الكنافة حُلوة

بقلم: جدعون ليفي

‘يوجد عرض في هذا المساء. سيلبس مئات ملابس العيد وقد يلبسون لباسا أبيض ويأخذون سلاحهم وأطفالهم ويحضرون. وسيوقفون سياراتهم في الموقف الذي أُعد خاصة على ارض عائلة شريتح (من دون موافقتها بالطبع)، ويدخلون سوسية القديمة. كانت هناك حتى سنة 1986 قرية فلسطينية سكنها مئات السكان في كهوف ومغارات. وطردتهم اسرائيل بـ’مصادرة لحاجات الجمهور’، وحولت ادارة الموقع الى مستوطنة سوسية بصفة فرع ذي ايراد آخر (لحاجات الجمهور)، بالطبع.

وعند ظاهر الموقع انشأ المستوطنون عددا من الأكواخ داهموها ايضا. وطُرد الفلسطينيون من موقعهم الجديد مرتين الى أن قضت المحكمة العليا في سنة 2001 بأن الحديث عن ‘خطأ’، ولكن خطر الطرد يداهمهم مرة اخرى.

سيأتي الى سوسية هذا المساء جمع كثير من الناس. وسيكون عدد ممن سيأتون من مُسممي الآبار ومُهاجمي الرعاة ومُقتلعي الاشجار ومُحرقي الحقول من سوسية وحفات لوتسفير وحفات معون ومتسبيه يئير وأفيغيل ومتسبيه عساهئيل وغيرها. وسيظهر في هذه الارض المشاعة العنيفة في هذا المساء مطرب محبوب، ويظهر في منطقة الفصل العنصري هذه مطرب ذو رأي، استقبلوا بالهتاف ايهود بناي. وقد كتب يتعوج في صفحته في الفيسبوك: ‘أردت المجيء للعرض في سوسية رغم آرائي… كي أنقل رسالة تقريب بين القلوب بهدي من عيد العريشة’ إنه دبق الكنافة الحلوة. وطلب بناي المعذرة من ‘السكان’، الذين هم بالطبع المستوطنون فقط، وعن الاعلان السابق لأوانه جدا بالغاء عرضه. واتفق مع تسفيكي بار حي، رئيس المجلس، على عدم إتمام العرض ‘بسبب الجو غير الطيب الذي نشأ حوله’، وبعد ذلك فورا غير رأيه وليس واضحا لماذا.

كتب إليه أحد سكان سوسية الفلسطينية، وهو ناصر نواجعة، في الفيسبوك: ‘حينما تظهر في الموقع يا سيد بناي أنظر حولك. فستستطيع أن ترى الى الآن بقايا القرية والكهوف التي كنا نسكنها، وآبار الماء التي كنا نشرب منها’. كان ناصر في الرابعة من عمره حينما طُرد من بيته الذي سيصبح في هذا المساء باحة العروض الموسيقية لبناي. وقد حاول أبوه الشيخ محمد وليعلم هذا مطرب التقريب بين القلوب أن يزور الموقع، وخلد فيلم وثائقي ذلك الحدث: فقد طرده المستوطنون في خزي وعيناه ممتلئتان بالدموع.

غنى بناي ذات مرة: ‘لامرأة واحدة فقط/ أخذت الريح بيتها/ وقف الزمن عن السير’ (‘بعد العاصفة’). ويحسن أن يفكر فيها في هذا المساء. وغنى بناي ذات مرة في سياق مختلف تماما ‘نحن هنا ضيوف للحظة/ أنظر حولك/ ليست هذه شاحنتنا’ (‘مر زمن’). وغنى بناي ذات مرة في سياق مختلف ايضا ‘الظلام يغلب هنا’ (‘بلوز كنعاني’).

أجل إن الظلام يغلب هنا، وسيغلب أكثر في هذا المساء. إن بناي سيجعل المستوطنين تطيب أوقاتهم بغنائه وهذا حقه بالطبع. لكن كان من الواجب عليه أن يقاطعهم. كان يجب على من قال ‘إخلط الجص يا أحمد’ أن يظهر في هذا المساء في مكان آخر. في خلة مكحول في غور الاردن مثلا، في المكان الذي بقي فيه عشرات من السكان بلا سقف بعد أن هدم الجيش الاسرائيلي قراهم، ولا يخطر ببال أي مطرب اسرائيلي أن يفعل ذلك. وكان يستطيع أن يعرض في سوسية وأن يدعو المطرودين منها لتقريب القلوب. لكن بناي اختار أن يعرض في سوسية في مكان يُحظر فيه الدخول على الفلسطينيين، في واقع الامر لأنه ‘يعارض المقاطعات’. واختار بناي أن يعرض في سوسية، ‘رغم آرائه’، التي لا يعلم أحد ما هي.

كان سيزيد احترامي له لو أعلن أنه يميني لأنه ليس روجر ووترز، لأنه لا يوجد عندنا روجر ووترز واحد شجاع ومستقيم، ولا حتى واحد.

التقيت هنا ذات مرة الراعي الطاعن في السن خليل نواجعة وزوجته تمام. وقد هوجما مرتين بالهراوات على أيدي مستوطنين.

ورأيت ذات مرة الشياه الميتة التي سُممت في خربة طواني المجاورة. ورأيت مرة سيارة الجيب الحمراء التي خرجت من مستوطنة سوسية وسرق ركابها من الفلاحين بالقوة محصولهم من الزيتون. وسيأتي المهاجمون والمسممون والمقتلعون والمحرقون في هذا المساء ليهتفوا لبناي، مطرب القلوب والروح في اسرائيل. إن الكنافة حلوة يا إيهود، وتوجد رائحة لطيفة في الهواء؛ إن الكنافة حلوة وأنا أتذكر الضوء الصافي.

حرره: 
م . ع