"حماس" تعود إلى العمليات التفجيرية للخروج من أزمتها

بقلم: د. رؤوبين باركو

يشير احباط عملية رجال "حماس" في المجمع التجاري ماميلا في القدس، التي كُتب عنها، أول من أمس، الى قدرات "الشاباك" على الاحباط. إن الكشف عن العملية يؤكد جوانب تنفيذية حاسمة بالنسبة لأمننا أهمها إسهام جدار الأمن محكم الاغلاق. فليس من العجب أن يُسمي منتقدو هذا الجدار المنقذ للحياة هذا الجدار "جدار الفصل العنصري" أو "جدار الابرتهايد"، لأنه يفصل بين الأحياء والأموات. ومما يفرحنا أننا في جانب الأحياء.
لماذا عملية الآن؟ إنها جيدة دائما بالنسبة لـ "حماس" التي تسوء حالها. فقد تدهورت شعبية المنظمة الى الحضيض بعد الاستكبار والرفض الوقح لكل اقتراح مصالحة وطنية حتى من كبار الزعماء العرب، مع السلطة الفلسطينية. وقد دمر الجيش المصري بيوت رفح في الجانب المصري من محور فيلادلفيا، ودمر وأغلق أكثر الأنفاق التي كانت تمد حكومة "حماس" بالسلاح والمال والوقود والغذاء، وأغلق ممر رفح.
تُعرف مصر السيسي "حماس" بأنها متعاونة مع العمليات الارهابية الاسلامية الموجهة ضدها من سيناء، وتتهمها ايضا بالتعرض للمركز الثقافي المصري في غزة. وتركيا مشغولة بسورية. وقد أُغلقت ايران وسورية و"حزب الله" في وجه المنظمة منذ التمرد على الاسد، وتزن السلطة الفلسطينية أن توقف تحويل الأجور إلى الموظفين في غزة.
إن "حماس"، التي ساءت حالها، تضطر في المدة الأخيرة الى الاتجاه الى أبو مازن والعاملين معه كي يعملوا في مصر على الافراج عن أناسها المعتقلين. وفي الاثناء تحترق المنطقة وتُحشر "حماس" في الزاوية وتقوى السلطة الفلسطينية وتُجري اتصالات مع اسرائيل، وعلى ذلك فان الورقة التقليدية التي بقيت في يد "حماس" هي صواريخ القسام و"الارهاب".
يقول المثل العربي: "ألف إم تبكي ولا إمي". أجل إن وجود الجدار يجعل الأمور صعبة على الفلسطينيين الذين يشتكون من أن مساره يشير الى الاتجاه العام لحل الصراع، مع السلام أو بغيره: نحن هنا وهم هناك. ويرى فلسطينيون كثيرون هذا الجدار "السور الحديدي" الذي يضع حدا لأحلام تحرير فلسطين وإغراقها بملايين اللاجئين أو إغراقنا بدم عمليات المنظمات "الارهابية".
يحتج الفلسطينيون ودعائيو اليسار في العالم على الجدار الأمني الذي يفصل بين شحنات الموت الناسفة وبين السكان اليهود الذين يشتهون الحياة. إن الجدار الأمني يجعل الامور صعبة على مخططي العمليات، ويشغلهم بالحياة اليومية لأن "المخربين" يتحركون نتاج مسار الحركة الذي يُمليه في المحاور الطولية لـ "يهودا" و"السامرة". ولذلك يقيم الجيش الاسرائيلي حواجز في الشوارع للكشف عن "المخربين" وشحناتهم ويعاني السكان الفلسطينيون أيضا. وهذا صعب، لكن أصعب من ذلك تحمل بكاء أمهات قُتل أبناؤهن.
ولما كانت خلايا القتل لا تستطيع أن تدخل نحو الغرب، فانها تستعين بـ "مخربي الأطراف". ويُستعمل لهذه الغاية مواطنو شرقي القدس الفلسطينيون، فالمنظمات "الارهابية" تختار القدس باعتبارها منطقة الاتصال المباشر بنا وبسبب معناها الرمزي بصفتها عاصمة اسرائيل، واستغلالها للميول القومية عند مواطني شرقي القدس الفلسطينيين الذين توجد معهم بطاقات هوية زرقاء.
تحاول "حماس" الآن في وضعها الصعب بوساطة العمليات أن تعيد بناء مكانتها ووجودها، وأن تُحدث عداوة بين الفلسطينيين ويهود المدينة وأن تمنعهم من الاندماج في حياتها. غير أن أكثر الفلسطينيين في القدس لا يتعاونون مع العمليات "الارهابية". ويقول كثيرون علنا إن عندهم الكثير مما يخسرون قياسا بالدول العربية وبـ "المناطق" الفلسطينية، ومع ذلك وبرغم وسائل الاحباط توجد إخفاقات أيضا.
إن احباط العملية في القدس يُذكر بمقالة شريرة نُشرت في الآونة الاخيرة في صحيفة "صهيونية" معروفة اشتكى فيها الكاتب من أن "الذراع السياسية" الاسرائيلية لا تُنسق مع "الذراع العسكرية". وكتب أنه في الوقت الذي تُجري فيه وزيرة الخارجية تفاوضا مع الفلسطينيين على الخصوص تنفذ أذرع اسرائيل العسكرية اعتقالات تُفشل ذلك. وقد كان يقصد الى أن يعرض اسرائيل على أنها منظمة اخرى ذات ذراع عسكرية وسياسية، وعرض عدم التنسيق بأنه نابع من البلادة أو ميل آثم. إن المشكلة هي أن "حماس" ومنظمات الرفض تقوم بعمليات حينما تستطيع وذلك خاصة لإفشال تفاوض سياسي. وفي الرد على ذلك وبرغم خيبة أمل الكاتب الصحافي المذكور آنفا تضطر "الذراع العسكرية" الاسرائيلية الى احباطها في وقت التفاوض خاصة حتى دون تنسيق مع وزيرة الخارجية.