كلام في كلام

بقلم: نداف إيال

هذا الأسبوع بدأ فعلا. ليس في واشنطن العطرة، المترفة والدافئة، مع الكاميرات وزيارة الرئيس الخاطفة. لكن هنا كانت البداية: عطاءات بناء في المناطق وردود الفعل في العالم، الأسرى الفلسطينيون، الاحتجاجات الإسرائيلية والفلسطينية المتبادلة، محاولات التهدئة الأميركية. هذه الآليات معروفة جيدا لنا وتكرر نفسها في كل جولة. والقدس، التي جرت فيها المفاوضات هذا الاسبوع تمثل جيدا روحية المفاوضات: محلية، مهددة، على فوهة بركان. لقاء واشنطن كان ترفيها على الحساب. ينبغي على الطرفين بذل الجهد لكسب لقاء آخر في واشنطن. والشكوك كبيرة أن ينجحوا في ذلك
وكان يفترض بصور الإفراج عن المعتقلين هذا الأسبوع أن تساعد أبا مازن في تسويق المفاوضات للجمهور الفلسطيني. وقد اعتاد الفلسطينيون أساسا على إطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين، عدديا على الاقل، نتيجة عمليات اختطاف، وهو ما خلق الانطباع بأن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة. لكن إفراج إسرائيل عن المعتقلين هذه المرة، ورغم الاحتفالات، كان مخيبا للفلسطينيين. فالقتلة المفرج عنهم لم يكونوا أبطال الإجماع الفلسطيني، وإنما عجائز وقتلة عملاء. وللأسف فإن الدخول إلى الإجماع الفلسطيني يتم عبر تنظيم العمليات الانتحارية. ويقولون في السلطة الفلسطينية ان إسرائيل هكذا: عندما تبدأ مفاوضات السلام تفرج عن معتقلين ببخل وتبدأ بالأسماء الأصغر بالنسبة لنا. وعندما يخطفون لها جنديا، فإنها تفرج عن قتلة ملطخة أياديهم بالدماء بنسبة واحد إلى ألف. وبداهة أن هذه الخيبة هي جزء من اللعبة التي شارك بها الجميع هذا الأسبوع. كل واحد لعبها حقا بشكل نموذجي. إسرائيل بذلت كل جهد لتقليص صور الأسرى الفلسطينيين تجاه الداخل وتضخيمها تجاه الخارج. فتجاه الخارج الإفراج هو بادرة حسن نية مؤلمة وفظيعة، وهي إفراج عن قتلة مدانين ولكن من أجل السلام. وتجاه الداخل، بذلت حكومة نتنياهو كل جهد من أجل عدم تصوير الأسرى. إنها الصور التي لا يريد رئيس الحكومة أن تسجل على اسمه، وشارات النصر على أصابع الأسرى هي مسألة حاولت إسرائيل الرسمية منعها
والفلسطينيون قاموا بالعكس تماما: تجاه الداخل ضخم أبو مازن الإنجاز الفلسطيني، وتجاه الخارج أوحى بالخيبة من التنازل الإسرائيلي الضئيل، خصوصا إذا قارنا ذلك بتنازل نتنياهو لحماس في صفقة شاليت. وبالتوازي، دفعت إسرائيل الثمن السياسي مقابل استئناف المفاوضات: بناء آلاف الوحدات الإسكانية وراء الخط الأخضر. وهنا أيضا، جميعهم لعبوا لعبتهم: كان واضحا أن وقتا سيمر قبل أن تبنى هذه الوحدات السكنية فعلا. والتوقيت أعد لإشباع نهم اليمين في حكومة نتنياهو واستغلال دقائق الفضل الأخيرة لاستئناف المفاوضات. ويعرف الأميركيون سلفا بالنيات الإسرائيلية – أو بكلمات كيري نفسه: «كانت متوقعة بقدر ما» (يعني أنها كانت متوقعة) لكنهم دانوا الاستيطان بالفم الملآن. وتنادى الفلسطينيون غاضبين (رغم أنهم كانوا يعلمون سلفا) وصائب عريقات أرسل رسالة غاضبة يشتكي أمام الأميركيين من خطرها على المفاوضات
وفي هذه الأثناء ينشر الصحافي جيفري غولدبرغ – وهو قناة تسريب دائمة للإدارة الأميركية - اقتباسا من جون كيري حول الخشية من أن تتعرض إسرائيل «لنزع الشرعية على مذنبات» إذا فشلت المفاوضات، وهذا ضغط أميركي على نتنياهو. وكل هذا السلوك متوقع، وتقريبا منسق بين الطرفين، وجزء من الصفقة الكبرى التي قادت إلى استئناف العملية السياسية
وبداهة أن ليس كل هذا يبشر بالخير
