في إسرائيل: الجيش يشكّل الوعي ويرسم حدود الديمقراطية

بقلم: تسفي برئيل

يوجد الكثير من اللآلئ في الصحيفة، تكون مخبوءة بعيداً عن العناوين الصحافية الرئيسة. فعلى سبيل المثال يمكن أن نجد في المناقصات التي تنشرها وزارة الدفاع قدراً موفوراً من المعلومات النافعة التي تلقي ضوءاً على المجتمع الاسرائيلي.

نُشرت في الاسبوع الماضي مناقصة تستدعي مقترحات للتزويد بـ "شنيتسل مُشكّل". فهل القصد شنيتسل يُذكر الجنود بطفولتهم التي قُطعت في التدريبات الصيفية؟ أو ربما يكون شنيتسل على صورة قطعة سلاح؟ أو ربما يكون الشنيتسل المُشكل مخصصا فقط للوحدات المنتخبة ويضطر الجميع الى الاكتفاء بشنيتسل عادي؟ إن الشنيتسل طعام وطني مر ببوتقة صهر قاسية حينما انتقل من المطابخ مرهفة الذوق في اوروبا الاشكنازية الى الشطائر التي وضعوه فيها بالقرب من السبيح والشطائر التونسية، في خبز فرنسي بالطبع، ومنها الى الحضيض، أي الى المطبخ العسكري. أما الشنيتسل المُشكل في المقابل فقد يُستخدم رمزا الى رتبة. هل أنت طيار أو محارب من غولاني أو مظلي؟ يوجد لك "شنيتسل مُشكّل في الظهيرة".

ويقدم سلاح الاستخبارات مقترحات لوسائد من قماش يشبه الجلد. ونتساءل مرة اخرى ألا تستحق الاستخبارات وسائد من جلد حقيقي؟ أليست هذه التي "تشبه الجلد" والتي تُذكر بباذنجان بطعم الكبد، شهادة على خدعة أعمق أو على تمييز طبقي؟ ومن الذي يحصل على وسائد مصنوعة من الجلد؟ لكن كل هذه في الحقيقة أمور تافهة اذا قيست بمناقصة وزارة الدفاع لدورات الاستكمال بشأن الهوية اليهودية الاسرائيلية. ونقول بالمناسبة إن آخر موعد للتقديم هو التاسع من أيلول. ونشك في أن توجد مؤسسة تستطيع في ثلاثة أسابيع أن تُقدم خطة منظمة لتلك الهوية، لكن معاذ الله أن أُشير الى أن المناقصة أُعدّت لبعض الجهات. إن الهوية اليهودية الاسرائيلية هي، اذاً، منتوج استهلاك بكامل جوانبه، سيُسلم الحق في تقديمه الى كل من يُقلل السعر. وما لم تفعله سنوات التعليم الـ 12 ستفعله دورات الاستكمال.

إن إصدار هوية يهودية إسرائيلية ليس خدمة جديدة للجيش الاسرائيلي، فهو يفعل ذلك منذ سنين، لكن ذلك الأمر يثير في كل مرة من جديد سؤالاً حول مشاركته في تشكيل المجتمع في اسرائيل. فكما أن "تقاسم العبء" يتم فحصه بمفاهيم عسكرية فقط، وكما أن بعض حقوق المواطن أو الخدمة الاجتماعية مشروط بالخدمة العسكرية، فان الجيش يُمنح كذلك صلاحية أن يمنح الاعتراف باسرائيلية مواطن ما بل أن يطمس على هوية جندي غير يهودي وعلى قبره بالقرب من جنود يهود، وأن يضع على شاهد القبر علما صغيرا وكأنه شهادة تحليل من المؤسسة الحاخامية.

إن القوة الثقافية والاجتماعية التي يمتلكها الجيش تدعو فورا الى المقارنة بما يحدث الآن في مصر. إن الجيش المصري مؤسسة مقدسة ينبغي عدم العيب عليها بحسب القانون. وميزانيته مجهولة ولا تخضع للرقابة وهو يُدير جهازا اقتصاديا مستقلا لا أحد يعلم مقداره. وفجأة – وليست هذه المرة الاولى – تولى الجيش الحكم وباسم "الشعب والديمقراطية" يحارب حركة دينية انتُخبت بصورة ديمقراطية. ويسجد ليبراليون مصريون للفريق عبد الفتاح السيسي ويرونه حامياً للحرية والقيم الليبرالية حتى حينما يقتل مئات المواطنين. لكن ما يفعله الجيش المصري بطريقته القاسية ليس إظهارا لقوته فقط بازاء المتظاهرين لاعادة الاستقرار بل يحدد ايضا ما هي القيم الصحيحة وأي القيم ليست كذلك. وهو يحدد حدود الديمقراطية المحتملة ويُملي متى يجب أن تدافع الديمقراطية عن نفسها ومن تدفع عن نفسها. وهو يراقب مسار صوغ الدستور الذي سيصوغ قيم مصر المستقبلية ويوجِد من جديد "ارادة الشعب" وهوية المواطن. ولا يمكن ان يوجد تعريف للدكتاتورية أفضل من السيطرة بالقوة على الوعي العام.

ويثور سؤال من تلقاء نفسه وهو هل يوجد فرق جوهري بين السيطرة العسكرية على الوعي وتعريف الهوية وبين الاستسلام طوعا للجيش مع منحه صلاحية السيطرة على هذه الأسس؟ في الحالتين، تتلقى منظمة غير ديمقراطية أو تمتلك قوة لا يفترض ان تكون لها. والجيش الاسرائيلي بخلاف الجيش المصري لا يطلق النار على مواطنيه، بل "فقط" يعجنهم ويُنشئ مواطنين مُشكّلين.