شكراً يا موسكو

بقلم: جدعون ليفي

أنقذت الأم روسيا (دون الأب ستالين هذه المرة) العالم من حرب لا حاجة إليها. فلولا مشاركتها لكانت صواريخ توما هوك قد أصبحت في طريقها، وكان يسفك دم آخر عبثا، وكان قصف يصيب الشرق الأوسط لا يسهم لأحد بشيء سوى إسهامه لصورة باراك اوباما و"مكانة" الولايات المتحدة. وبعد القصف، بسلاح اميركي بالطبع، كان يأتي التورط؛ وبعد الدمار كان يأتي التعمير الذي تقوم به ايضا شركات اميركية، بالطبع. وكانت سوريا التي يهتم الجميع بسلامتها اهتماما صادقا مؤثرا في القلب تنزف أكثر وكان السلاح الكيميائي الفظيع يبقى في المستودعات.

خرب عالم قديم حتى الأساس. إن العالم القديم الذي كانت الولايات المتحدة تفعل فيه ما تشاء وتنشب الحروب عبثا على العراق وافغانستان، يقترب من نهايته. فاستعدوا للعالم التالي وأهلا وسهلا بكم (عائدين) الى العالم المتعدد القوى الكبرى. لن يكون عالما كله خير لكنه قد يكون أفضل. وقد برهن على نفسه في سوريا وربما يفعل ذلك بعدها في ايران ايضا. ليس الحديث عن عودة الى ايام الحرب الباردة في عالم ثنائي القطب – فروسيا ضعيفة جدا ومتعفنة من الداخل – لكن الروس رفعوا رؤوسهم والصينيين في الطريق وقد يأتي الهنود بعدهم – واحتكار اميركا للقوة يوشك أن يتصدع. في جنوب آسيا بل في اميركا الجنوبية ايضا يوجد عالم وهو يستيقظ، وهذه أنباء طيبة.

قالوا لنا دائما إن "الدب الروسي"، كما كنا نحب أن نسميه هو أب آباء كل الخطايا في الشرق الأوسط. وإن الاتحاد السوفييتي يهيج الحروب والولايات المتحدة تبحث عن السلام. لكن من العجب أنه بعد عشرين سنة هيمنة اميركية وعجز روسي في المنطقة لم يحرز أدنى قدر من السلام بل حروب بعد حروب من تلك التي أهاجتها الولايات المتحدة أو أهاجتها اسرائيل بدعم وتسليح منها. وقد ولد السلام بين اسرائيل ومصر خاصة في أيام الحرب الباردة؛ وتمت المحاولة الوحيدة لانشاء سلام مع الفلسطينيين من وراء ظهر اميركا ولهذا يجب أن نقول ما يلي: إن اميركا لم تفعل شيئا كي تدفع قدما حقا بالسلام في المنطقة، ولو أنها أرادت لأصبح موجودا هنا، ولو أنها أرادت لانقضى الاحتلال الاسرائيلي منذ وقت.
وحتى الآن حينما عرضت روسيا تسوية لمشكلة السلاح الكيميائي في سوريا وأرادت اميركا أن تقصف، فان اميركا هي التي ترى باحثة عن السلام وروسيا هي التي ترى هائجة للحرب – وهذا صدى واه لأيام دعاية الحرب الباردة بين الشيوعيين الأشرار والأميركيين الأخيار.

إن عودة روسيا لا تبشر بالخير فقط لأنه من المؤكد أنها لن تكون منارة للغير مع نظام مريب جدا واقتصاد فاسد وحقوق انسان مداسة. فالدولة التي تحارب المثليين وتعتقل الصحفيين وتقضي على معارضي النظام وتسجن المطربات هي دولة مريضة. لكن عودتها تبشر بأنه سيوجد مرة اخرى ما يعادل ولو قليلا قوة الولايات المتحدة ويقف في طريقها التي هي بعيدة عن أن تكون دائما طريق السلام والعدل.

خذوا مثلا سوريا. لنفرض أن روسيا لم تكن حليفتها، ولنفرض أن روسيا لم تقف في وجه اميركا، ولنفرض أن اميركا كانت القوة الكبرى الوحيدة في المنطقة – أفكانت النتيجة تكون أفضل أم اسوأ؟ إن الحل الذي اقترحته روسيا لم ينفذ الى الآن وقد بثت فيه الألغام، لكنه اذا نجح يجب أن يتخذ درسا لما يأتي بعد. ليس كل شيء يمكن أن يحل بالقصف مهما يكن "ذكيا" ويحسن فينة بعد اخرى أن تجرب الدبلوماسية ايضا. إن الدور البناء الذي تؤديه روسيا في سوريا قد تؤديه في ايران ايضا، فيجب تشجيع مشاركتها وألا توضع عليها مسبقا علامة العدو.
يجب على اوباما الآن أن يرسل باقة أزهار الى فلاديمير بوتين، الرجل الذي أنزله عن شجرة القصف؛ ويجب على العالم أن يشكر موسكو لأنها خلصته من ورطة اخرى؛ بل إن اسرائيل مدعوة الى الكف عن التجهم في كل مرة تمنع فيها حرب أو قصف للعرب في المنطقة وأن تقول لروسيا شكرا. شكرا لأنك بينت لنا ولو لحظة واحدة أنه يوجد طريق آخر دون قصف.