بالصور: جمانة .. فقدت كل ما يعني لها شيئاً ومرفوضة "أمنياً" من زيارة والدها

غزة / سعيد قديح –  خاص زمن برس

لبعضٍ من الوقت، قد لا تجد أباك قربك، فلا تهتم، تنتظر قليلاً فيغدو من أوسع بابٍ حينها عائدًا إليك، لكن أن تفقد أحد والديك وللأبد؛ فذلك يبدو عصيبًا،  وتفقد الآخر أيضًا  مُقيًدا وراء قضبان السجن فيبدو ذلك مُفجعًا، لتكون لقمةً سائغةً ينهشُ الشوقُ للمستحيل من لحمك وشحمك شيئًا فشيئًا ما يشاء. ثم إن هذا هو الإختصار غير الطبيعي لحكاية الطفلة الفلسطينية " جمانة أبو جزر " ابنة الإثني عشر ربيعًا وتسكن مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

فبعينيها وبطول ذراعيها تعاين جمانة عند بداية كل صباح صورةً مرسومة تجمعها بوالدها علاء ( 35 عام ) جاءت كهدية لها رغم أنها لم تره منذ أن تفتحت عينيها على عتبة هذه الحياة، تُقلَّب ألبوم صوره، تعود بها الذاكرة إلى الوراء قليلاً. حيث كانت في خامس شهرٍ لها بعد أن أنجبها رحم أمها التي فُجعت لإعتقال الزوج بعد أن أوقفه الأسرائيليون عام 2001 على معبر رفح إبان السيطرة عليه، وقبل أن تكمل ريم الأم الشابة عامها الواحد والعشرين يفتك بكبدها الوباء مُفارقةً الحياة، لتظل الأبنة وحيدةً برفقة جدتها لاسيما أن الظروف القاهرة لم تتح لوالديها إنجاب غيرها.

اليوم تكون جمانة قد انتقلت فعليًا لإتمام تعليمها الإعدادي بعد تخرجها من الصف السادس ابتدائي ونيلها المركز الأول على نظيراتها من الطالبات في المدرسة وبمعدل 99.9 %، وتقول لزمن برس بمعالم حزن ٍتحتل وجهها:" مع الوقت الذي حصدت فيه المرتبة الأولى على المدرسة، توقعت معلماتي أن أكون سعيدًة للغاية بهذه المرتبة، وعلى العكس تمامًا لست كذلك، فغياب والدي وأمي وعمي وجدي أوجعني وأسكن قلبي الحسرة،  كلهم ذهبوا مرة واحدة، ولن يعودوا".

فعمها أيمن سلبت حياته صواريخُ طائرة استطلاع اسرائيلية عام 2009 كانت قد استهدفت تجمعًا للمدنيين شرق رفح، تقول عنه جمانة إنه كان الملجأ الأول والاخير بعد وفاة أمها واعتقال والدها، حيث كانت تكنيه بلفظ " أبي "، ليضحي بغالب وقته من أجل الإعتناء بها، أما جدُّها فقد توفي بعد اعتقال والدها لتكون حينها آخرُ كلماته:" دعوني أرى علاء، دعوني أراه".

وغير بعيد عنها، تجلس جدتها مريم ( 63 عام ) تتوزع نظراتها على صور ألبومٍ التُقطت لها قبل عدة سنوات أثناء الزيارة الأولى لإبنها علاء المحكوم بأكثر من عشرين عامًا حيث يقبع حاليًا في سجن نحفة الإسرائيلي- والتي ظلت أخيرة لغاية الآن، ينتظم الدمع  في خطي عينيها  وبصوت  تسوده  آهاتها المكتومة تقول لزمن برس:" كانت برفقتي جمانة حينما زرت والدها علاء، وقبل أمتارٍ قليلة من أن تصله وتراه جاء الرفض الأمني الإسرائيلي  بإرجاعها والسماح لي فقط برؤيته، لتصرخ جمانة مدوية أرجاء المعتقل بإستغاثتها لأن ترى ولو شيئًا من والدها، احتجزها الجنود، وحينها قال لي السجان ما لم أنسه بعد، قال لي إننا سمحنا لك أنتي بزيارته فقط لأنه قد يخرج بعد سنوات فلا يراكِ، لكن جمانة ما زالت صغيرة وستكون على قيد الحياة حينما يخرج أباها، أما أنتي فلا". وتتابع:" لكنني واثقة من أن رغبة السجان لن تتحقق بإذن الله".

تكتب جمانة  الشعر وتلقيه في مناسبات وطنية عديدة غالبًا ما يرتبط الجزء الأكبر منها بقضية الأسرى، ثم إنها تجيد التمثيل والرسم والوقوف أمام الجمهور من أجل إيصال رسالتها التي تصفها بالعادلة جدًا، ولا تترك الابنة جدتها لوحدها حينما تحين ساعة إعداد الطعام، فهي ماهرةٌ في هذا الشأن، وتستخدم جمانة موقع التواصل الإجتماعي » فيس بوك«  من أجل التواصل مع صديقاتها، والإطلاع على آخر أخبار الأسرى.

تتصفح دفترًا أرسله لها أبوها كهدية، حيث احتوت كل صفحة على رسمة بيديه، طلب منها أن تكتب ما تحب من شعر وقصص وخواطر على ورقه، جاءت عينيها على شيء مما كتبته تقول فيه:" في ليلة ظلماء، كنت أنجز مهماتي المدرسية، وفجأة وقع بصري على صورة والدي على الجدار، كانت مبتسمةً، لا أنا أقدر على إخراجه منها، ولا هو يقدر منها على الخروج إليَّ، محاصرةٌ أنا بيني وبينه، فهل يسمع العرب صرختنا !؟".

للمزيد من الصور...

 

 

حرره: 
م.م