"أوسلو" حرّك الخارطة السياسية الإسرائيلية يسارًا

بقلم: أريك بندر

لا يزال اليسار الإسرائيلي، الذي سار منذ اتفاق اوسلو متخبطا ووجد نفسه يتقلص ويفقد الارتفاع في الساحة السياسية، يلعق "جراح اوسلو" – الانتفاضتين وموجات العمليات التي خلفت في البلاد اكثر من الف ضحية، الاف الجرحى، وجمهورا يمينيا غاضبا ولا يغفر ولكنه لا يزال يؤمن بصيغة "اوسلو" وبرؤيا الدولتين. كما أنهم في اليسار مقتنعون بان طريقهم بالذات انتصر، وان اليمين تبنى الصيغة التي اتخذوها.

"بعد عشرين سنة من اتفاقات اوسلو لا أدري اذا كانت اتفاقات اوسلو هي فشل أم تفويت فرصة. أنا أعرف فقط بانها كانت ضرورة، فرضها الواقع"، هكذا يقول الوزير وزعيم ميرتس الأسبق، يوسي سريد، من رجال اليسار البارزين في العقود الأخيرة.

"ولدت مسيرة اوسلو ليس كثمرة تخطيط جلست فيه القيادة الاسرائيلية لتتمعن وفي نظرة بعيدة قالت لنفسها وللآخرين ان هذه هي السياسة المطلوبة. كل شيء جاء لاحقا بعد أن تقررت حقائق ناجزة، وبعد أن تعلمنا الدرس بالطريق الصعب، وعندها كان الواقع قد قرر، والسياسيون كانوا مجرد باصمين على الواقع"، يقول سريد.

يعتقد سريد بان الواقع الذي أملى اتفاقات اوسلو لم يتغير الا في خيال الناس، ولهذا فان "اوسلو" يبقى ضرورة. ومع ذلك، على حد قوله فان اليسار ارتكب اخطاء رهيبة، كالخطأ حين لم يخلِ الخليل أو حين قرر بان "اوسلو" سيتم على مراحل. وهو يشرح فيقول انه "لا يمكن القفز عن الهوة الاوسع بخطوة واحدة". وعلى حد قول سريد فان "اتفاق اوسلو لم يمت. الخطوة التالية ستكون استمرارا لأوسلو، ونأمل بانه في هذه المرة ستكون هذه عديمة الأخطاء".

أما رفيقه في "ميرتس"، الوزير والنائب الاسبق ران كوهين، الذي كان في حينه من قادة "السلام الان"، فيرى الامور بطريقة مختلفة بعض الشيء. "اتفاق اوسلو كان بالنسبة لنا دليلا عن صحة الطريق، ولكن منذ اغتيال رابين وكل الدولة – وليس نحن فقط بل كل الدولة – لا تزال تلعق جراح هذه المصيبة، لأنه بين اوسلو وبين اغتيال رابين بدأت مسيرة تاريخية بقيادة اليسار. في حينه جاء يغئال عمير وانتصر على الدولة وعلى المجتمع الاسرائيلي، على اليسار الاسرائيلي وعلى سواء العقل". ولا ينسى كوهين ايضا مساهمة الفلسطينيين في الازمة التي ألمت باليسار. "عملياتهم أدرجها كجريمة، ولهم دور حاسم في عدم نجاح اتفاقات اوسلو".

ليس لكوهين أي شك في أنه لو بقي رابين على قيد الحياة لكانت اسرائيل توجد اليوم في مكان آخر تماما. ومع ذلك، فانه لا يعتقد أن اليسار أنهى دوره. "أرى الان سياقات تحصل في ميرتس وفي حزب العمل تدل على مؤشرات انتعاش، وان لم يكن انتعاشا كافيا بعد كي يعود اليسار الى الحكم".

