أوهام أوباما الساذجة تجاه مصر

بقلم: البروفيسور ابراهام بن تسفي

بخلاف التقدير السائد الذي يقول إن سياسة الرئيس اوباما في الشرق الاوسط مشحونة بالتناقض الداخلي وتُجر من ازمة الى ازمة بلا اتجاه واضح ويد موجهة، يمكن ان نلاحظ في الجبهة المصرية على الأقل اسلوب تفكير وسلوكا اميركيا ثابتا ومنهجيا، لكنه داحض تماما ايضا.

منذ انطلق "الربيع العربي" الى ميادين القاهرة بقوته العنيفة، بقي البيت الابيض أسير اعتقاده بانه يمكن ويمكن تصدير بشرى الديمقراطية الغربية الى ارض النيل وكأن الحديث يدور عن منتوج استهلاكي أميركي. ولم تتغلغل بعد الى وعي "كل أناس الرئيس" امكانية ان خلاصة الديمقراطية ليست في تحقيق حق التصويت في صناديق الاقتراع بل في صوغ منظومة علاقات وولاءات اجتماعية نحو قيم التسامح والتعددية (وانشاء مؤسسات تراقب هذه المعايير بصدق).

منذ اليوم الذي أداروا ظهورهم فيه الى حليفهم القديم المخلص، حسني مبارك، وعبروا عن تأييد الثورة المصرية (التي جاءت بنظام محمد مرسي و"الاخوان المسلمين" المتطرف للحكم)، بقي هؤلاء أسرى حلمهم بأنه يمكن حتى مع عدم وجود تحول اجتماعي وتجربة سابقة ما للمسارات الديمقراطية ان ينشأ في مصر – دفعة واحدة – نسخة مستقرة من طريقة الحكم الغربية على اختلاف عناصرها ومستوياتها. وبرغم ان نظام حكم مرسي كان بعيدا سنوات ضوئية عن نموذج الديمقراطية الغربية وعمل في تشدد وقوة على مواجهة خصومه السياسيين والعقائديين، فقد كانت حقيقة انه انتُخب في ظاهر الامر في انتخابات ديمقراطية بالنسبة للرئيس الأميركي هي العامل الحاسم الذي حثه على متابعة تأييده الى يوم انهياره حقا.

واليوم ايضا بعد انشاء نظام حكم الضباط في القاهرة بستة اسابيع، لم ينزل الستار على هذا العمى التصوري والسياسي. فبدل زيادة رزمة المساعدة العسكرية والاقتصادية للنظام الموالي للغرب الجديد، والاستعداد لمواجهة التحديات الصعبة التي تعترضه في طريقه، يُدير البيت الابيض كتفا باردا للفريق السيسي. فاوباما لا يتابع فقط طلبه منه أن يُسيّر مصر النازفة فورا في مسار التحول الديمقراطي، بل يلزم في مواجهتها استراتيجية التهديدات والعقاب (على صورة تعليق ارسال اربع طائرات اف 16 وُعدت بها، والغاء التدريب العسكري المشترك).

إن هذا السلوك (ولا سيما اذا صاحبه تجميد رزمة المساعدة العامة لمصر) قد يمنح معسكر مؤيدي مرسي المتطرف في الداخل والخارج دعما، ويُخيب حلفاء السيسي في العالم العربي ويُشعرهم بالغربة وفي مقدمتهم العربية السعودية. لا يعني هذا بالطبع انه يجب على الولايات المتحدة ألا تهتم باستمرار سفك الدماء في مدن مصر، ومن واجبها الاخلاقي ان تستعمل جميع وسائل التأثير التي تملكها لضمان ان تُظهر قوات السيسي ضبط النفس حتى في مواجهة استمرار العنف والاخلال بالنظام. ومع ذلك كان يفترض من جهة المصلحة القومية على الأقل ان يوجه معظم جهود الادارة الأميركية الآن الى استغلال نافذة الفرص الحالية لانشاء محور سني معتدل من جديد بين القاهرة والرياض، وصوغ صورة المنطقة كلها من جديد بذلك.

لكن واشنطن لم تنجح الى الآن على الأقل في فصل نفسها عن تصوراتها المتعلقة بقدرة ارض النيل على استدخال اساليب الديمقراطية الغربية، وهي مستمرة في مراقبة ما يجري فيها بعيون مغمضة. إن الرئيس الليبرالي لا يواصل فقط ايمانه بأن جولة اخرى من الانتخابات ستقدم الصيغة السحرية لرأب جميع الصدوع في المجتمع والنظام السياسي في مصر بل بقي على يقين من ان هدف "المصالحة الوطنية" على صورة انشاء حكومة ائتلافية قابل للتنفيذ في الواقع الحالي المشحون بالعنف ايضا، وهذا تعبير آخر عن وجهة نظر ضيقة ساذجة ترى ان الثقافة الأميركية هي مصدر إلهام وأساس للتطبيق الكوني دون صلة بالظروف الثقافية والعقائدية المحددة. ولم يبق سوى ان ننتظر ونرى هل يتبنى الرئيس آخر الامر توجها واقعيا واعيا في مركزه الطموح الى وضع أساس لانشاء شرق اوسط جديد أقل تطرفا وأكثر ولاءً للغرب.

حرره: 
م . ع