أزمة شرعية

بقلم: تسفي بارئيل

البلاغ في التويتر كان حادا وواضحا: ننطلق الى انتفاضة ضد الجيش. فالتغريدات التي سبق أن جاءت من شوارع الاسكندرية تحدثت عن استخدام الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين؛ ومن القاهرة حيث احتشد الالاف وبدأوا يغلقون الشوارع؛ ومن بني سويف حيث قتل ناشط من الاخوان المسلمين في مشادة مع سائقي السيارات العمومية. تغريدات اخرى اقتبست تصريحات اطلقها ناشطون مسيحيون قالوا ان ‘الدستور الجديد يكتبه اليسوع بيده’، والى ذلك ارفقت صور اظهرت المظاهرات الجماهيرية في نحو ثلاثين مدينة في الدولة والى جانبها الشروحات التي تقول: ‘السيسي ووزير الداخلية يجندان الجيش والشرطة ضد الشعب’. الوضع في سورية، المعركة في سيناء وباقي الاحداث العالمية دحرت الان الى هوامش التقارير الصحافية التي تركز على الصراع الداخلي الشديد الجاري في مصر.

ساعة التوقيت السياسي التي شغلها عبدالفتاح السيسي، حين استولى على الحكم في بداية تموز/يوليو تواصل الدق وكأنه لا توجد حرب في سيناء ولا توجد مظاهرات في الشوارع. لجنة تعد خمسين ممثلا من صفوف الاكاديمية، القانون، حركات الاحتجاج والمؤسسات الدينية، التي من مهمتها صياغة الدستور الجديد، انتخبت الاسبوع الماضي عمرو موسى رئيسا لها. وفي غضون شهرين يفترض أن ترفع الى القيادة مسودة الدستور كي تطرح هذه على الاستفتاء الشعبي السريع الذي ستجري بعده الانتخابات.

الاخوان المسلمون غير ممثلين في هذه اللجنة، وذلك لانهم يرون فيها جزءا لا يتجزأ من الانقلاب العسكري، الذي كل تعاون مع أي من نتائجه معناه منح شرعية لمنفذيه. ولكن هذا القرار ليس مقبولا بالضرورة من كل ناشطيهم الكبار.

فبعض منهم نشروا مؤخرا مقالات ومدونات يمكن ان نقرأ فيها انتقادا معتدلا للقرار، وتخوفا من أن يؤدي الامتناع عن المشاركة في صياغة الدستور الى ازاحة الاخوان ليس فقط عن الحكم، بل وحرمانهم من امكانية التأثير على تصميم صورة الدولة. وبالمقابل، فان حزب النور السلفي بالذات قرر في اللحظة الاخيرة الانضمام الى اللجنة ومندوبوه يشاركون في عدة لجان فرعية مهمة ستصيغ ضمن امور اخرى البنود المتعلقة بمكانة الشريعة في منظومة القوانين والقضاء. وفي بيان رسمي من الحزب اوضح انه ينضم الى اللجنة ‘من أجل الحفاظ على الطابع الديني للدولة ولتثبيت انجازات الثورة’.’

ولكن انضمام حزب النور الى اللجنة اثار غضب الحركات السلفية الاخرى التي تتهم زعيمه، يونس محيي بـ’الاستسلام للتيارات العلمانية وبيع هوية مصر الدينية للجيش’.’ ويصعب احيانا التمييز الدقيق للفوارق الايديولوجية والدينية بين المنظمات السلفية، ولكن كقاعدة دُرج على تقسيمهم الى ثلاث كتل أساسية، السلفيين السياسيين الذين يرون في مشاركتهم في الساحات السياسية أهون الشرور، بل واحيانا حاجة للحفاظ على قوتهم؛ السلفيين الانقياء الذين يبتعدون عن كل فعل سياسي ويكرسون أنفسهم للتعليم والتفسير للشريعة، والسلفيين الجهاديين الذين يرون ان الصراع العسكري هو الوسيلة الناجعة الوحيدة للاطاحة بالحكم الكافر في الدول العربية. ولكن حتى هذا التمييز عمومي جدا ولا يوضح لماذا مثلا الحزب الاسلامي، الذي هو الذراع السياسية لمنظمة الجهاد المصرية، (التي لا تتماثل مع الجهاد الاسلامي) تحاول اقناع الاخوان المسلمين بالتوقف عن المظاهرات والعنف، وفي نفس الوقت ترفض الانضمام الى لجنة صياغة الدستور. وكان أكثر حدة الناطق بلسان حركة الوعظ السلفية عبدالمنعم الشحات، الذي قضى بان ‘استمرار التمسك بالرئيس المعزول سيخرج اولئك الذين يؤيدونه من التاريخ. يجب الكف عن المطالبة بعودة مرسي الى الحكم’. ‘

