15 عربيا اسرائيليا على الأقل يحاربون في سورية

بقلم: جاكي خوري

‘ ‘كان مؤيد يختلف في السلوك. فقد بحث عن أن يكون أنشط واهتم دائما بما يحدث في الدول حولنا. وقد حاولوا عدة مرات أن يُقنعوه بترك ذلك لكنه أصر واستسلموا في العائلة لارادته’. قال هذا الكلام لصحيفة ‘هآرتس′ قريب لمؤيد زكي إغبارية من سكان قرية مشيرفة في وادي عارة، الذي قُتل في الاسبوع الماضي في معارك في سورية، بعد أن انضم الى صفوف المتمردين.

ولم يكن مؤيد وحده، فحسب تقديرات مختلفة خرج بين 15 20 شابا اسرائيليا عربيا أكثرهم من البلدات العربية في وسط البلاد للقتال في تلك الدولة، خاصة في صفوف العصابات المسلحة، التي هي أكثر ولاء لمنظمة جبهة النُصرة والقاعدة. فما الذي يدفع اولئك الشباب الى ترك العائلة وقطع مسافة حتى سورية للمشاركة في حرب دامية؟

اذا نظرنا من الجانب الاقليمي فان انضمام الشباب الى صفوف المتمردين ليس خطوة غير عادية. فالمتمردون أنفسهم مثل حكومات في الدول العربية والاوروبية ايضا يعترفون بأن آلافا من ذوي الجنسيات العربية أو الاوروبية جاؤوا في السنوات الاخيرة الى سورية، للمساعدة على قتال جيش النظام. وأصبحت هذه القضية ايضا مركزية في تقديرات القوى الكبرى والدول الغربية في مسألة إسقاط نظام الاسد، لأنه لا أحد يضمن أن تحل محل الجيش النظامي قوة مدربة من المواطنين، والخوف الأكبر هو أن تكون الهيمنة على الارض للعصابات المسلحة من القاعدة على اختلاف فروعها.

يرفض أكثر العائلات في اسرائيل بشدة التعاون، خشية أن يضر الكشف عن الامر بأبناء العائلة الاخرين أو يُعرض ابن العائلة في سورية للخطر. وليس من الممكن ايضا أن نحدد بدقة عددهم، لأن أكثرهم، وهم شباب في العشرينيات من أعمارهم خرجوا من البلاد بصورة قانونية الى تركيا في الأساس واختفت آثارهم هناك. ويمكن أن نقول بيقين من أحاديث أجرتها صحيفة ‘هآرتس′ مع عدد من أبناء العائلات ان اغلبية اولئك الشباب كانوا متدينين ورعين، وكان عدد منهم من التيار السلفي من جهة صورة اللباس والحياة اليومية.

وبدت شهادة واضحة على ذلك في صورة مؤيد إغبارية التي عُلقت في باحة بيت العائلة في مشيرفة، والى جانبها كتابة تناسب صورة علم الجهاد العالمي والقاعدة. وبيّن أبو بكر، وهو قريب لمؤيد، أن مؤيد لم يُخفِ حبه للجهاد ورأى أكثر من مرة أن قادة القاعدة ومنهم أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي هم أناس يُقتدى بهم.

وأضاف قريب آخر هو ماجد فهمي أن نية إغبارية أن ينضم الى الجهاد العالمي لم تكن جديدة. ‘فقد ترك في 2006 البلاد الى الاردن وكان ينوي أن يجتاز الحدود الى العراق للانضمام الى المتمردين هناك. وقد سافر والهاتف معه، وبذلك نجح أبوه في الاتصال به وخرج على أثره فمنعه من الخروج وأعاده من الحدود العراقية. وقد غادر في هذه المرة بغتة من دون هاتف. ويبدو أنه أصر جدا على الانضمام الى تلك المنظمات ولم تُغير شيئا حقيقة أنه تزوج قبل سنة فقط’.

بحسب ما تعرفه العائلة غادر البلاد مع مؤيد قبل بضعة اسابيع ايضا شابان من أم الفحم كانا متدينين تقيين ايضا وشاركاه نفس التصور العقائدي، وعائلتاهما خائفتان على مصيرهما. إن صورة الوضع عند عائلة ياسين في مدينة طمرة في الجليل الغربي أقل توترا، لأن ابن العائلة محمد ياسين وهو في الخامسة والعشرين من عمره الذي خرج الى سورية ايضا، يحافظ على الاتصال بهم كما يقولون. ‘إنه يتصل مرة كل اسبوع أو اسبوعين احيانا، ولا يُكثر الحديث بل يقول لي فقط إنه على ما يرام’، قالت أمه وحيدة ياسين، ‘لا أعلم أين يوجد والى من انضم، آمل فقط ألا يُصاب’.

مكث ياسين في سجن مؤبد في السجن الاسرائيلي وهرب الى سورية عن طريق الجولان حينما كان في إجازة من السجن قبل نحو من نصف سنة. وساعده أخوه حاتم وصديق آخر على الوصول الى جدار الحدود، ودخل منه الى سورية وفُرضت على الأخ في الاسبوع الماضي 19 شهر سجن بسبب ذلك. وتقول الأم: ‘لم أعلم شيئا عن خططه. صاحبته في يوم الاجازة من باب السجن ولم أتخيل أبدا أن يفعل شيئا كهذا’.

