لماذا يُسفك دم غربي في سورية؟

بقلم: عنات ويلف

فكرة أن الديمقراطيات لا يحارب بعضها بعضا، أعني ‘نظرية السلام الديمقراطي’، تقوم في جملة ما تقوم عليه على فرض أن الجماهير في الدول الديمقراطية يؤيد بعضهم بعضا، بسبب القيم التي يشتركون فيها. إن هذه النظرية هي التي جعلت الرئيس جورج بوش الابن مثلا يعمل في الدفع بالديمقراطية قدما في الشرق الاوسط. فقد كان يرى أن الشرق الاوسط الديمقراطي سيفضي الى واقع سلام.

لكن يبدو في السنوات الاخيرة أن سقف خروج الديمقراطيات للحرب لا على ديمقراطيات اخرى فقط، قد أخذ يرتفع، وأننا نسير نحو مرحلة لن تخرج فيها الديمقراطيات الى حروب البتة، واذا اضطرت اليوم ايضا الى القيام بعمل عسكري فان الدول الديمقراطية تفضل عمليات عسكرية محدودة جدا وضيقة جدا، ومن المرغوب فيه أن تكون بمشاركة ديمقراطيات اخرى وأن تنتهي في مدة قصيرة وأخذ سقف الخروج الى هذه العمليات يرتفع ايضا وتصبح نادرة جدا.

لا ينبع الارتفاع الشديد لسقف الخروج للحرب في الديمقراطيات من الحاجة الى الحصول على موافقة برلمان الدولة على العملية، بل من انخفاض مستمر ايضا لثقة الجمهور بالجهاز الحاكم. وليس الحديث فقط عن البريطانيين والامريكيين الذين لم يتحرروا الى الآن من صدمة الحرب في العراق وافغانستان، بل عن مواطني جميع الدول الديمقراطية الذين يصعب عليهم اليوم أن يثقوا بقادتهم وأجهزتهم الأمنية.

يطلب الجمهور في هذه الدول قدرا أكبر من الشفافية من قادته، الذين يريدون أن يقودوه الى الحرب. ويُطلب الى القادة أن يقدموا معلومات كثيرة ومفصلة وأن يُجيبوا عن اسئلة صعبة وأن يكشفوا عن مسارات اتخاذ القرارات، بل أن يُشركوا الجمهور فيها مباشرة وبواسطة مندوبيه. ويريد الجمهور لا أن يعلم فقط ما هي اسباب الخروج الى الحرب، بل ما هي النتائج المتوقعة ايضا، وأن يتأكد لديه أن كل السيناريوهات المحتملة لتطور الحرب يتم وزنها بصورة عميقة.

والى ذلك فان المعلومات الكثيرة والمتنوعة التي توجد اليوم في الفضاء العام تُمكّن الأفراد من تحليل التقديرات الاستخبارية التي هي أساس الحرب، وأن تصدر بواسطة ‘حِكمة الجماهير’ تقديرات بديلة ذات نوعية عالية كانت في الماضي من نصيب أجهزة الاستخبارات المتقدمة فقط. وتُدخل الاحتجاجات الاجتماعية والكشف عن وثائق وخطط سرية صباح مساء الى الوعي العام الشك الدائم في تقدير السلطة والقوى الاقتصادية والبيروقراطية التي قد تحث على الحروب. إن تلك القوى التي تضعضع نظم الاستبداد القديمة في العالم وتُمكّن ملايين الناس من طلب الحرية هي في واقع الامر التي تجعل من الصعب على الديمقراطيات القائمة أن تخرج الى حروب مهما يكن نوعها.

واذا تجاوزنا هذه الظواهر الواسعة في كل ما يتعلق بالشرق الاوسط فان الشعور المتراكم هو أنه لا يمكن أن ينتج أي شيء حسن من التدخل في المنطقة. والشرق الاوسط اليوم بهذا المعنى يشبه افريقيا قبل بضعة عقود، فهو ثقب أسود لحروب أهلية وقومية وقبلية، وهو مكان يثير الشفقة يمكن تجنيد النفس للنشيد والتبرع لأجله، لكنه ليس مكانا يحسن أن تُهدر لأجله حياة مواطنين غربيين.

لهذا حينما يجري الحديث عن خروج لحرب في المنطقة، سواء أكان الحديث عن هجوم على سورية أو على ايران فان البحث في سؤال هل اوباما زعيم متردد أم صاحب تصميم، وضعيف أم قوي ليس ذا موضوع. إن جميع الزعماء في جميع الديمقراطيات يعملون اليوم في محيط عام يختلف جدا عما كان في الماضي وتحت قيود أشد مما كان في الماضي. إن رفض الديمقراطيات للقتال أقوى من كل زعيم.

حرره: 
م . ع