د. رون بوندك، الرئيس المشترك لمنتدى منظمات السلام الفلسطيني – الاسرائيلي، كان أحد مهندسي اتفاق اوسلو وشريكا في الاتصالات السرية التي أدت الى ولادة الاتفاق التاريخي. وهو يقول ان من يتحمل الذنب الأكبر في فشل اتفاقات اوسلو هو رئيس الوزراء الاسبق، ايهود باراك.

"عندما انتخب باراك رئيسا للوزراء أخذ على عاتقه دفع الاجندة التي دفعها معسكر السلام الاسرائيلي قدماً على مدى كل السنين في الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني. وبقدر كبير منحه معسكر السلام بشكل غبي فرصة قيادة الخطوات الى الامام. اما عمليا، فقد قادنا نحو فشل المسيرة السلمية والى الانتفاضة. فطريقته الهاوية في ادارة المفاوضات، ولا سيما في كامب ديفيد ادت الى تفجر المفاوضات، واندلاع الانتفاضة وصعود نتنياهو.

ويعتقد د. بوندك بأن "كل هذا حطم اليسار الاسرائيلي وخلق داخله عدة معسكرات. معسكر المتشككين، ولا سيما في حزب العمل، معسكر المتعاطفين الذين ينظرون من الجانب وينتظرون في الزاوية ومنتدى منظمات السلام الذي أترأسه ولا يزال لم يرفع الايدي". وعلى حد قوله فان "اليسار لم يعد يلعق الجراح كونها اندملت، ولكنه لا يزال يعاني من الصدمة". وقف "أوسلو"

أحد العرابين المركزيين لاتفاق اوسلو كان نائب وزير الخارجية الاسبق، د. يوسي بيلين. عندما ينظر الى الوراء، الى العشرين سنة التي مرت منذ اتفاق اوسلو، فانه يعتقد بان "معسكر اليسار انتصر".

"قلنا كل السنين انه لن يكون مفر غير الحديث مع م.ت.ف، بشروط معينة، وكنا محقين. نجحنا في تحقيق الشروط التي جعلتهم شريكا. نتنياهو وبينيت أيضا لا يشككان في أن السلطة الفلسطينية هي اليوم شريك لانه نشأ على الارض واقع جديد لرئيس فلسطيني وسلطة فلسطينية يقيمان علاقات قريبة مع اسرائيل، يديران تنسيقاً أمنياً وكذا تعاونا اقتصاديا بالمليارات".

ويقول بيلين إن الخريطة السياسية في اسرائيل تحركت يسارا. "اليوم لا يوجد يمين على يمين اليمين الذي يوجد داخل الحكومة. وهذا اليمين يجلس في حكومة تتحدث عن دولتين لشعبين وتحرير سجناء فلسطينيين وتتوجه نحو خطوات سياسية. هذا مفاجئ جدا وهو بالطبع وليد اتفاقات اوسلو".

ويعتقد بيلين بأنه حان الوقت بالذات للتخلص من اتفاقات اوسلو والتوجه الى الحديث الحقيقي – الاتفاق الدائم. لأسفي اوسلو لم يمت. انا في حينه حاولت أن اقنع رابين بان يسير مباشرة الى تسوية دائمة بروح مبادئ كلينتون ومبادرة جنيف. اوسلو يعتبره اليمين اتفاقا يسمح بمواصلة وجود المستوطنات. معارضو اوسلو هم اليوم أكبر المؤيدين للاتفاق. وأقول من فوق كل منصة انه يجب إنهاء اوسلو".

في نظرة الى الوراء، رغم كل الاخطاء التي ارتكبت، فان لبيلين بالذات سببا لان يكون راضيا: "اليسار يمكنه أن يقول بفخار ان فكره اصبح في واقع الامر سياسة حكومة اليمين. هذه ليست مواساة فقراء. فاذا كانت قيم حركة اليسار الايديولوجية قد انغرست داخل اليمين، ورئيس وزراء يميني يتحدث عن دولة لشعبين، فان هذا انجاز كبير حقا".

حرره: 
م . ع