الضغط على غزة يزداد وحماس تُحذر من تصعيد

بقلم: عاموس هرئيل

تزيد مصر في الاسابيع الأخيرة الضغط على حماس في غزة. وتطلب القاهرة الى قيادة المنظمة الفلسطينية أن تمنع بكل ثمن عمليات من قطاع غزة موجهة على اسرائيل، وأن تكف عن مساعدة المنظمات الاسلامية في سيناء التي تصارع النظام الجديد في مصر.
قدّر نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، موسى أبو مرزوق، يوم الاحد أن الشعب الفلسطيني على شفا انتفاضة ثالثة. وكتب مسؤول حماس الكبير في صفحته في الفيسبوك، أن رام الله فشلت في محاولتها اعطاء الشعب الفلسطيني الاستقلال، وأن مخطط وزير الخارجية الامريكي جون كيري والاموال الكثيرة التي وعد بها لن تنقذ الوضع. وقال إن موجة الاعتقالات التي تنفذها اسرائيل في مناطق الضفة تشير الى بدء الانتفاضة.
أحدث الانقلاب العسكري في القاهرة في تموز/يوليو الاخير تحولا استراتيجيا كبيرا في المنطقة، كانت حماس الى الآن من المتضررات الرئيسات منه. وتوجه القاهرة في كل يوم تقريبا اتهامات جديدة الى حماس وتكشف عما تعرضه على أنه جهود لتنفيذ عمليات موجهة عليها. وقد أطلق جنود مصريون في الشهر الأخير النار على مواقع حماس على الحدود في رفح، وسُجل اطلاق نار من سفن سلاح البحرية المصري على صيادي أسماك من غزة اقتربوا من سواحل سيناء.
فُتح معبر رفح من قطاع غزة الى سيناء الآن ساعات معدودة فقط كل يوم تبلغ اربع ساعات في الأكثر بدل ثماني ساعات في الماضي، وقلّ عدد المارين منه في الاتجاهين من نحو 1300 في المعدل كل يوم الى 350 فقط. وفي الاسبوع الاخير أُغلق المعبر كليا بعد عملية اسلامية في مبنى الاستخبارات المصرية في مصر. ومنعت مصر ايضا خروج وزراء حماس عن طريق معبر رفح. وتضرر جزء كبير من أنفاق تهريب السلع والوسائل القتالية في رفح بسبب النشاط المصري، ويُدمر المصريون الآن بيوتا على مبعدة بضع مئات الأمتار في الجانب الغربي للحدود لمنع حفر أنفاق جديدة تحت غطاء المنطقة المبنية.
وتزداد الضائقة الاقتصادية شدة في غزة على أثر الضغط المصري. وتؤثر أزمة المحروقات في حركة الحافلات والسيارات الخاصة في القطاع، وهناك سكان يضطرون الى السير على الأقدام من مكان الى مكان. وقد دمّر المصريون أكثر أنفاق تهريب المحروقات وارتفع سعره للمستهلك من 3.8 شيكل للتر الواحد الى ضعف ذلك. والمحروقات التي ما زالت مع كل ذلك تُهرب من مصر تُنقل في أكثرها بحسب توجيه حكومة حماس الى محطة توليد الطاقة المركزية في القطاع.
أصبح الامداد بالكهرباء اليوم ينقطع في القطاع ساعات كثيرة في كل يوم بسبب صعوبة استعمال محطة توليد الطاقة. وأُقيم في محطات الوقود مراقبون من قبل حكومة حماس، ويفحص هؤلاء في الحاسوب أتوجد ديون للسلطات على السائقين قبل أن يُسمح لهم بملء الوقود لكنه تُفرض آنذاك ايضا تحديدات شديدة للكمية التي يحق لكل مواطن ملؤها، وفي الآن نفسه نشأت سوق سوداء للسلع التي لم تعد تمر عن طريق الأنفاق من سيناء. وتخسر حماس عشرات ملايين الشواكل كل شهر، وأموال ضرائب اعتادت السلطة في غزة أن تجبيها على سلع هُربت من سيناء.
إن حماس قلقة من الشعور بالمرارة بين سكان غزة بسبب الوضع الاقتصادي الذي يزداد سوءا. وبدأ في الاسابيع الاخيرة تنظيم احتجاج يحاول تقليد الحركة العلمانية ‘تمرد’ التي ساعدت الانقلاب الاخير في القاهرة، لكنها تتصل بفتح في واقع الامر. وإن هدف التنظيم القريب هو حشد مسيرة كبيرة في غزة في الذكرى السنوية التاسعة لموت ياسر عرفات في 11 تشرين الثاني/نوفمبر. والى ذلك حشدت فتح في غزة في مطلع السنة مسيرة شارك فيها مئات الآلاف.
أعلنت اسرائيل في الاسبوع الماضي عددا من البوادر الطيبة بسبب الازمة الاقتصادية في القطاع. فقد تقرر في جملة ما تقرر التمكين لأول مرة منذ سنوات من إدخال مواد بناء الى القطاع ليستعملها القطاع الخاص.
إن اسرائيل تحرص على أن تؤكد أن هذه الخطوات تتم بطلب من رئيس السلطة محمود عباس لا لأجل حماس، بل محاولة أن تقوي مكانة السلطة في غزة. ومكّنت اسرائيل ايضا من نقل كمية أكبر من المحروقات الى القطاع، لكن الغزيين لا يسارعون الى طلب شحنات مرسلة اخرى بسبب فرق الأسعار الكبير بين المحروقات الاسرائيلية والمحروقات المهربة.
