المبادرة الروسية: الاقتراح الذي لم يستطع الاسد رفضه

بقلم: تسفي برئيل

إن الاقتراح الذي لم يمكن رفضه والذي وضعته روسيا أمام وزير الخارجية السوري وليد المعلم، صيغ في الايام الاخيرة بمحادثات سرية بين روسيا والولايات المتحدة، وليس مفروضا على الاسد فقط، بل على الادارة الامريكية ايضا التي بحثت عن مخرج من الهجوم، قبل التباحث في مجلس النواب في الموافقة عليه، بوقت قصير.

طلب الاسد من روسيا ضمانات ألا تهاجمه الولايات المتحدة اذا أُبعد المخزون الكيميائي، وحصل عليها في صيغة التصريح المعلن لوزير الخارجية الامريكي جون كيري، الذي أعلن أن الولايات المتحدة لن تهاجم اذا أُبعد السلاح الكيميائي من سورية. وليست تفصيلات الاتفاق التي تشمل جمع مخزون السلاح الكيميائي ووضعه تحت رقابة دولية وإبادته معلومة بصورة كاملة، لكن توجد بحسب مصادر دبلوماسية عدة امكانات لابعاد السلاح الكيميائي.

الأول هو نقله الى القاعدة الروسية الواقعة في مدينة طرطوس وإبادته في سورية، والثاني ارسال فريق دولي الى سورية يشرف على إبادة السلاح في المنشآت التي يوجد فيها. ويوجد ايضا امكان نقل مخزون المواد الكيميائية الى دولة ثالثة في اوروبا أو الى تركيا. وقد حيكت هذه الخطة بالتشاور مع ايران، التي بيّنت لسورية أنه يجب عليها أن تجد حلا متفقا عليه فورا كي تمنع هجوما، وأنها لن تقدم لها مساعدة عسكرية اذا هوجمت.

على حسب تلك المصادر فان الجدول الزمني لبدء الرقابة والقضاء على السلاح الكيميائي ضيق ويقضي بأن تنشأ في غضون ايام لجنة رقابة تشمل خبراء متفقا عليهم يأتون الى سورية للقيام بتسجيل الاحتياطي وتركيزه، ويراقبون بعد ذلك ايضا القضاء عليه. وتطلب روسيا من الاسد أن ينضم الى الميثاق الدولي لمنع نشر السلاح الكيميائي، لكنه ليس من الواضح ان كانت سورية قد وافقت على هذا الشرط. والسؤال الذي بقي بلا جواب يتعلق باستمرار الجهود السياسية التي ترمي الى إنهاء الازمة.

على حسب مصادر عربية وأنباء نُشرت في وسائل اعلام عربية وايرانية، يجري صوغ اقتراح يؤيده كما يبدو جزء من المعارضة السورية، وهو بدء مسيرة تدريجية لكنها سريعة لانهاء مدة ولاية الاسد. وعلى حسب هذا الاقتراح سيتم تقديم موعد انتخابات الرئاسة التي خُطط لها في الشهرين آذار/مارس أو نيسان/ابريل 2014 الى نهاية 2013، ويمتنع الاسد عن عرض ترشحه فيها. وفي مقابل ذلك يحظى هو وأبناء عائلته بلجوء سياسي ويصبح الجيش السوري الحر هو الجيش الوطني الذي يستوعب قادة ووحدات الجيش السوري النظامي، ويعين الرئيس الذي سيُنتخب حكومة مؤقتة تصوغ دستورا جديدا بحسب النموذج الذي نشأ في مصر بعد الثورة مباشرة.

إن الموافقة السورية على القضاء على السلاح الكيميائي هي أول تخل مهم وعملي للنظام الذي وجد نفسه في مواجهة سور روسي ايراني حصين. لكنها لا توقف استمرار المعارك ولا قدرة النظام على الاستمرار في ذبح مواطنين سوريين بسلاح تقليدي. ويمكن أن تستمر المعركة بلا تحديد وقت من غير الخطة السياسية التي ستفضي الى إبعاد نظام الاسد.

والى ذلك لا يبدو هذه المرة أن أية دولة غربية تريد أن تُدفع مرة اخرى الى دوامة الهجوم العسكري الذي أحرج دول اوروبا وعرض اوباما على أنه لا زعامة له. والخشية هي من أن مجرد الموافقة السورية على القضاء على السلاح الكيميائي يمنحها بصورة تناقضية رخصة مفتوحة بالاستمرار في الحرب، من دون خشية هجوم اجنبي هذه المرة.

لكن خطة القضاء على السلاح الكيميائي والخطة السياسية تضعان صعوبات عملية. هل يستطيع المراقبون على سبيل المثال الوصول الى كل موقع يوجد فيه مخزون من السلاح الكيميائي، أم ستقابلهم قيود حركة كما حدث في حالات مشابهة أراد فيها مراقبون أجانب القيام بعملهم في سورية. وهناك صعوبة اخرى تثيرها اسئلة هل ستضع سورية شروطا للموافقة على قائمة المراقبين وكيف سيتم ضمان القضاء على السلاح الكيميائي في سورية أو نقله الى قواعد خارج الدولة.

إن السيطرة في هذا الامر ليست في يد سورية فقط، لأن منظمات مختلفة ومنها تلك المنتمية الى ‘القاعدة’ تسيطر على عدد من مفترقات الطرق، وهي تستطيع أن تضرب القوافل أو المراقبين. ولا يتحمس الجيش السوري الحر ايضا للاتفاق الذي تم، لأنه كان يأمل أن يكون استعمال السلاح الكيميائي هو الحافز وحده الى هجوم عسكري على سورية واسقاط نظام الاسد بعملية عسكرية. وبقي الجيش الحر الآن من دون احتمال مساعدة عسكرية مباشرة ومن دون السلاح الذي وعدته به القوى الغربية. وتثير المرحلة السياسية للخطة (التي لم يُتفق عليها الى الآن) صعوبات أشد، وذلك في الأساس بسبب الاختلافات العميقة في صفوف المعارضة السياسية، وبينها وبين الجيش السوري الحر.

يبدو أن الرابحين الوحيدين من الاتفاق السوري، هما رئيس الولايات المتحدة باراك اوباما الذي نجا من الهجوم الذي دفع نفسه إليه، ورئيس روسيا فلاديمير بوتين الذي برهن على قدرته على السيطرة على مسارات سياسية مع سورية. ويمكن أن تكون ايران ايضا راضية.

يرمي الهجوم على سورية الى أن يكون ايضا إظهار قوة واستعداد الولايات المتحدة لضرب ايران عسكريا. وتستطيع ايران ازاء البلبلة والحيرة وعدم التأييد الدولي لهجوم على سورية أن تفهم أن الخيار العسكري، من جهة الغرب على الأقل، هو نظري فقط. ويُبين الاتفاق لمواطني سورية أن الاستمرار في الهرب من الدولة أفضل لهم.

حرره: 
م . ع