حرب النووي تنتقل الى الامم المتحدة

بقلم: إيلي بردنشتاين

تالى جانب طوفان اللقاءات ومحاولة ممثلي ايران تنظيف السمعة واقتحام أسوار العزلة الدولية، ستصبح ساحة الامم المتحدة في الاسابيع القريبة القادمة ساحة جس نبض استراتيجية بين مذهبين فكريين متعارضين، ‘على أساس مكانة متساوية واحترام متبادل’، على حد قول روحاني في ‘واشنطن بوست’. فروحاني سيخطب غدا في الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك. أما نتنياهو فسيخطب في الامم المتحدة يوم الثلاثاء القادم.

في الوقت الذي سيسعى فيه ممثلو اسرائيل، حتى مستوى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الى التحذير من الانجراف الذي من شأنه أن يكون في صالح طهران في أعقاب التسونامي الدبلوماسي الايراني اثناء الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك ـ فسيذكر الايرانيون من على كل منصة ما يعرفه الجميع، حسب المنشورات الاجنبية، بأن اسرائيل تحوز مخزونات متنوعة من اسلحة الدمار الشامل: النووي، الكيميائي والبيولوجي.

وزير الخارجية الايراني الوافد، جباد ظريف، السفير الايراني السابق الى الامم المتحدة، الذي تعلم في جامعات رائدة في الولايات المتحدة ويتكلم الانكليزية بطلاقة، عُين في هذه الاثناء مسؤولا عن المفاوضات مع القوى العظمى على النووي. وهو لا يعتزم إضاعة الزيارة الى نيويورك وسيلتقي اليوم بوزراء خارجية هولندا، استراليا، ايطاليا، بريطانيا، سويسرا، اليابان، تركيا، عُمان، سلوفاكيا، كرواتيا، جورجيا وبلغاريا. بعد أن التقى يوم الخميس الماضي بالأمين العام للامم المتحدة بان كي مون، الذي أثنى على الخط الايراني الجديد. وسيلتقي ظريف ايضا بوزيرة الخارجية الاوروبية كاثرين آشتون، ليحدد في ختام اللقاء الموعد الذي تُجرى فيه جولة المحادثات التالية بين ايران والقوى العظمى الست.

هل سيعقد لقاء ايراني ـ امريكي على مستوى رفيع بين جباد وربما روحاني مع نظيريهما، وزير الخارجية الامريكي جون كيري والرئيس باراك اوباما؟ في البيت الابيض متحمسون لعقد مثل هذا اللقاء، ولكن التقدير هو أنه اذا ما عُقد فانه سيكون لقاء بين ظريف وكيري، لأنه بالنسبة للايرانيين يُعد اللقاء مع اوباما مبكرا جدا، قبل أن تُستأنف المفاوضات مع القوى العظمى، وعلى خلفية الانتقاد في ايران على انبطاح روحاني أمام الغرب.

في تل ابيب ينظرون الى الجدول الزمني للقاءات الايرانية في نيويورك ويُقدرون أن محاولات روحاني تجنيد العطف لموقفهم لن تنتهي بسرعة. ويفهمون في اسرائيل أنه لن يكون بوسعهم احباط هذه اللقاءات، ولا سيما بسبب التصريحات المتصالحة من طهران. ومع أن الساحة السياسية في اسرائيل غير راضية عن الحملة الايرانية، الساعية الى تجديد الثقة الدولية والشرعية للجمهورية الاسلامية، إلا أن اسرائيل تنازلت عمليا مسبقا عن ذلك، ولن تخوض حملة لافشال عقد هذه اللقاءات. وفي تل ابيب سيواصلون الشرح لنظرائهم في الغرب لماذا يتعين عليهم أن يكونوا حذرين، ولكن ليس أكثر من ذلك.

