الصراع الامريكي السري في سورية تعمق

بقلم: انشل بابر

الاتفاق الذي بلوره أمس وزيرا الخارجية الامريكي والروسي في جنيف لنزع أسلحة الحرب الكيميائية من سورية، يشطب حاليا عن جدول الاعمال الهجوم الامريكي على أهداف لنظام الاسد، ولكن خطة نزع السلاح، التي يفترض ان تستغرق نحو سنة، لن تغير في سورية الوضع على الارض. فمع أن الرئيس باراك اوباما نجح في اللحظة الاخيرة في تفادي هزيمة محرجة، شبه مؤكدة، في التصويت في الكونغرس (فقد كان لنظيره البريطاني ديفيد كاميرون حظ أقل) الا انه لا يزال يتعرض للاتهام بعجز الادارة امام مقتل الاف المواطنين كل شهر في سورية، بغير سلاح كيميائي. وعليه، فان ما يلوح الان ليس بالذات انهاء للتدخل الامريكي في الحرب في سورية، بل تعميق النشاط الامريكي السري لتسليح منظمات الثوار غير الاسلامية التي تقاتل ضد النظام.

ويؤشر الى هذا الميل تقريران في الايام الاخيرة. الاول كان في ‘نيويورك تايمز′ قبل نحو اسبوع وروى عن استكمال تدريب مجموعة اولى من الثوار في قاعدة اردنية من رجال وحدات خاصة امريكية وبادارة السي.أي.ايه، وانتقالها الى الاراضي السورية؛ والثاني كان في ‘واشنطن بوست’ يوم الاربعاء الماضي، وتحدث عن أنه بعد ثلاثة اشهر من اعلان ادارة اوباما عن أنها نقلت السلاح للثوار، وصلت الارساليات الاولى الى المنطقة. توقيت التسريب للصحيفتين الامريكيتين يرتبط بالتأكيد مع رغبة الادارة لان تبين بانه حتى لو كان الهجوم شطب من جدول الاعمال، الا انها لا تهجر الثوار. ونبعت التأخيرات المتواصلة في توريد السلاح، ضمن امور اخرى، من الرغبة في التأكد من الا ينتقلوا الى منظمات اسلامية كجبهة النصرة واحرار الشام، بل الى وحدات الجيش السوري الحر التي يعتبر مقاتلوها ‘علمانيين’.

وسبقت شحنة السلاح الاولى محاولة شاملة من السي.أي.ايه وضع خريطة لعشرات منظمات الثوار في سورية وتركيبة قواتها، ولا سيما تلك التي تضم جهاديين من دول أجنبية، يتماثلون مع ‘القاعدة’.

أحد التطورات الاساسية التي تسمح الان بتوريد السلاح للثوار هو استعداد متعاظم من جارتي سورية، تركيا والاردن، المشاركة في مسعى اكثر ترتيبا لارسال السلاح الى منظمات الثوار المعتدلة اكثر فقط. تركيا على نحو خاص، التي منذ بداية الحرب الاهلية سمحت بنقل السلاح الى جملة واسعة من المنظمات، قررت في الاشهر الاخيرة، في ضوء الوضع الامني المتدهور في حدودها الجنوبية، ولا سيما في المناطق الكردية، تضييق الشحنات واعتقلت في عدة حالات ناشطين في المنظمات الاسلامية. ويوم الجمعة’ ادعى البعض في مدينة اضنة الجنوبية ان عناصر في المنظمتين الاسلاميتين، حاولوا شراء مواد كيماوية لانتاج غاز اعصار من طراز ‘سارين’.

وفي الاردن ايضا، الذي سعى منذ بداية الحرب الاهلية الى التقليل قدر الامكان من التدخل في الحرب، بات يخشى أكثر من دخول ناشطين متطرفين الى الدولة في تيار اللاجئين الذي يواصل التدفق اليها. وتتعاون الدولتان، تركيا والاردن في اقامة قواعد مرتبة، بادارة امريكية، يدرب فيها ثوار نالوا شهادات الكفاءة. ويتم من خلالهم نقل السلاح الى داخل سورية.

قسم كبير من المساعدة التي تنقل الان الى سورية ليست سلاحا، بل عتاد مدني كسيارات اطفاء الحرائق وغيرها من الوسائل لمساعدة الجيش السوري الحر في ادارة حياة مدنية عادية في المناطق التي تحت سيطرته. وتعد المساعدات المدنية جزءاً من محاولة مساعدة المعتدلين على نيل عطف السكان المحليين، في ضوء محاولات المنظمات الجهادية فرض حكم اسلامي فيها.

أمر آخر ساهم في تعميق التدخل الغربي، كان التقدير بانه حتى لو رفع الغرب يده تماما عن الحرب الاهلية السورية، فان زعماء السعودية ودول الخليج الاخرى يدفعون على اي حال بمليارات الدولارات لشراء السلاح من كل صنف ممكن، بما في ذلك الصواريخ المتطورة المضادة للدبابات وصواريخ الكتف المضادة للطائرات ونقلها الى الثوار. في مثل هذا الوضع، من الافضل للولايات المتحدة ان تبقي على قنوات اكثر ترتيبا.

اسرائيل لا تتدخل مباشرة في تقديم المساعدات للثوار، ولكن التغيير في سياسة حكومة نتنياهو في الاشهر الاخيرة اعطى دفعة ما لمساعي الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا. ولفترة طويلة حذرت اسرائيل، على كل المستويات الدبلوماسية والامنية، من تزويد الثوار بالسلاح، بدعوى أن الوسائل القتالية المتطورة ستصل الى ناشطين اسلاميين متطرفين، وستوجه في المستقبل ضد اسرائيل وضد أهداف غربية. وساهمت المعارضة الاسرائيلية التي قادها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في محادثاته مع زعماء الدول الغربية، في التردد المستمر في تسليح الثوار.

وجاء تعميق التعاون بين نظام الاسد وحزب الله، الذي وجد تعبيره قبل ثلاثة اشهر في احتلال بلدة القصير من ايدي الثوار، من جانب مئات من مقاتلي المنظمة الشيعية، ليحدث انعطافة في موقف اسرائيل، فقلت معارضتها لارساليات السلاح. وبعد فترة طويلة قدر فيها رجال الاستخبارات الاسرائيليين بان سقوط الاسد محتم، بدأت تظهر مخاوف من أنه سيبقى بمساعدة حزب الله وايران، وسيتعزز المحور الشيعي في المنطقة.

ليس واضحا الان اذا كان حلفاء الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا سينضمون الى مساعي تسليح الثوار. وفي مؤسسات الاتحاد الاوروبي، دفعت الدولتان نحو قرار ألغى الحظر على ارساليات السلاح الى الاطراف المتقاتلة في سورية. وكان الحظر انتهى رسميا في الاول من آب/اغسطس، ولكن الحكومة في لندن تعهدت بان ترفع الى البرلمان للمصادقة كل خطة بنقل سلاح للثوار، ومشكوك أن يخاطر كاميرون الان بهزيمة برلمانية اخرى.

فرنسا هي الاخرى التي قاتل جيشها في السنة الاخيرة ضد ثوار اسلاميين في مالي، تخشى من التعاون في الارساليات، بعد أن اكتشفت بان جنودها يتصدون هناك للسلاح الذي هم أنفسهم وردوه قبل سنتين الى الثوار في ليبيا والذي تسرب الى مالي.

حرره: 
م . ع