جدول الأعمال العربي: زمن الكتلة الخليجية

بقلم: يوئيل جوجانسكي

خلافا للرد المصمم والموحد تجاه القذافي في 2011 (بما في ذلك نتيجة لمحاولاته المس جسديا بالزعماء العرب) والذي تضمن استخداما للقوة من جانب قطر والامارات، لم تتخذ الدول العربية حتى الان موقفا قاطعا، ولا بد غير موحد، تجاه سورية. لقد بقي العالم العربي منقسما في المسألة السورية، كما ينعكس أيضا في قرار الجامعة العربية في 27/آب/2013 (ومن بيان منظمة الدول الاسلامية بعد يوم من ذلك)، والتي امتنعت عن اعطاء ضوء أخضر لعملية عسكرية ردا على استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي في 21/آب/2013.

يأتي الموقف العربي العلني الذي يمسك بالعصا من طرفيها ليساعد الحكام العرب في اليوم التالي للهجوم الأميركي. فخلف الابواب المؤصدة، سيشكرون الأميركيين لما قاموا به نيابة عنهم بالعمل في حالة كانت الضربة للاسد ذات مغزى ولم توقع اصابات كثيرة، ولكنهم سينتقدونهم اذا كان الهجوم هزيلا ولم يبعث بالرسالة المناسبة من ناحيتهم لايران. اذا ما تشوش الهجوم، فانهم سيقولون انهم لم يستدعوه منذ البداية.

كان هذا في صيف 2011 عندما بدأت المنطقة العربية تتخذ موقفا أكثر حزما تجاه الاسد. بداية، "مجلس التعاون الخليجي" الذي دعا سورية الى الكف عن "القمع الفتاك للمواطنين" وبعده، التصريح الاستثنائي في حدته لملك السعودية، عبدالله، الذي طالب "بوقف آلة القتل". وجاءت الانعطافة بسبب احباط الملك من موقف النظام العلوي (النظام الكافر في نظره) بالنسبة لمحاولات الوساطة السعودية وفهمه بان الاحداث كفيلة بان ترجح الكفة في صالح ايران. وازداد غضب الملك بسبب القتل في أوساط ابناء قبائل تعيش في طرفي الحدود جاءت أمه واثنتان من أخواته منها وبسبب حجوم القتل بين السُنة في شهر رمضان.

على مدى السنين فضلت دول الخليج تفادي المواجهات والتركيز على محاولات الوساطة في العالم العربي، لتعطيل المخاطر في ظل محاولة عدم التماثل مع أي من المعسكرين. كما أنها تفضل في الحالة السورية الريادة الأميركية، ولكن لما كانت هذه لم تأتي فان الدول التي تتمثل مزاياها في جيوبها العميقة ونفوذها الواضح في العالم الاسلامي، دخلت الى الفراغ الناشيء. وقد فشلت حتى ذلك الحين في محاولاتها قطع الاسد عن المحور الايراني. ومنحتها الثورة فرصة استثنائية لاضعاف الجبهة الايرانية.

منذئذ، والسعودية، بتنسيق ما مع قطر والامارات، وان لم يكن بالتوافق الكامل معهما، تمنح مساعدة للقوى "المعتدلة"، في نظرها، من بين الثوار. وذلك، احيانا دون مراعاة القيود الأميركية على السلاح وفي ظل النية الواضحة لاجتذاب الولايات المتحدة الى تدخل أكبر. ورغم المصلحة المشتركة في اسقاط الاسد، فان النشاط الاقليمي لقطر، يغيظ السعودية. ودليل على ذلك جاء في تصريحات الامير بندر، رئيس المخابرات السعودية ومنسق الجهود حيال الساحة السورية، الذي وصف قطر مؤخرا كـ "ثلاثمائة شخص مع محطة تلفزيون". دعم قطر لعناصر متطرفة بين الثوار، من شأنه أن يدفع السعوديين الى عمل ذلك ايضا ("بظل خفيض"، يمنع الانتقاد)، لنيل النفوذ في أوساطهم واحداث توازن مع النفوذ القطري.

وحتى لو لم يعترفوا بذلك، فان هجوما أميركيا محدودا لا يستوعي بشكل كامل مع المصالح العربية. ثمة خوف، ولا سيما في دول الخليج، من أن يكون الهجوم الأميركي المحدود مشابه في نتائجه للهجمات الأميركية في العراق في 1993 وفي 1989، والتي تركت صدام على كرسيه ودفعته الى تصعيد القمع لشعبه. ان اسقاط الاسد (واضعاف ايران وحزب الله) هو الذي أصبح الهدف الاستراتيجي في سموه بالنسبة لهم. الهدف هو تعزيز بعض العناصر من بين الثوار بحيث انه اذا ما وعندما يسقط الاسد سيستولون على الحكم في ما بقي من الدولة السورية.

