هجوم أمريكي على سورية ونتائجه على إسرائيل

بقلم: عاموس يدلين’ وافنير غولوب

يوم الأربعاء 28 آب/ اغسطس2013 صرح الرئيس اوباما ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون بانه ‘وقع هجوم كيميائي وانه لا شك ان نظام الأسد يتحمل المسؤولية عن ذلك’. ورغم قرار البرلمان البريطاني بعدم المشاركة في الهجوم على سورية، تواصل واشنطن البحث مع حلفائها عن الاهداف الاستراتيجية للهجوم، واتخاذ الخيار العسكري الذي يحقق اقصى منفعة، بالحد الادنى من الكلفة والمخاطر.

اسرائيل لا تشارك مباشرة لا في الحرب الاهلية في سورية، ولا في الهجوم الامريكي المرتقب. ومع ذلك، فان التهديدات من سورية، وكذا من ايران ومن حزب الله، تستوجب فحص نتائج الهجوم الامريكي، ـ ومحاولة فهم المنفعة المترتبة على ذلك بالنسبة للامن القومي الاسرائيلي، وكذا المخاطر. وانطلاقا من عدد من الخيارات للهدف الاستراتيجي، يبدو أن الامريكيين اختاروا هدف العقاب لاغراض الردع. ويحلل هذا المقال نتائج شكلين من الهجوم الامريكي بالنسبة لاسرائيل: الشكل المتوقع، الضيق لغرض العقاب والشكل الاوسع، الذي يستهدف اسقاط نظام الاسد. وذلك في ضوء الاهداف والمصالح الاسرائيلية في المدى القريب والبعيد. بداية نحصي المصالح الاسرائيلية المركزية في السياق السوري.’

المصالح للمدى القصير:

1. المصلحة الاسرائيلية الاهم في سياق الهجوم الامريكي المرتقب، هي الايضاح القاطع بان ثمن استخدام السلاح غير التقليدي عالٍ. هذه المصلحة مهمة لغرض ردع كل زعيم في الشرق الاوسط، يفكر بامكانية استخدام السلاح غير التقليدي ضد اسرائيل. ‘

2. في رؤية أوسع، من المهم لاسرائيل أن تعود الولايات المتحدة لتموضع نفسها في موقف تأثير استراتيجي في الشرق الاوسط، وتحسن مصداقيتها وردعها في المنطقة، حتى حيال السلوك التقليدي لخصومها. لقد عانت المصداقية والرد الامريكي من تآكل اثناء احداث الانتفاضات العربية في السنوات الثلاث الاخيرة، وفي ضوء التصريحات العلنية لكبار المسؤولين الذين دعوا الى تقليص التدخل الامريكي في المنطقة، بل واحداث تغيير للتمركز الاستراتيجي وتحويله نحو شرق آسيا. وستعزز اعادة قوة الردع الامريكية مكانتها ومكانة حلفائها بما فيها اسرائيل في اطار الصراع بين المعسكر المعتدل والمعسكر الراديكالي في المنطقة.’

3. لاسرائيل مصلحة عليا في حفظ الهدوء على حدودها وحيال الدول المجاورة. فاستمرار الهدوء الامني مع لبنان وسورية، والحفاظ على الحياة العادية قدر الامكان، هي مصلحة أخلاقية، أمنية واقتصادية. على اسرائيل أن تمتنع قدر الامكان عن الانجرار الى الحرب الاهلية السورية. اذا ما هوجمت اسرائيل لا ينبغي للقرار بالرد الاسرائيلي ان يكون تلقائيا، وطالما لم تكن ضربة ذات مغزى في اسرائيل فسيكون ممكنا احتواء الهجوم.’

4. مصلحة اسرائيلية اخرى تنشأ عن الهجوم الامريكي المرتقب في سورية، يخرج عن الساحة السورية وموجه الى مسألة الخطة النووية العسكرية لايران. وتترقب ايران ما يجري في سورية، وتفحص رد الفعل الامريكي. من المهم جدا لاسرائيل أن تولي ايران تصميما عاليا من جانب واشنطن للايفاء بالوعود الرئاسية في موضوع الخطوط الحمراء، حين تفكر طهران بسياستها حيال الخط الاحمر للرئيس الامريكي تجاهها، أي منع التحول النووي العسكري لايران. وسيمتد تاثير أعمال الرئيس اوباما والتعاون الذي يحققه مع حلفائه الغربيين والاقليميين، من المسألة السورية الى المسألة النووية الايرانية. ‘

5. في نظرة بعيدة المدى من المهم جدا لاسرائيل الا ينتهي القتال في سورية بانتصار حلف طهران ـ دمشق ـ حزب الله. فانتصار الاسد سيعزز وضع اعداء اسرائيل في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله، ويشجع حماس المنعزلة للعودة الى خدمة السيد الايراني بتفانٍ. لاسرائيل مصلحة واضحة في الحفاظ على الابقاء على وضع ضعيف لهاتين المنظمتين الارهابيتين.’