ومع ذلك، في تل ابيب يأملون بأن تكون الحكومة الايرانية الجديدة مطالبة بأن تثبت بالافعال بأنها تغير النهج بالنسبة للبرنامج النووي. الأمل هو التعبير السليم في هذا السياق. وذلك لأنه خلافا لما نشر في ‘نيويورك تايمز′ عن رسائل تهدئة صدرت من واشنطن، ففي تل ابيب لا يعرفون وعودا نُقلت الى اسرائيل من جهة الادارة الامريكية. ويقولون إن أحدا لم يعدنا بشيء، وكل ما يقولونه لنا، بمثابة رفع العتب، هو أن الايرانيين سيُفحصون حسب أفعالهم.

حتى هنا بالنسبة للنووي الايراني، ومن هنا لاحقا الى النووي الاسرائيلي. في نهاية الاسبوع نجحت اسرائيل في احباط مبادرة عربية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاصدار قرار حول ‘قدرات اسرائيل النووية’ ووضع المنشآت النووية في اسرائيل تحت رقابة الوكالة. وهذا مشروع قرار يحاول العرب طرحه كل سنة على مدى السنوات الخمس الاخيرة. في 2009 خسرت اسرائيل وأُقر المشروع بالاغلبية. في 2010 انتصرت اسرائيل. وفي السنتين التاليتين، قرر العرب ألا يطرحوه للتصويت.

يوم الجمعة الماضي، في أعقاب جهد متعاظم، انتصرت اسرائيل بأغلبية كبيرة من ثماني دول، وتوصلت الى تأجيل التصويت في ظل ارتفاع كبير في عدد الدول التي امتنعت أو تغيبت، غير أنهم في نل ابيب يشعرون بأن النقاش عن النووي الاسرائيلي (حسب مصادر اجنبية) كفيل بأن يعود بقوة أكبر الى جدول الاعمال الدبلوماسي العالمي، ومن ستقوده وتقود الدعوة الى عقد مؤتمر دولي لتجريد الشرق الاوسط من السلاح النووي، ستكون ايران بالذات. فليس صدفة أن تحدث روحاني أمس منددا باسرائيل التي تشكل الخطر الحقيقي على استقرار المنطقة حين تخرق، على حد قوله، المواثيق الدولية وتراكم كميات هائلة من السلاح الكيميائي والنووي.

بعد تقرير مراقبي الامم المتحدة الذي قضى بأنه كان استخدام كثيف للسلاح الكيميائي في سورية والصفقة الروسية لتدمير مخزونات هذا السلاح، فان التقدير هو أن ايران (الى جانب دول الجامعة العربية وعلى رأسها مصر) ستحاول أن تُدخل الى الحوار المتجدد على النووي الايراني اسرائيل والقدرات الخاصة المنسوبة لها.

كان اوباما هو الذي أعطى موافقته في 2010 على المبادرة المصرية لعقد مؤتمر من هذا النوع، رغم استياء اسرائيل. ومع ذلك فقد كان الامريكيون، لاستياء روسيا، هم الذين قرروا تأجيل انعقاد مؤتمر دولي كهذا في نهاية السنة الماضية. محاولات مختلفة لاقناع الجامعة العربية للقاء مع اسرائيل، في آذار/مارس الماضي ولاحقا في أشهر الصيف، والبحث في جدول اعمال هذا المؤتمر والوصول الى توافقات بالاجماع، فشلت بسبب رفض العرب.

ويعتقدون في تل ابيب أن أحد معاني تأجيل القرار المناهض لاسرائيل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو أن العرب لن ينجحوا في الصدام مع اسرائيل في محفل دولي. كما أنهم يعتقدون هناك بأن القرار يعبر عن فهم أعمق من جانب الأسرة الدولية لمصالح اسرائيل الأمنية، على خلفية الهزة في الشرق الاوسط. ومع ذلك يعرفون في القدس جيدا أنه كلما سخنت الاتصالات بين ايران والولايات المتحدة فانه ستتزايد التوجهات لاسرائيل بشأن القدرات النووية المنسوبة لها.

حرره: 
م . ع