وقدّر أحد معارفه أنه انضم الى جيش سورية الحر. ‘دين بالقتل حينما كان حدثاً وحُكم عليه بالسجن المؤبد. وقد قضى وراء القضبان سبع سنوات وبقي له عشر أو أقل بقليل. لا اؤمن بأنه هرب فقط للخروج من البلاد، بل أعتقد أنه كان عنده باعث ايديولوجي ايضا’، قال.

كان بين اولئك الذين خرجوا الى سورية ايضا من استقر رأيهم على العودة. ففي آذار/مارس من هذا العام اعتقلت قوات الامن في مطار بن غوريون حكمت مصاروة وهو شاب في التاسعة والعشرين من عمره من الطيبة، بعد أن هبط من الطائرة من تركيا. وجاء في لائحة اتهامه أنه تسلل الى سورية عن طريق الحدود مع تركيا عن مشايعة عقائدية وانضم الى صفوف المتمردين. ويُبين أبناء عائلته في مقابل ذلك أنه خرج الى سورية للبحث عن أخيه. وهناك شاب آخر ما زال معتقلا وما زالت محاكمته جارية وهو عبد القادر التلة، وهو من الطيبة ايضا درس الصيدلة في الاردن وخرج الى سورية عن طريق تركيا. وقال أحد أبناء عائلته إنه ‘خرج الى هناك لاسباب انسانية. لا أنكر أنه كان متدينا لكن الشيء الذي حثه هو الصور القاسية التي رآها في التلفاز، بل إنه أخذ معه أدوية’.

مكث عبد القادر في سورية بضعة ايام فقط واستقر رأيه بعد ذلك على العودة الى البلاد عن طريق تركيا واعتقل في مطار بن غوريون. ‘اطلع هناك على فظاعات، وأدرك كما يبدو أن الامر ليس نزهة ولا مغامرة’. ويخوض أبناء العائلة نضالا قانونيا للافراج عنه الى حجز منزلي، وبعد أن نالوا نجاحا في المحكمة اللوائية في اللد استأنفت النيابة العامة على القرار الى المحكمة العليا.

يقول أحد أقربائه إن عبد القادر كان محظوظا لأنه نجح في العودة، لأن اولئك الشباب الذين يأتون الى سورية بارادتهم الحرة يصعب عليهم أن يغادروا الدولة آخر الامر. ‘أدركنا متأخرين أنه بسبب مجيئه بصورة مستقلة وعدم انضمامه الى منظمة ما، نجح في العودة لكن في ما يتعلق بالآخرين الذين ينضمون الى العصابات المسلحة تكون صورة الوضع مختلفة بيقين: ففي اللحظة التي تحصل فيها على سلاح وتدخل التدريبات تغرق في ذلك حتى عنقك. وأقول لكل اولئك الذين يفكرون في الخروج الى هناك إنه ليس الحديث عن مغامرة وفيلم حركة، بل هي حرب، حرب دامية’.

إن الغموض الذي يلف الامور وعدم تعاون العائلات يمنعان الى الآن أي نقاش في المستوى العام في المجتمع العربي لهذه الظاهرة. فالاحزاب والحركات السياسية من جهة لا تكاد تتناول الامر رسميا، ويرفضون في الحركة الاسلامية، حيث الموقف الرسمي هو دعم المتمردين في سورية، كل محاولة للربط بينهم وبين اولئك الشباب. وقد ذكر نائب رئيس الحركة الاسلامية الشيخ كمال خطيب في مقابلة صحافية أجراها في نهاية الاسبوع الماضي لراديو الشمس في الناصرة، أنه لا يعرف ولم يسمع أي إمام في مساجد الحركة أو في كل مكان آخر دعا الى الانضمام الى المتمردين. ‘صحيح أننا نؤيد الثورة في سورية لكننا نؤمن بأن الشعب السوري يستطيع تحمل المسؤولية وحده. وعلينا نحن الفلسطينيين مسؤولية عما يجري هنا وقضايانا الساخنة هي على رأس الأجندة. فيجب علينا ألا نبحث عن صراعات وراء الحدود ولهذا فان كل من يربط بين هذه الظاهرة والحركة الاسلامية يبحث عن التحريض علينا فقط’.

ويوافق رجل حياة عامة من سكان وادي عارة مطلع على تفاصيل أمور عدد من الشباب، على أنه ليس الحديث عن ظاهرة واسعة توجب أن تتناولها الاحزاب ورجال الدين، لكنه يقول إنه ينبغي لزوم قدر كبير من الحذر. ‘إننا اليوم جزء من القرية العولمية والتعرض لايديولوجية القاعدة أو الجهاد العالمي يجب ألا يكون في هذا المسجد أو ذاك، بل يكفي متابعة مواقع الانترنت وعدد من قنوات الاقمار الفضائية لتكون في داخل ذلك. وهنا يأتي واجب الآباء وهو متابعة ما يجري في مرحلة مبكرة، ربما ليوجهوهم آنذاك الى رجال دين يُبينون لهم ويمنعونهم من الخروج، وإلا فان الامر سيباغت الجميع′.

حرره: 
م . ع