الفارق بين تقسيم وتحرير

بقلم: تسفي بارئيل

المظاهرات في حديقة غازي قرب ميدان تقسيم في اسطنبول وان كانت تعيد الى الذاكرة المظاهرات في ميدان التحرير في القاهرة، ولكن المسافة بينهما، جغرافيا وجوهريا، طويلة جدا. خلفيتها هي قرار الحكومة التركية جعل هذه الحديقة الجميلة مركزا تجاريا ضخما والبناء في الطريق لمنظومة طرق غايتها تصفية أزمات السير الهائلة ومصاعب المواصلات في نطاق ميدان تقسيم. ولكن هذه ايضا الحديقة التي تشكل في فترة الربيع والصيف مكان التنزه لالاف العائلات، للقاءات بين الشباب وللانتعاش من الحرارة والرطوبة في المدينة.

وللوهلة الاولى، فان هذا ايضا هو كفاح الخضر ضد تصفية الرئة الخضراء الكبرى، المتبقية في المدينة ونقلها الى ايدي ارباب المال. ولكن ما بدأ قبل يوم أمس كمظاهرات من أجل جودة البيئة، سرعان ما تطور الى مظاهرة سياسية كبيرة انتقلت الى مدن اخرى ايضا، ضد ما اعتبر ‘طغيانا سلطانيا’ من جانب اردوغان.

واضيف الى الغضب الجماهيري أيضا الشكل الوحشي الذي حاولت فيه الشرطة، حتى الان من دون نجاح، تفريق المتظاهرين، الذين اصيب الكثيرون منهم بعصي الشرطة، والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه من سيارات تفريق المتظاهرين. كما أن رد اردوغان، الذي قال ان ‘المشروع سيستمر كما كان مخططا له وأطلق مناكفات تجاه المتظاهرين، اضافت حماسة للغضب.

ويوجد اردوغان الان تحت هجمات هي الذروة في ولاياته المتعاقبة الثلاث. فوضع تركيا الاقتصادي ممتاز. والغرب يغازلها بسبب موقعها الجغرافي السياسي المهم، الذي ساهمت فيه الازمة في سورية وقرار أنقرة العمل راعية للثوار. وبادر اردوغان الى خطة المصالحة مع الاكراد، التي تجري حتى الان حسب الخطة، وحظي باعتذار من رئيس الوزراء الاسرائيلي، وبالاساس لا توجد حاليا معارضة سياسية مؤثرة يمكنها أن تهدد حكمه.

ولكن هذه النجاحات تعتبر لدى أقسام من الجمهور، ولا سيما في أوساط الليبراليين والعلمانيين تعزيزا لطغيان رئيس الوزراء، الذي وجد تعبيره ليس فقط في الهجمات المباشرة على وسائل الاعلام، في سن قوانين مثل فرض القيود على بيع الكحول، التي تعتبر مقدمة للاجندة الدينية، او منع المظاهرات في الاول من ايار/مايو في ميدان تقسيم. وجد تعبيره ايضا في ما بدا حكما فرديا، أو على الاقل حكم حزب واحد.

بالمقابل، فان قاعدة التأييد لاردوغان واسعة ومهمة. وهي تتضمن رجال أعمال مهمين راضين عن سلوكه الاقتصادي، وكذا الطبقات الوسطى الراضية عن الارتفاع في مستوى المعيشة والاستثمارات الكبرى في البنى التحتية، التي توفر اماكن عمل.

اذا تبين في اليومين القادمين لاردوغان ان الاحتجاج ضد هدم الحديقة لا يخبو، فسيتعين عليه أن يقرر كيف سيستمر. فمظاهرات كبرى وصور قمع المظاهرات التي تنتشر في العالم دفعت منذ الان بعض اصحاب العلامات التجارية الشهيرة في تركيا الى الاعلان بانهم لن يفتحوا فروعا في المركز التجاري الجديد. وتطالب منظمات حقوق الانسان في تركيا وفي العالم باجراء تحقيق في شكل سلوك الشرطة، والاتحاد الاوروبي، الذي يستعد لاستئناف المباحثات لضم تركيا الى صفوفه، بات يطرح التساؤلات منذ الان.

لقد أثبت اردوغان في الماضي انه يعرف كيف ينسحب حين يتطلب الامر ذلك، وهذه المرة ايضا كفيل به ان يجد طريقة التفافية لتنفيذ المشروع. تلميحات بذلك يمكن ايجادها في تصريحات نائب رئيس الوزراء، بولنت آرنتش، الذي انتقد الاستخدام الزائد للغاز المسيل للدموع واقترح ‘اقناع المتظاهرين بدلا من استخدام القوة’. كما أعرب آرنتش عن رضاه من قرار المحكمة تأجيل تنفيذ المشروع. يحتمل أن تكون المحكمة هي التي ستضع امام الحكومة السلم للنزول عن المشروع. حاليا، انسحبت الشرطة من الميدان.

وأمس انعقدت جلسة مشتركة لرئيس بلدية اسطنبول مع المدير العام للمشروع وممثلي جمعية المهندسين لايجاد حل مرض. ويبدو أن اردوغان سينجح في مواجهة التحدي الذي يواجهه به المتظاهرون، ولكن هذا سيكون درسا مهما في قيود القوة ايضا.

حرره: 
م.م