لقد عملت دول الخليج في محاولة لاقناع الأميركيين بان نظام الاسد اجتاز "الخط الاحمر" الذي أعلن عنه الرئيس اوباما في آب 2012 ومرة اخرى في اذار 2013 بشأن استخدام السلاح الكيميائي. وحسب الـ "وول ستريت جورنال"، فان الاستخبارات السعودية حصلت على ادلة على استخدام هذا السلاح في شباط 2013 وعرضت هذه الادلة على الأميركيين. كقاعدة، دفعت سلبية وعدم رغبة الولايات المتحدة في التدخل في سورية الانظمة الملكية الى التشكيك في التزام ومصداقية الولايات المتحدة "موردة الامن" الاساسية لهم. وذلك اضافة الى المصاعب التي للأميركيين حيال ايران، في افغانستان وفي العراق، والتصريحات بشأن "الانتقال باتجاه آسيا" والاستقلال الأميركي من حيث الحاجة الى الطاقة في المستقبل. تقرير بعث به الملك السعودية، المحبط من السياسة الأميركية في المنطقة، الى الرئيس اوباما في الايام الاخيرة جاء فيه ان "المصداقية الأميركية قيد الاختبار، في المنطقة وما ورائها".

لا يتحدث السعوديون عن انتصار جارف وقريب، وهم ايضا على علم بتفوق الاسد وحلفائه بالوسائل القتالية، بالتنظيم وبالدعم من القوى العظمى. ولكنهم يأملون بان بفضل المساعدة التي يمنحونها، كل يوم يمر يميل الميزان في صالحهم: اعداؤهم – نظام الاسد، ايران وحزب الله – يضعفون، حتى الان دون أن يدفعوا ثمنا هاما من جانبهم. ولكن هناك تخوفا لا بأس به كما تفيد تجربة الماضي، من أن يكون من شأن عناصر متطرفة تعمل في سورية ستعود الى دولهم الاصلية وتمس باستقرارها. اضافة الى ذلك، فمع أن اسقاط الاسد يمكنه، في نظر الكثير من الدول العربية، ان يؤدي الى كبح كماح ايران، "وعودتها الى حدودها الطبيعية"، ولكن ايضا الى المواجهة معها. هذا التخوف دفع ضمن آخرين السعودية والكويت الى أن ترفعا هذا الاسبوع مستوى التأهب في جيشيهما الى مستوى واحد تحت المستوى الاعلى.

ان المنطقة العربية، التي تعاني من انشقاق بعيد السنين، فشلت في تبني استراتيجية واحدة وموحدة في الموضوع السوري. والنتيجة: دعوة هزيلة من الجامعة العربية – التي جمدت عضوية سورية في المنطقة في 2011 ومنحت كرسيها للمعارضة – "الى وضع حد لخرق القانون ولجرائم الابادة" التي يرتكبها النظام السوري، دون أن تذكر التدخل العسكري وفي ظل الدعوة الى العمل في مجلس الامن. حيال السعودية، قطر والامارات، التي اتخذت خطا متصلبا، فان الجزائر (التي تسند نظام الاسد في السنتين الاخيرتين) العراق (الذي في نطاقه مرت الوسائل القتالية الايرانية في طريقها الى الاسد)، لبنان (الذي يخشى رد الاسد وحزب الله على حد سواء) ومصر (التي تسعى ربما بذلك الى الحفاظ على قدر من النفوذ في سورية)، منعت اتخاذ قرار أكثر تشددا.

على خلفية الهزة الاقليمية اصبح الخليج الساحة المركزية في ادارة جدول الاعمال العربي. فدول الخليج، التي احتمت في ظل القاهرة ودمشق، هي اليوم، رغم خلافات لا بأس بها بينها وضغوط اجتماعية – سياسية في اراضيها، الكتلة الاكثر استقرارا واتحادا في المنطقة. لقد عملت الانظمة الملكية احيانا كقوة ثورية واحيانا كقوة مضادة للثورة – وفقا لمصالحها. وعقدت صفقة لاحالة الرئيس اليمني صالح عن منصبه، شاركت في تثبيت النظام الجديد في تونس، وساعدت، ربما أكثر من أي جهة عربية اخرى في اسقاط نظام القذافي. ولكنها حافظت، بالقوة على حكم آل خليفة في البحرين وسعت الى حماية حكم مبارك في مصر. ولما لم تتمكن من ذلك، عملت على نقل مساعدة بالمليارات الى الحكم العسكري في مصر الذي استولى على الحكم مؤخرا.

ودرء للخطأ، فان المنطقة العربية السنية معادية لنظام الاسد. استطلاع اجراه معهد بحث معتبر، بيو، قبل هجوم 21/آب/2013 اعطى مؤشرا على ذلك. فقد تبين أن 90 في المائة من اللبنانيين السنة، 90 في المائة من الاردنيين و 81 في المائة من المصريين، يتبنون رأيا سلبيا تجاهه. ولكن كلما اقترب موعد الهجوم الأميركي، فانه حتى انظمة دفعت من خلف الكواليس الى عملية عسكرية، حاولت في تصريحاتها تنظيف ايديها من التدخل في الازمة ودعم العملية العسكرية، فقلصت بذلك الشرعية الاقليمية التي سعى الأميركيون الى تجنيدها. الاردن، الذي يخاف رد الفعل السوري، أعلن، بان أراضيه لن تستخدم قاعدة لتدخل عسكري أميركي في سورية، ومصر، وان كانت شجبت استخدام السلاح الكيميائي، اعلنت، بان الحل السياسي – وليس العسكري – هو المخرج الوحيد. لقد ادى ضغط أميركي وخليجي الى انعقاد وزراء الخارجية العرب مرة اخرى في الاول من ايلول 2013، على أمل تبني خط أكثر تشددا وتثبيت الدعم للموقف الأميركي.