صرخة بريطانية في وجه الإباحية على الإنترنت

لندن - رانيا كرم
 
الرقابة على الانترنت لمنع نشر الصور الفاضحة والجنسية؟ قد يكون تطبيق هذا الأمر متوقعاً بالفعل في بلدان عربية محافظة، لكنه الآن بات مطروحاً وبقوة في بلاد تفاخر بتحررها الجنسي، كبريطانيا مثلاً.

جريمتان مروّعتان راحت ضحيتهما طفلتان صغيرتان كانتا الشرارة التي أطلقت الدعوات في بريطانيا إلى تقييد ما يمكن أن يُنشر على الإنترنت من صور فاضحة، لأن الجريمتين - كما أظهر محامو الإدعاء خلال وقائع جلسات المحاكمة - ارتكبتا بعد مشاهدة الرجلين القاتلين مشاهد جنسية على الانترنت. وهذه المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذا الربط المباشر بين مشاهدة صور فاضحة على الانترنت وبين ارتكاب الجرائم. وهذا ما دفع منظمات تعنى بحماية الأطفال إلى القول إنه يتطلب من شركات الانترنت العالمية، مثل «غوغل»، «تقييد» ما يمكن مشاهدته على صفحاتها من مشاهد جنسية فاضحة.
وقبل أيام، دانت محكمة في مقاطعة ويلز، غرب بريطانيا، مارك بريدجير (47 سنة) بجريمة خطف الطفلة ابريل جونز (5 سنوات) وقتلها بدافع جنسي، في جريمة هزّت الرأي العام البريطاني لدى حصولها في تشرين الأول (اكتوبر) العام الماضي. وأطلقت الشرطة البريطانية أوسع عملية بحث عن الفتاة في تاريخها، لكن لم يُعثر على أي أثر لها باستثناء بقايا عظام قال الإدعاء إنها تعود إلى جمجمتها عُثر عليها في مدفئة منزل بريدجر الذي يسكن القرية نفسها حيث تقطن عائلة الطفلة جونز. واكتفى بريدجر خلال جلسات محاكمته بالقول إنه قتلها، لكنه لا يعرف ماذا فعل بها، رافضاً تقديم أي معلومات عن مكان دفن جثتها أو كيف تخلّص منها.
وأوضح الادعاء أمام المحكمة أن محققي الشركة عثروا في جهاز الكومبيوتر لبريدجر على كميات من صور الأطفال الذين يجري اغتصابهم أو تُساء معاملتهم. كما عثروا على شريط فيديو من فئة الرعب أوقف عند مشهد اغتصاب عنيف. ودان القضاء بريدجر بالجريمة وأمر بحبسه مدى الحياة. وجاء الحكم عليه بعد أيام من محاكمة مماثلة في لندن انتهت أيضاً بإدانة رجل آخر هو ستيوارت هيزيل (37 سنة) بقتل الطفلة تيا شارب (12 سنة)، وهي حفيدة صديقته، بدافع الهوس الجنسي. وعثرت الشرطة أيضاً في جهاز كومبيوتره على أدلة على أنه أجرى بحثاً على الانترنت عن عمليات الاغتصاب العنيف وارتكاب الفاحشة ضد الأطفال، قبل ارتكاب جريمته التي نال عليها عقوبة السجن 38 سنة.

