يجب تقدير قدرات العدو الحقيقية ونواياه

بقلم: غيورا آيلند

أنشئت بعد حرب يوم الغفران لجنة أغرينات. وكان دور اللجنة الرسمية زيادة على بحث الحقائق ووجود المذنبين أن تحدد الدروس المركزية. وكان الفرض أن من يتمتع بقدر زائد من الحكمة المتأخرة سيستطيع أن يحدد جيدا ماذا سيكون من الصواب فعله بصورة أفضل في المستقبل. ووجدت اللجنة أن الاخفاق الرئيس لتلك الحرب كان أننا فوجئنا، فقد وجدت مصر وسوريا الجيش الاسرائيلي غير مستعد وأكثر القوة الاحتياطية غير مجندة.

كيف حدث ذلك؟ إن الاستخبارات الاسرائيلية لاحظت في الحقيقة استعداد العدو، ولهذا عرفت أن للعدو ايضا قدرة على الهجوم لكنها قدرت خطأ أن العدو لا ينوي أن يهاجم ولهذا لم نستعد كما ينبغي. وكان استنتاج لجنة أغرينات المطلوب هو أن استعداد قواتنا يجب أن يناسب قدرات العدو فقط لا نواياه، فالنوايا خفية ولهذا فان من يعتمد على تحليل نوايا العدو يخاطر مخاطرة غير معقولة.

وهذا استنتاج منطقي في ظاهر الأمر. فاذا لم نشأ أن نباغت مرة ثانية فعلينا أن نكون على استعداد كامل لكل سيناريو محتمل. لكن استنتاج لجنة أغرينات هذا هو خطأ ضخم. ويمكن أن نشبه عظم هذا الخطأ بالأخطاء الكبيرة في الحرب نفسها، غير أن لجنة اغرينات التي تمتعت بحكمة متأخرة لا يجوز أن يغفر لها هذا الخطأ.

لماذا يكون تحليل قدرات العدو اذا الى جانب تحليل نواياه عنصرا حيويا وضروريا في كل تقدير للوضع؟ إليكم مثالا ذا صلة. إن سوريا تملك منذ أكثر من عشرين سنة قدرة على اطلاق صواريخ ذات رؤوس كيميائية على دولة اسرائيل. فاذا استقر رأيهم على أن يفعلوا ذلك بغتة فليس من الضرورة أن نستطيع اعتراض جميع الصواريخ. فحسب ما ترى لجنة أغرينات من الواجب أن نرشد جميع مواطني الدولة الى أن يتجولوا طول الوقت مع أقنعة واقية ملأزمة. فلماذا لم تتخذ اسرائيل هذا القرار؟ لأن التقديرات الاستخبارية التي اتخذها المستوى السياسي كانت تقول إن احتمال ذلك منخفض جدا. ولماذا يكون الاحتمال منخفضا؟ لأنه ليس من المنطق أن تكون هذه هي نية الزعيم السوري.

ونقول بعبارة اخرى إن القرارات التي تبين ماذا نفعل وكيف نستعد وفي مواجهة ماذا، وما الذي لا نواجهه ايضا، تتأثر وبحق بتقدير قدرات العدو وبتقدير نواياه ايضا. فالذي يحاول أن يكون مستعدا 365 يوما في السنة لمواجهة كل سيناريو محتمل متجاهلا احتماله سيفضي بالدولة في غضون زمن قصير الى انهيار تام. وليس هذا تطورا خياليا لأننا لم نكن بعيدين عن ذلك بعد حرب يوم الغفران بعشر سنوات. فعلى أثر تقرير أغرينات الذي قضى بأنه يجب علينا أن نكون مستعدين دائما لكل سيناريو زاد الجيش الاسرائيلي في قواته حتى بلغت قدرا لا تستطيع الدولة احتماله. وفي سنة 1975 كانت نفقات الأمن نحوا من 35 في المئة من الانتاج الوطني الخام. وتوقف كل استثمار في مجالات اخرى فكانت النتيجة تضخما ماليا بلغ الى 400 في المئة وأزمة اقتصادية قاسية.

وفي منتصف ثمانينيات القرن الماضي أدركت دولة اسرائيل أن هذا لا يمكن أن يستمر على ذلك النحو، ولا مناص سوى مضاءلة حجم الجيش ومعه النفقة النسبية للأمن. وانخفضت هذه النفقة بالتدريج وتبلغ اليوم أقل من 6 في المئة من الانتاج الوطني وهذه نسبة طبيعية بيقين.

يمكن أن نستنتج من ذلك استنتاجين: الأول أنه يجب على الجيش والمستوى السياسي خاصة أن يخاطرا مخاطرات محسوبة وأن يتم تقدير في اطار تلك المخاطرات احتمال أن تكون نوايا الطرف الثاني على هذا النحو أو ذاك. لم يكن خطأ الاستخبارات في 1973 أنها تناولت نوايا العدو بل أن الاستخبارات كانت أسيرة النمط الثابت فلم تدع الحقائق تفسد الصورة التي أرادت الايمان بها. والاستنتاج الثاني هو أن استنتاجات لجنة التحقيق ليست بالضرورة صحيحة بل قد تكون خطيرة احيانا.

حرره: 
م.م