للحرد ثمن

بقلم: تسفي بارئيل

الفهم العادي هو أن العقوبات او تجميد العلاقات الدبلوماسية بين الدول الغربية ودولة في العالم الثالث تلحق ضررا جسيما للدولة المستهدفة فقط، ولكن اذا ما سألنا شركات النفط او مصانع الانتاج الامريكية أو الاوروبية، يتبين ان الكلفة التي يتكبدها المواطن الامريكي او الاوروبي بسبب السياسة الخارجية كبيرة واليمة.

قبل سنة قدرت ثلاث شركات نفط كبرى في الولايات المتحدة بان العقوبات على ايران تكلف المواطن الامريكي نحو 25 سنتا لجالون البنزين. ويكاد يكون من الصعب الحصول على المعلومات عن المنتجات الاخرى. ويكاد يكون متعذرا تقدير الكلفة العامة للعقوبات، بما في ذلك الخسارات المحتملة. اما المعطيات عن الكلفة على المستهلك فغير متوفرة.

ولكن ليس فقط العقوبات التي تفرضها الدول الغربية تضر مباشرة بالصندوق القومي، فالسياسة الخارجية غير المتوازنة هي الاخرى يمكنها أن توقع ضررا حقيقيا مثلما تعلمت تركيا. فقبل نحو شهر تحدثنا هنا عن التخوف التركي من القطيعة الاقتصادية مع النظام العسكري في مصر، بسبب هجوم اردوغان الفظ على الجيش المصري، الذي اسقط محمد مرسي. في حينه لم يكن اتضح بعد بكامله مدى الغضب المصري على رئيس الوزراء التركي، الذي اشتد حتى أوقع قطيعة كاملة بين اتحاد الغرف التجارية المصرية وتركيا.

ما دفع التوتر بين الدولتين الى الذروة، كان تصريح اردوغان الاخير، الذي قال عن احمد الطيب، شيخ الازهر، المؤسسة الدينية الاهم في مصر وفي العالم الاسلامي كله، ان ‘التاريخ سيشتمه مثلما شتم مثقفين دينيين في الماضي’، لان الشيخ أيد الانقلاب العسكري واسقاط مرسي. ‘لن نستأنف العلاقة مع تركيا الى أن يعتذر رئيس الوزراء التركي’، كما جاء في بيان اتحاد الغرف التجارية.

في أعقاب البيان طالب ايضا اعضاء اتحاد عاملي السياحة بمقاطعة تركيا وقطر، الداعمتين للاخوان المسلمين، وشطبهما من قائمة الاهداف السياحية. كما يدعو أعضاء الاتحاد المواطنين المصريين الى عدم استخدام شركات الطيران التركية والقطرية. ففي العام الماضي وصل الى تركيا نحو 100 الف سائح مصري، ومنذ بداية السنة وصل الى مصر نحو 40 ألف سائح تركي. هذه المقاطعة لن تدفع الاقتصاد التركي الى الانهيار، ولكنها ليست الوحيدة التي تمارس ضدها.

شركة الاستثمارات الكبرى TAQA من اتحاد الامارات التي اعتزمت استثمار 12 مليار دولار في اقامة محطة توليد طاقة في تركيا، أعلنت قبل نحو اسبوعين عن تجميد الاستثمار الذي يعتبر الاكبر في تركيا. فقد قررت دولة اتحاد الامارات، التي تساعد مصر بنحو 3 مليارات دولار، وترى في الاخوان المسلمين عدوا مصريا، هي الاخرى تعاقب تركيا على سياستها تجاه مصر. قبل الانقلاب استثمرت تركيا نحو 2 مليار دولار في مصر. واعتزمت توسيع التجارة معها الى نحو 5 مليارات دولار في غضون خمس سنوات.

وقد دخلت هذه الرؤية الى جمود عميق وذلك لان التصدير التركي الى مصر توقف على نحو شبه تام.

وتضع المقاطعة المصرية، التي تنضم الى فقدان السوق السورية وتقليص الاستيراد في دول الخليج، تضع العجز التجاري التركي منذ بداية السنة عند نحو 60.5 مليار دولار، نحو 18.3 في المئة اكثر من العام الماضي. وتشير معطيات تموز/يوليو الى ارتفاع بنحو 10 في المئة في الاستيراد مقابل ارتفاع بـ 2.2 في المئة في التصدير مقارنة بذات الفترة من العام الماضي، وذلك قبل الارتفاع الاخير في اسعار النفط، الذي سيلحق بتركيا نفقات اخرى بنحو 300 مليار دولار.

من دون صلة بالسياسة الخارجية، هبطت الليرة التركية منذ ايار/مايو بمعدل 8 في المئة، ومن الصعب التوقع ان تكتفي بذلك في ضوء سياسة تركيا في تجميد الفائدة، حيث أعلنت انه بعد رفع الفائدة في الشهر الاخير فانها لن ترفعها حتى نهاية السنة.

وتسارع المعارضة التركية الهزيلة، كما هو متوقع، الى مهاجمة اردوغان على سياسته الخارجية التي تعزل تركيا في الشرق الاوسط وتلحق بالدولة ضررا اقتصاديا هائلا. ولكن اذا كانت هذه الهجمات في الماضي تعتبر نباحا غامضا على قافلة اقتصادية متينة تندفع من دون كوابح، فانه تنطلق الان أصوات قلقة في اوساط الاقتصاديين والمنظمات الاقتصادية الذين يخافون من أن تكون المعجزة الاقتصادية التي احدثها اردوغان قبل عقد من الزمان آخذة في التبدد. ومع أن المعطيات العموم اقتصادية لا تزال جيدة، ومكان الاسواق العربية تحتلها اسواق في جنوب امريكا وافريقيا، والتصدير الى اوروبا هو الاخر سجل ارتفاعا، الا انه عندما يضطر المواطن التركي الذي يتلقى أجره بالليرة التركية لان يدفع اكثر مما في الماضي لقاء منتجات مستوردة، يتعمق الاحساس بان احدا ما لا يتحكم جيدا بالمقود الاقتصادي.

مثل هذا الاحساس، اذا ما تعاظم وتجذر، من شأنه أن يكون هداما من ناحية اردوغان، الذي يعتمد على النجاح الاقتصادي كرافعة شديدة القوة للمضي قدما في تحقيق تطلعاته السياسية. ففي العام القادم سيرغب في أن ينتخب رئيسا للدولة واقرار اصلاحات مهمة في الدستور. وسيكون من الصعب عليه اقناع الجمهور بمنحه التأييد مرة اخرى اذا كان سيظهر كمن يكسر الفرع الذي يبني نفسه عليه. ولا يتبقى سوى أن نرى كم ستصبح مصر وسورية جزءا لا يتجزأ من السياسة الداخلية في تركيا و’تنتقمان’ من اردوغان.

حرره: 
م . ع