاني يرى أمام ناظريه شيئا واحدا فقط وهو الازمة الاقتصادية العميقة التي غرقت فيها ايران على أثر عقوبات الغرب، ووعده لناخبيه بأن يحلها. وهو مستعد لأجل هذه الغاية لأن يأخذ المسار الاسرع، وأن يعرض على العالم وجها ايرانيا يختلف عن وجه سلفه.

‘إن نتنياهو على حق حينما يصف خطبة روحاني بأنها خطبة هزيلة، وكلام رئيس الوزراء صحيح حينما يلاحظ نفاقا في كلام روحاني على حقوق الانسان، في وقت تشارك فيه قوات ايرانية في ذبح جماعي لمدنيين أبرياء في سورية، وفي أنه يندد بالارهاب في وقت يستعمل فيه النظام الايراني الارهاب في عشرات الدول في أنحاء العالم. ويبدو أن نتنياهو على حق ايضا في الشأن الذري الايراني. تحدث روحاني في الجمعية العمومية عن برنامج ذري لأهداف مدنية، وليس هذا ما تعرضه تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الاخيرة، ولا ما تُظهره المنظمات الاستخبارية.

ومع كل ذلك فليس الذي يصنع الموسيقى النغمة فقط، بل النغمة المضادة وهذا هو ما يُحتاج إليه الآن من اسرائيل. إن النغمة المضادة التي يعرضها نتنياهو هي نغمة من خاب أمله، لأنه قد يمكن حل المشكلة بطرق دبلوماسية، وهذه هي النغمة المضادة الأقل صوابا بالنسبة إليه وبالنسبة لاسرائيل. إن نتنياهو يبدو خائب الأمل مثل ولد أخذوا الازمة منه، وكمن أفسدوا عليه أجندته. وردوده على أثر خطبة روحاني كئيبة كالردود التي كانت عنده حينما استقر رأي الولايات المتحدة وروسيا على محاولة نزع السلاح الكيميائي من سورية، من دون استعمال الخيار العسكري.

يجب على نتنياهو أن يحذر، أكثر من اي شخص آخر، من ردود تُظهره وكأنه يسارع الى الحرب وكأنه يحث العالم، وفي مقدمته الولايات المتحدة، على التدخل العسكري. وبالاجمال فانه يفضل ألا يحث على أي شيء. ويجب أن يتحرر نتنياهو خاصة من أعراض ‘أنا أول من لاحظ’: فهو أول من لاحظ أن روحاني مخادع وأنه لا يعني ما يقول، وأنه منافق وأنه يجب فحص اعماله لا أقواله. وكأن رؤساء الدول الاخرى لا يرون ما يراه نتنياهو. وكأن رئيس الولايات المتحدة ورئيس فرنسا وقادة العالم الآخرين مجموعة من الحمقى لا يفهمون أي شيء.

إن الكلام الذي قاله نتنياهو في شأن امتحان الافعال لا الاقوال لا يختلف عن كلام اوباما، الذي وعد في خطبته بفحص ايران بأفعالها لا بأقوالها. والفرق في أنه حينما يعد الرئيس الامريكي بأنه لن يدع ايران تحصل على سلاح ذري يكون ذلك أمرا عمليا، في حين يكون الامر عند نتنياهو مجرد كلام. ولأنه بخلاف الكلام الذي قاله نتنياهو في الفترة الاخيرة عن حاجة اسرائيل لأن تكون متعلقة بنفسها فقط، يبدو أن هجوما اسرائيليا على المخزونات الذرية في ايران قد أخذ يبتعد، فانظروا اذا من الذي يتحدث هنا.

يبدو هذا مرة اخرى كأنه نفاد صبر، فها هي الكلمة قد قيلت، قبل أن يعلو روحاني الى المنصة في الجمعية العمومية طُلب الى المندوبين الاسرائيليين أن يغادروا القاعة. لماذا؟ وماذا حدث؟ ولماذا القطيعة مسبقا؟ وما الذي نخشاه: ربما أن نسمع هناك شيئا لم نسمعه قبل ذلك؟ أو ربما مع كل ذلك ان يظهر لنا صدع صغير يُمكّن من دخول الدبلوماسية كما حدث في سورية؟ ولماذا الالتزام بموقف رافض مسبقا، حينما يمكن فعل ذلك على نحو أكثر تعليلا وجدية وعقلانية؟

لا يمكن أن نتوقع من العالم أن يرد بعطف مطلق على موقف اسرائيل، في وقت يعد فيه روحاني باتفاق مع الغرب في ثلاثة أشهر. هل يُحتاج الى الشك نعم. والى الحذر بيقين. لكن الالغاء المطلق ورفض الاشياء وصدها طلب مبالغ فيه لا تقبله دول الغرب. وحسنا أن الامر كذلك، لأنه في هذه الايام خاصة بعد اربعين سنة من حرب يوم الغفران، نشهد كل الخيارات التي أضعناها بسبب الغرور وعدم الثقة وعدم الانفتاح وعدم فهم الوضع. يُحتاج الى الصبر والى برودة الأعصاب والى شيء من التواضع وضبط النفس. هذا ما يُحتاج إليه ازاء الدبلوماسية التي تعرضها الولايات المتحدة واوروبا. وليس من المؤكد أن هذا موجود عند القيادة في اسرائيل.

 

يديعوت أحرنوت