تشعر حماس الآن بعزلة اقليمية أخذت تقوى. وقد تضعضعت الصلة بمصر تماما وكانت الازمة مع ايران قد نشبت قبل ذلك بسبب تنديد حماس بالمذبحة التي يقوم بها نظام الاسد على المتمردين السنيين وكثير منهم اسلاميون متطرفون، في سورية. ولم يعد الدعم الذي كانت تقدمه قطر وتركيا الى غزة كما كان بسبب الزعزعات في المنطقة وجهود هاتين الدولتين للحفاظ مع كل ذلك على قناة اتصال بنظام الحكم الجديد في القاهرة.
تهاجم وسائل الاعلام المصرية حماس في كل يوم، وتبدو قيادة حماس في غزة على نحو ليس من سماتها، أنها ترد متأخرة وبعدم فهم للتطورات. ما زال الوضع في القطاع تحت السيطرة، لكن حماس تواجه صعابا أخذت تقوى ولا سيما بسبب الضغط المصري.
تشتكي مصر من المساعدة التي تعطيها المنظمات الغزية للتمرد الاسلامي في سيناء. وكشفت سلطات الأمن المصرية في عدة حالات عن وسائل قتالية في سيناء كانت عليها كتابات تشهد، على أنه صنعها ناس حماس والجهاد الاسلامي في غزة. وعلى حسب معطيات رسمية نشرها المصريون كان نحو من 30 في المئة من الـ130 الناشطين الذين قتلتهم قوات الأمن في سيناء، كانوا غزيين.
إن القاهرة قلقة على نحو خاص من محاولات المنظمات الارهابية أن تشل النقل البحري بطريق قناة السويس. وكانت محاولة قبل بضعة اسابيع لاطلاق صواريخ مضادة للدبابات على سفينة مرت في القناة. وستبدأ المحاكم المصرية البحث في الشهر القادم في سلسلة استئنافات تطلب من السلطة أن تزيد في شدة الحصار لغزة ومنع خروج الفلسطينيين عن طريق رفح الى مصر.
إن أحد الامكانات المتاحة لحماس هو أن تعلن محاولة لمصالحة من جديد مع قيادة السلطة في الضفة. والمشكلة هي أن أبو مازن ورجاله ليس فقط لا يخرجون عن أطوارهم لمساعدة حماس، بل إنهم لا يُجهدون أنفسهم في إخفاء رضاهم عن اسقاط حكم الاخوان المسلمين في مصر. ويريد رئيس حكومة حماس، اسماعيل هنية، أن يدفع بالمصالحة قدما، لكن آخرين من قيادة المنظمة يعتقدون أن الحديث عن انتحار سياسي، وأن حماس تستطيع الاستمرار في إظهار التصميم رغم الضغوط.
وهناك امكانية اخرى هي التأليب على مصر فقد كانت عدة مسيرات شعبية نُظمت في احتجاج نحو الحدود المصرية. وستكون الامكانية الثالثة هي العودة الى النمط الثابت الماضي وهو التصعيد مع اسرائيل. قدّروا في ‘الشاباك’ في سنين خلت أنه في كل مرة ستواجه فيها قيادة حماس في غزة مفترق الطرق الذي يجب عليها فيه أن تختار بين استمرار حكمها او الحفاظ على فكرة المقاومة لاسرائيل، ستختار بقاء النظام. لكن القيادة الغزية الآن محشورة في الزاوية على نحو لم تعرفه في الماضي. ويُصور رسم كاريكاتوري نُشر في صحيفة لحماس القطاع بين مقصين لهما ذراع اسرائيلية وذراع مصرية. ومن الصعب جدا أن نُقدر كيف سترد حماس في الأمد البعيد، لكن يوجد خطر أن يوجه الغضب على الحصار على اسرائيل ايضا، بصراحة.
إن حدود القطاع هادئة على نحو مميز في الاشهر الاخيرة استمرارا للاستقرار النسبي الذي كان يسودها منذ انتهت عملية ‘عمود السحاب’ في غزة في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي. ويُقدرون في الجيش الاسرائيلي أن حماس والمنظمات الارهابية الاخرى في القطاع ما زالت تستعد لاحتمال مواجهة عسكرية اخرى مع اسرائيل. ويوجب انخفاض مقدار تهريب السلاح على المنظمات الفلسطينية أن تعتمد أكثر على انتاج محلي لصواريخ لمدى متوسط بدل صواريخ فجر الايرانية.
وفي الوقت نفسه تُدفن شحنات ناسفة بالقرب من الحدود ويوجد أساس معقول لنفرض أنه يستمر حفر الأنفاق الى داخل الارض الاسرائيلية بغرض استغلالها في عمليات تسلل واختطاف في أوقات التصعيد. ‘يجب أن نحذر ألا يُضللنا الهدوء الحالي’، قال لصحيفة ‘هآرتس′ ضابط كبير في قيادة المنطقة الجنوبية. ‘من الواضح لنا أنهم يُعدون في الجانب الآخر هجمات حينما يحين الوقت وأن العمليات قد تقع فجأة من دون أن يكون للجيش الاسرائيلي إنذار سابق’.