ويوجد للمواقف المتباينة هذه، التي يبدو الانشغال فيها احيانا ثقيلا وغير ذي صلة،’ يوجد الان معنى سياسي كبير، لان الحركات السلفية تعتبر نفسها البديل السياسي لحركة الاخوان المسلمين، وكمن يمكنها أن تجلب الى حضنها الانجازات التي حرمت منها، بسبب السلوك السياسي الخاطئ. والسلفيون السياسيون الذين ينتظمون في احزاب معروفة، مثل حزب النور وحزب الاصالة وحزب النهضة الى جانب اولئك الذين ارتبطوا باحزاب أو منظمات غير معترف بها رسميا، لا يتطلعون الى قيادة مصر. فهم يعرفون ان قوتهم الجماهيرية بعيدة عن قوة الاخوان المسلمين في الانتخابات للبرلمان قبل سنتين حصلوا على نحو 27 في المئة من اصوات الناخبين مقابل 45 في المئة حظي بها التحالف الديمقراطي، الذي يسيطر فيه حزب الحرية والعدالة للاخوان المسلمين. ولكن انصراف الاخوان عن الساحة السياسية يضع الحركات السلفية في مكانة من يمنح الشرعية الدينية للجماعة السياسية التي تقود مصر الان، والتي رغم طابعها العلماني والليبرالي ستجد صعوبة في اقناع الجمهور المصري بانها تمثله من دون عنصر ديني مهم.

ومثلما هو دارج في اسرائيل، فان للشراكة الدينية ثمنا يعرضه حزب النور كمردود لمشاركته في لجنة صياغة الدستور. ويتعلق الموضوع موضع الخلاف بطبيعة الحال بمكانة الشريعة، كما هو مصوغ في المادة 219 من الدستور الذي اقر بعد الثورة وصادق عليه الاستفتاء الشعبي. وهذه مادة غامضة تفسر ما هي أسس الشريعة التي يجب أن يقوم عليها التشريع الرئيس في الدولة، ولكن المشكلة الاساس فيها هي أنها تمنح الفقهاء الدينيين القدرة على التدخل في أعماق الدولة عبر ثغرة التفسير.

وهذا ما يعارضه العلمانيون الذين رأوا في هذه المادة ترخيصا مركزيا، سعى مرسي بناء عليه لان يحقق دولة الشريعة. هذه المادة، كما يقرر معظم اعضاء لجنة الصياغة الجديدة، يجب أن يلغى، ولكن من يريد السلفيين كجزء من لجنة الصياغة لا يمكنه أن يتجاهل موقفه. ‘

وبشكل غير مفاجئ يتبين أنه عندما تكون الانجازات السياسية على كفة الميزان، فان السلفيين ايضا، او على الاقل رجال حزب النور، سيكونون مستعدين للحلول الوسط. فقد أعلن ممثله بانهم مستعدون لالغاء المادة 219، شريطة أن يوجد لبابها في المادة التي تقرر بان مبادئ الشريعة هي مصدر التشريع الرئيس. وهذا هو الخلاف الذي يتعين حله في غضون وقت قصير، اذا ما أصر الجيش على أن تجرى الانتخابات في موعدها. وليست هذه هي المادة الوحيدة موضع الخلاف. مثلها ايضا المادة التي تتعلق باستمرار ولاية مجلس الشورى، مكانة الجيش والرقابة العامة عليه، صلاحيات الرئيس ومواد اخرى تطرح في أوساط اعضاء اللجنة السؤال، اذا كان ينبغي صياغة دستور جديد أم الاكتفاء بالتعديل وتغيير الدستور المقر.’

وأمام الخطوة السياسية السريعة التي يمليها الجيش سيواصل الاخوان المسلمون طرح الجيش ومن عينهم في الحكومة وفي لجنة صياغة الدستور كخونة ليس لهم أي تفويض لتغيير نتائج الانتخابات التي رفعت مرسي الى الحكم.

الجيش، الذي ينسخ اساليب العمل التي اتخذها الرئيس مبارك ضد الاخوان المسلمين، يواصل من جهته التأكيد على العلاقة بينهم وبين الارهاب في سيناء، كي يثبت للجمهور شرعية كفاحه ضد الاخوان وتحطيم شرعية الاخوان.

السؤال الصعب التالي سيأتي عندما سيكون الجمهور مطالبا بان يتوجه الى الصناديق للتصويت، فهل سيرى امام ناظريه مسرحية متكررة لحكم مبارك، أم فصلا ديمقراطيا جديدا بفضل مشاركة السلفيين.