ما هو السؤال الذي يستميت الطرفان لطرحه على مارتين إينديك ولم يفعلا؟ إنه السؤال عن الخطة الأميركية. هذا سؤال مركزي. وهذه لحظة الحقيقة التي يخاف أبو مازن ونتنياهو منها. فاحتمال أنه بعد عدة جولات من الاتصالات العقيمة، ولحظة قبل نفاد الموعد النهائي بعد ثمانية شهور ونيف، سيعلن الأميركيون أنهم للأسف مضطرون، بعد فشل الطرفين في ردم الهوة، لتقديم خطتهم
والإسرائيليون – في إطار الجهد الهائل للتنازل للمستوطنين عن كل تجميد - وافقوا على سابقة مبدئية في المفاوضات وهي وجود دائم لمارتين إينديك داخل الغرفة (في الجولة الأولى وافق الطرفان على التنازل لخلق الثقة). وبينما يصرون على عدم التنازل بشأن البناء في يهودا والسامرة، بل عدم تصريح عديم المعنى يذكر بشكل غامض حدود 67 لم يبق سوى الإفراج عن قتلة وتمكين وسيط أجنبي، للمرة الأولى، من أن يكون عنصرا دائما داخل غرفة المفاوضات
لماذا يعتبر هذا جوهريا؟ لأن إسرائيل حظيت على الدوام داخل الغرفة هذه بأن تكون الطرف الأقوى. هي تريد الجلوس مباشرة مع الفلسطينيين لأنها غير معنية بفتح الباب (باب؟ إنها بوابات جهنم بالنسبة لصناع القرار) وتمكين الأميركيين من الدخول وإبلاغ تل أبيب ما عليها أن تفعل. قال رؤساء الحكومات المتعاقبون من اسحق شامير فصاعدا ان هذا الباب ينبغي أن يبقى مغلقا. ولم يعد الباب مغلقا، فضلا عن أن الوسيط لم يعد السيناتور الطيب جورج ميتشل، الذي أفلح في التوسط وتحقيق السلام في إيرلندا، لكنه ليس خبيرا في الشرق الأوسط، وإنما أحد الثعالب الأميركيين الأشد خبرة بالمنطقة، إينديك. وهو شخص مشحون تجاه نتنياهو (والشعور متبادل طبعا) ويصعب التمويه عليه بذرائع أو خطابات حول عدالة الصهيونية (فهو مقر بصدقيتها). اينديك بالضبط هو الشخص القادر على تجسير الهوة، لكنه أيضا – بقدر الحاجة - القادر على أن يضع للرئيس خطة تقيم جسرا أميركيا مستقلا
وسبق لي أن كتبت أن غاية نتنياهو العليا هي بلوغ مكانة إيهود أولمرت وإيهود باراك الدولية. وهذا الوضع يترجم بالعبارة البسيطة التالية: عرضنا على الفلسطينيين كل شيء، وهم رفضوا. وهذا قول حصن أولمرت وباراك من الانتقادات الدولية ووفر لهما مظلة مجد شخصي وسياسي استغلاها جيدا. وحتى بعد تركهما منصبيهما. وتوصل نتنياهو إلى الاستنتاج أنه ينبغي أن يكون في وضعهما: أن يقدم عرضا جديا، مؤلما، واسعا، وأن يتلقى الرفض الفلسطيني (بالإمكان دوما الركون إلى الرفض الفلسطيني) وبذلك ينهي مرة واحدة وإلى الأبد عرضه كرافض للسلام. وبسبب أن قدرة نتنياهو أن يعرض على الفلسطينيين عرضا مشابها لما عرضه أولمرت، يمكن الركون إلى أن الفلسطينيين سيرفضون. وإذا رفضوا، يستطيع نتنياهو أن يقول انه عرض على الفلسطينيين 89 في المئة، 91 في المئة، 86 في المئة، أو أي رقم آخر، وهم قالوا لا (ولحسن الحظ قالوا لا، وإلا فماذا كان سيفعل نتنياهو؟) وهذا تكتيك حكيم جدا من جانب رئيس الحكومة، لكن ما يمكن أن يعرقله هو الوساطة الأميركية الفعالة واحتمال عرض خطة أميركية. وإذا قرر الأميركيون وضع كل ثقلهم والهيبة الرئاسية في اللعبة، فإن قدرة نتنياهو على تقديم أي عرض جدي مهما كان ستكون ضئيلة جدا. إينديك سيلحظ ذلك وسيبلغ الرئيس عما هو جدي وغير جدي، وما هي معايير الحد الأدنى لمطالب أي زعيم فلسطيني، وما ينبغي لإسرائيل أن تعرض حتى يكون احتمال موافقة الفلسطينيين عاليا. وبوسع الرئيس الأميركي حينها أن يعرض الحل وأن يضع هذه القنبلة اليدوية في حضن الطرفين. فمن يرغب في أن يغدو رافض السلام؟ 
إن خطة كهذه لا تزال مجرد خيار. فلماذا يعرض أوباما خطة يمكن للطرفين أن يرفضاها ويمكن أن تجلب له مهانة أخرى؟ لماذا سيعرض حزبه لانتقادات شديدة قبيل الانتخابات النصفية العام 2014؟ لكن الطرفين يعرفان أن هذا خيار قائم، وفقط معرفة ذلك ستدفعهما للعمل بحذر أكبر في مقدار الشك داخل غرفة المفاوضات