6. مصلحة اسرائيلية مهمة اخرى، هي ان تقوم’بعد انتهاء الحرب الاهلية في سورية، دولة ليبرالية مؤيدة للغرب، تهجر السيد الايراني وتوقف الدعم للمنظمات الارهابية. لقد نظرت دولة اسرائيل في الماضي في اعادة اجزاء من هضبة الجولان، كي تضمن العنصر الثاني. وتسمح الحرب الاهلية بفرصة استراتيجية لنتيجة مشابهة من دون جباية ‘ثمن’ اقليمي من اسرائيل في المدى الفوري.’

7. في حالة تعزز وضع المنظمات الجهادية مثل ‘النصرة’ حيال النظام لدرجة حرية العمل في هضبة الجولان، فان المصلحة الاسرائيلية ستكون الضمان ان يبقى هذا التهديد تهديدا محليا، وليس تهديدا استراتيجيا، حتى ان لم تتمكن من أن تضمن مئة في المئة نجاحا في منع العمليات الارهابية.’

وهنا سندرس مصالح اسرائيل في ضوء الهدفين الاستراتيجيين للولايات المتحدة والنشاط العسكري لتحقيقهما. ‘

1. هجوم امريكي رمزي لاغراض العقاب. هجوم امريكي هدفه معاقبة الاسد وقواته على استخدام السلاح الكيميائي واظهار تصميم الرئيس الامريكي على الرد على اجتيار الخط الاحمر، سيتضمن ضررا موضعيا يلحق ببضعة اهداف عسكرية او ذخائر للحكم. وقد نشرت ‘النيويورك تايمز′ يوم الاربعاء 28/اغسطس/2013 مقالة تقول ان التخطيط الامريكي يتضمن الهجوم على خمسين هدفا عسكريا يرتبط بالوحدات التي شاركت في الهجوم الكيميائي، وسيستمر ليومين. وكون الحديث يدور عن عقاب رمزي فان نجاحه في نقل الرسالة الامريكية يصبح حرجا. فهجوم امريكي محدود ولكنه ناجح، مسنود بالتصميم الامريكي بمنع استخدام السلاح غير التقليدي، سيعيد بعضا من قوة الردع الامريكية ضد’الاستخدام المكثف للسلاح الكيميائي، ويحسن بقدر ما المكانة الامريكية في المنطقة. وكما أسلفنا، فان هجوما مركزا، ولكن برسالة واضحة كفيل ايضا في أن يؤثر على اتخاذ القرارات في طهران. بمعنى ان شكل الهجوم الامريكي المرتقب سيحقق جزءا من المصالح الاسرائيلية ولا سيما تلك المرتبطة بقوة الردع الامريكية في المنطقة. بالمقابل، فان هجوما امريكيا غير ناجح، مثل ذاك الذي في البقاع اللبناني في 1983 او الهجوم بصواريخ التوموهوك في افغانستان والسودان في 1998، من شأنه أن يضعف الردع الامريكي حيال استخدام السلاح غير التقليدي، بل والاضرار اكثر بمكانتها الاقليمية. فالاسد يفهم ان الثمن الذي سيدفعه لاستخدام السلاح الكيميائي سيكون’ منخفضا حتى عندما تندفع الولايات المتحدة الى العمل، ولن يتردد في’ مواصلة استخدام هذا السلاح لاغراض محلية. عملية امريكية غير ناجعة من شأنها أن تشجع منظمات الثوار الجهادية لوضع يدهم على السلاح الكيميائي، من أجل تحسين ميزان القوى حيال جيش الاسد. ويعد مثل هذا السلاح في ايدي منظمات الارهاب الجهادية تهديدا مباشرا لاسرائيل. كما أن باقي الزعماء في الشرق الاوسط، بمن فيهم ايضا القيادة الايرانية، التي تدرس ايضا السلوك الامريكي سيفهمون ان القوة’العظمى في العالم تخاف استخدام قوتها كي تحقق مصالحها. ‘

الخطر على اسرائيل في هذا الشكل من الهجوم سيكون’منخفضا. وما سيوجه الاسد في رده سيكون موضوع بقاء النظام، وتطلعه الى أن يواصل الابقاء على المواجهة مع المعارضة داخليا. ففي’توسيع المواجهة الى اسرائيل يعرض الاسد للخطر نظامه، وبالتالي من’المعقول الا يرد. وحتى عندما نسبت لاسرائيل هجمات في سورية في 2007 و2013 فان الاسد لم يرد انطلاقا من ذات اعتبارات بقاء النظام. ‘