علاقة بين الجنس والجريمة
وبريدجر مثله مثل هيزل، لم يسبق له أن دين بجرائم جنسية من قبل. لكن كلاهما ذهب مباشرة من مشاهدة صور إباحية إلى ارتكاب أبشع الجرائم ضد الأطفال، الأمر الذي يعقّد مهمة الشرطة التي لا يمكنها أن ترصد أي تغيير تدريجي في تصرفات الشخص بما يوحي أنه بات يمثل تهديداً للأطفال.
ورأت منظمات تعنى بالرعاية بالأطفال أن هذه المحاكمات تُظهر بما لا يقبل الشك وجود رابط بين مشاهد الجنس المتاحة على الإنترنت وبين ارتكاب الجرائم. وبحسب منظمة «أن أس بي سي سي»، إحدى أهم الجمعيات البريطانية التي تعنى بالأطفال، فإن هناك «رابطاً مثيراً للقلق» بين الأمرين (المشاهد الجنسية والجريمة). ودعت إلى «خطوات فعالة» للتصدي للسهولة التي يمكن الوصول فيها إلى مواقع تعرض مشاهد جنسية عنيفة أو صوراً مخلة بالآداب والأخلاق على شبكة الانترنت.
ويقول المدير التنفيذي لـ «ان أس بي سي سي» فيليب نويز: «يبدو أن بريدجر عاش في عالم متخيّل تضمن مشاهدة صور استغلال للأطفال على الانترنت. كنا قلقين منذ فترة بالنسبة إلى زيادة عدد المشاهدة الإباحية التي باتت أكثر سهولة للمشاهدة ويمكن أن تغزّي تخيلات مرتكبي الجرائم مثل بريدجر. هذه الحالة تدل على دليل متزايد في شأن رابط مثير للقلق بين رؤية مواد سيئة وبين ارتكاب هجمات جنسية خطيرة. إن وفاة ابريل ستؤدي كما نأمل إلى اتخاذ إجراءات فعالة للقضاء على هذه التجارة المقززة (بصور الاطفال)».
وسارعت شركة «غوغل» العملاقة إلى القول إنها تمارس «سياسة صفر قبول» بالنسبة إلى نشر محتوى يتضمن إساءات جنسية على صفحاتها وإنها تعمل بالفعل حالياً مع مؤسسة «انترنت ووتش فاونديشين» لإزالة مواقع تنشر صوراً فاضحة للأطفال، وفق ما أكد سكوت روين، مدير الاتصالات والعلاقات العامة في «غوغل».
لكن جون كار، مستشار الحكومة البريطانية لشؤون أمان الانترنت وسكرتير تحالف جمعيات عدة تعنى بشؤون الأطفال، يقول إن «غوغل يمكنها أن تقوم بعمل أكبر، بل عليها أن تقوم بذلك (لمنع مشاهد الاستغلال الجنسي للأطفال)».
ويوضح جون براون، كبير المتخصصين بشؤون الإساءة الجنسية في جمعية «ان أس بي سي سي»، إن «الإساءة الجنسية للأطفال تنتج في شكل أساسي من سوء استخدام السلطة ممزوجاً باهتمام جنسي بالأطفال. إنها جريمة عادة ما يشاهدها (فقط) الشخص الذي يقوم بالاستغلال وضحيته. وبسبب ذلك، فإن غالبية (هذه الجرائم) لا يُبلّغ عنها، ولا يُعرف بها، ولا يلاحَق مرتكبوها». ويضيف براون في تقرير على موقع الجمعية نشر أواخر العام الماضي: «إن غالبية مرتكبي (هذه الجرائم) في مجتمعاتنا لا تعرفهم السلطات. إن التقديرات التي ترد في دراسات بحثية دولية تُظهر أن ما بين 60 و90 في المئة من حالات استغلال الأطفال جنسياً لا تصل إلى مسامع الشرطة».
وأجرت «ان أس بي سي سي» دراسة شاملة في بريطانيا أجريت عام 2000 ثم طورتها في العام 2010 وظهر بنتيجتها أن 11.3 في المئة من الشبان والشابات (1 من أصل كل 9) عانوا من سوء معاملة جنسية في طفولتهم. وأظهرت دراسة أجريت عام 2000 أن 72 في المئة من الأطفال لم يخبروا أحداً بالاساءة الجنسية إليهم عند حصولها، وان 27 في المئة أخبروا أحداً بها لاحقاً. وتقول الجمعية إن دراستها أظهرت أن ما نسبته 31 في المئة من الجرائم الجنسية لا يُبلّغ عنها أبداً، ما يعني أن نسبة لا يستهان بها من هذه الجرائم تبقى طي الكتمان، وبالتالي فإن عدد الجرائم الجنسية يكون أعلى من النسب المتداولة رسمياً.
وتؤكد الجمعية أن الذكور هم من يرتكبون الغالبية العظمى من الجرائم الجنسية (أكثر من 90 في المئة)، وأن ثلث هذه الجرائم التي تطاول الأطفال تحديداً يرتكبها أطفال أو أشخاص دون الـ 18 من أعمارهم. وتوضح أن الفتيات أكثر عرضة من الصبيان للاستغلال الجنسي (بست مرات).

حرره: 
م.م