من "يوم الغفران" إلى "أوسلو": لا خيار سوى الانسحاب إلى حدود 1967

بقلم: رحيل نئمان

مرت أربعون سنة على حرب "يوم الغفران"، وعشرون سنة على اتفاقات اوسلو. وهاتان علامتا طريق مركزيتان في طريق اسرائيل المعوجة الى رسم حدودها. في العام 1973 بدأت اسرائيل بضغط الظروف اجراءً انتهى الى انسحاب من شبه جزيرة سيناء مقابل اتفاق سلام مع مصر. وفي العام 1993 اعترفت بضرورة الانسحاب من بعض اراضي الضفة مقابل اتفاق مع م.ت.ف وخرجت من المدن الفلسطينية. إن حركتي الانسحاب هاتين هما في حقيقة الامر حركة واحدة لإغلاق الدائرة، الدائرة التي فُتحت في العام 1967.

يجب كي نرى الصلة الداخلية العميقة بين 1973 و1993 أن نرجع الى الوراء الى سنة 1948. ففي تلك الحرب على البلاد لم تكتف قيادة الاستيطان العبري بالمنطقة التي خُصصت للدولة الجديدة بخطة التقسيم بل سعت بالحرب الى توسيعها وضم أجزاء اخرى من البلاد. وعمل المبدأ نفسه في العام 1967 حينما كانت الحرب وسيلة لتوسيع الارض وشُحنت بعد ذلك بأيديولوجية "ارض اسرائيل الكبرى المتخيلة" التي كانت تُرى ميراثا للشعب المختار.

ما زال درس "يوم الغفران" لم يُهضم بقدر الحاجة في عشرات السنين التي مرت. كان يُخيل إلينا في العقدين اللذين مرا منذ مقتل اسحق رابين أنه يمكن الاستمرار في البقاء في "المناطق" حتى نهاية الزمان. ويبدو أن نشوة القيادات الاسرائيلية لم تزُل بصورة نهائية أو أنها لم تزُل بقدر تعترف معه بأنه يجب عليها أن تعود الى المبدأ الذي صيغ في اتفاقات اوسلو، والذي يقول باختصار إن "ارض اسرائيل" هي ايضا وطن الشعب الآخر.

كُتب الكثير عن تلك الحرب لكن "اوسلو" هي علامة طريق مبلبلة. فقد كانت من جهة أول مرة يتصافح فيها الاسرائيليون والفلسطينيون علنا، وكانت أول مرة توافق فيها اسرائيل على الاعتراف بأن للفلسطينيين ايضا حقا في السيادة. ومن جهة ثانية فان هذا الاعتراف فضلا عن أنه لم يُفض الى دولة فلسطينية والى اتفاق على انهاء الصراع، نشأ عنه مستوطنات اخرى ومس آخر بحقوق الانسان في "المناطق" وابتعاد عن التسوية. ويلقي هذا التناقض المنطقي بظل ثقيل ايضا على المحادثات التي تُجرى الآن.

يجب كي نفهم لماذا فشلت اتفاقات اوسلو أن نصرف النظر عن العمليات التفجيرية وأن نفحص قبل كل شيء عن المزاج العام الذي كان سائدا وهو سائد الآن هنا. إنه مزاج طمع ينطلق من مبدأ "أنت اخترتنا". إن هذا المزاج العام المغرور جلب علينا الكارثة في العام 1973، وهو مسؤول ايضا عن انهيار اتفاقات اوسلو. واليوم أيضا يُملي المزيج الخبيث من الغرور والقومية سلوك اسرائيل في المجال السياسي.

إن الخط الممدود بين حرب "يوم الغفران" واتفاقات أوسلو هو خط وقف اطلاق النار. وبرغم أنهم يبنون بيوتا اخرى في المستوطنات يعلم الجميع أنهم سيكفون ذات يوم عن البناء وستعود قافلة اسرائيلية الى البيت. إن مبدأ الواقع الذي أخرجنا من سيناء ومن جنوب لبنان هو نفس المبدأ الذي أخرجنا من غزة وسيضطرنا آخر الأمر الى الخروج من الضفة ايضا.

إن من يفحص عن خريطة الأحداث منذ 1967 الى اليوم ولا سيما علامتي الطريق هاتين فلن يستطيع سوى أن يخلص الى استنتاج أن الطريق يفضي الى حدود 1967. وهذا الطريق مُضلل وفيه تقدم ونكوص وفيه انحراف واعوجاج، لكن الاتجاه واضح. ولذلك فانه حتى لو لم تؤتِ المحادثات بيننا وبين الفلسطينيين ثمارها فانه ليس لوكلاء الاستيطان ما يعتمدون عليه. إن منظر البيوت المنهارة تحت الجرافات في منطقة يميت وغوش قطيف علامات طريق واضحة الى ما سيأتي في المستقبل.

حرره: 
م . ع