2. شكل أوسع ضربة مهمة غايتها اسقاط الاسد. اذا كان في شكل العقاب يمكن للاسد أن يقدر انه لا هو ولا نظامه يتعرضان لخطر خارجي، ويمكنه أن يركز على الحرب ضد الثوار، ففي حالة هجوم امريكي موجه ‘لقطع الرأس السوري’، فان ثقة الاسد ستهتز. في هذا السيناريو، ستهاجم الولايات المتحدة ذخائر الحكم وتسعى الى تدمير القدرات العسكرية الاستراتيجية السورية لابقاء الاسد من دون قوة يمكنها أن تحميه. في مثل هذا الشكل ترمم الولايات المتحدة قوة ردعها وتعيد مكانتها في المنطقة. مثل هذه الخطوة ستشكل ايضا ضربة شديدة لحلف طهران دمشق بيروت وتنقل رسالة واضحة عن التصميم الامريكي الى طهران.

ومع ذلك، فان خطوة امريكية من هذا النوع تنطوي على خطرين مركزيين لاسرائيل. الاول والفوري هو أنه عندما يقدر الاسد بان الولايات المتحدة تعمل كي تسقطه، فان من شأنه أن يقرر اطلاق صواريخ ارض ارض على اسرائيل، بل ويحتمل بسلاح كيميائي. في ضوء قوة الردع الاسرائيلية والنجاعة المحدودة للسلاح الكيميائي نقدر بان احتمال مثل هذا السيناريو يبقى منخفضا، ولكنه أعلى من السيناريوهين الاخرين. ورغم ان احتماليته منخفضة، الا ان اهميته الكبيرة تستدعي من الحكومة الاسرائيلية ان تمنع، وفي حالة’ الفشل، أن تقلص، نتائج مثل هذا الهجوم. تهديد آخر في حالة ضعف أو اختفاء نظام الاسد هو توسيع′ تهديد الارهاب من سورية على الاسد. ولما كانت منظمات الارهاب في سورية، تشكل القسم الاقوى والاكثر تنظيما بين منظمات الثوار، فثمة احتمال عال في أنهم سيستغلون’ الضربة للاسد كي يسيطروا على اراض في الدولة وتعزيز قوتهم داخل المجتمع السوري. في مثل هذا الوضع يمكنهم العمل بحرية حيال اسرائيل. واذا لم تتمكن الولايات المتحدة من’ العمل بالتعاون مع حلفائها لخلق بديل براغماتي قوي، من شأن سورية أن تغرق في وضع دولة ضعيفة، تسيطر عليها منظمات الارهاب التي ستشكل تهديدا على اسرائيل.

 

الخلاصة

‘ما حصل في سورية هو مأساة وجريمة فظيعة’ هكذا بدأ رئيس الوزراء جلسة الحكومة في 25/اغسطس/2013. في حالات عديدة فان الالتزام الاخلاقي للدولة يتناقض مع مصالحها. ليس هذا هو الوضع في الحالة السورية، فوقف المذبحة في سورية واستخدام السلاح غير التقليدي، اعادة بناء الدولة وتثبيت نظام يسيطر عليه الشعب، هي مطالب اخلاقية أساسية، تتطابق والمصالح الاسرائيلية. ولكن الخطر المركزي على اسرائيل هو انه في السيناريو المتطرف من شأن الاسد أن يستخدم سلاحه الكيميائي ضد اسرائيل. ‘نقدر ان بوسع اسرائيل المواجهة مع كل التحديات التي يطرحها هذا التحليل،’ولا سيما مع التهديد غير التقليدي وتهديد الارهاب من سورية. أولا، عليها أن تتمسك بالسياسة التي بموجبها هي ليست طرفا في’ الحرب الاهلية في سورية، وهي لا تعتزم التدخل فيها. لقد تمكنت حكومة اسرائيل من عمل ذلك حتى اليوم، ومن المهم جدا كيف تحافظ على هذا النجاح حتى في حالة استفزازات على الحدود الشمالية. حتى لو كانت اسرائيل مطالبة بان ترد على مثل هذه الاستفزازات، ينبغي عمل ذلك باعتدال وبالتشديد على الدفاع والمنع ومحاولة منع التصعيد الى معركة شاملة.

ثانيا، على اسرائيل أن تواصل الاعلام بان الاسد يجب ان يعاقب على استخدام السلاح الكيميائي من أجل اعادة بناء الردع ومنع الحظر على استخدام هذا السلاح. كما توجد حاجة حيوية لان تواصل القدس وواشنطن تنسيق نشاطاتها في الساحة السورية انطلاقا من رؤية شاملة للاستراتيجية المشتركة لوقف البرنامج النووي الايراني. يحتمل ان يكون ممكنا ان نرى في التطورات الاخيرة في سورية فرصة حيال طهران أيضا.

حرره: 
م . ع