بيرس وعباس وكيري: واقع وأوهام

بقلم: ايزي ليبلار

شاركت في الاسبوع الماضي في «كسر الجمود»، وهو اجتماع عقد في الأردن برعاية المنتدى الاقتصادي العالمي. وشارك في الاجتماع حوالي ثلاثمئة من رواد الصناعة والتجارة من الاسرائيليين والفلسطينيين يمثلون معاً اكثر من 25 في المئة من الناتج الوطني العام في اسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وبادر لعقد الاجتماع رائد الهايتك الاسرائيلي يوسي فاردي بدعم من صديقه الفلسطيني منيب المصري، رئيس شركة النفط والغاز الضخمة «باديكو». وكان الهدف المعلن عدم النبش في الماضي أو عرض أية اشتراطات، وإنما ممارسة الضغط على الساسة للتحرك قدماً نحو حل الدولتين.

وبالفعل خبرت التعرف المثري جداً الى فلسطينيين ـ يعرضون حماسة حقيقية لتطوير علاقات صداقة لإسرائيل ومخلصون لانهاء الصدام. وللأسف كانت تعابير الارادة الطيبة والطموح الى حياة سلام التي عرضت في المؤتمر بعيدة بعداً هائلاً عن الواقع الميداني. وتجنب المنظمون الاسرائيليون أي نقاش انتقادي للسلوك الفلسطيني في الماضي وحث الدعاية الاسرائيلية قدماً.

لكن حينما ألقى رئيس السلطة عباس خطابه شن هجوماً شديداً لاذعاً، ألقى فيه كامل المسؤولية عن الطريق المسدود على اسرائيل. وكانت لديه الوقاحة لإنكار أن حكومته مارست أي تحريض. وطلب الافراج عن السجناء وتطرق الى مبادرة السلام السعودية في سياق خطوط هدنة العام 1949 وكذلك عرض حق العودة لللاجئين الفلسطينيين وهو يعلم أن أية حكومة اسرائيلية لن توافق عليه أبداً.

وأصرّ عباس على انه اذا لم تقبل اسرائيل كل مطالبه فلن تتقدم المسيرة. ورفض بشدة الحدود المؤقتة أو الاتفاقات المرحلية او أية مبادرات لتحسين ظروف عيش الفلسطينيين قبل التسوية. وفور انتهاء خطبة عباس التعنيفية توجه اليه الرئيس بيريز بحميمية وسماه «صديقي العزيز» ورجل السلام والشريك الحقيقي في السلام، وألحّ عليه أن يعود الى طاولة التفاوض.

وكشف وزير الخارجية الاميركي جون كيري خطة اقتصادية بازارية ينفق القطاع الخاص في نطاقها اربعة مليارات دولار على الاقتصاد الفلسطيني مما يزيد الناتج الوطني العام بأكثر من 50 في المئة وتنخفض البطالة بـ 21 في المئة الى 8 في المئة. وترتفع الاجور بنسبة 40 في المئة وتتضاعف السياحة ثلاثة اضعاف. ولم يكلف نفسه عناء تبيان سبل تحقيق هذه المعجزة الاقتصادية. بعد ذلك أعلن الفلسطينيون أن «رشوة» كيري لن تغريهم يالمساومة على أهدافهم. وقد لخصت صيغة كيري على نحو تمثيلي الهرب من الواقع الموهم بالاجتماع.

وحينما يتكلم عباس بغضب ولا يتخلى عن شيء يزعم اسرائيليون كثيرون ببراءة ان ذلك معدّ لأغراض داخلية ويصرون على أنه شريك حقيقي سيقدم السلعة. ولم يتطرق المشاركون في الاجتماع ولو مرة واحدة الى حماس المنظمة الإرهابية القاتلة، التي عادت وأعلنت نيتها محو إسرائيل عن الخريطة والتي يعلن عباس مرة بعد أخرى انه ينوي الاتحاد معها. وتجنب كذلك ذكر التدهور الاقليمي نحو الاعمال البربرية في سورية او تزايد قوة جماعات اسلامية متطرفة كالاخوان المسلمين. وفي محيط كهذا، يجب على رجال اعمالنا ان يسألوا انفسهم هل يريدون الرهان على حياة الاولاد بالاعتماد على قيادة فلسطينية فاسدة ومعادية للسامية.

لكن ليس في ذلك ما يمنع الثناء الذي يستحقه يوسي فاردي وفريقه لأنهم بذلوا من جهدهم ومواردهم من أجل هذه المبادرة. ففي هذا المحيط الصعب خاصة يكون في التعرف الى فلسطينيين ودودين ما يزيد في تصميمنا على عدم التخلي عن خيار حل الدولتين.

وبرغم كل المداولات في المسألة الديموغرافية، فإن ضم الاراضي المتنازع عليه سيقود الى استيعاب حشود من العرب ليكونوا مواطنين في اسرائيل. وفضلاً عن أن ذلك سيقود الى توتر لا يطاق، فإنه قد يجعل اسرائيل دولة ثنائية القومية.

ورغم العوائق، علينا ان نحافظ على التزامنا بحل الدولتين وان ننتظر ظهور قادة فلسطينيين جدد يحترمون مطالبنا الأمنية ويسعون للتعايش. لكن لا يجوز لرئيس الدولة ان يندد او يتهم باللامبالاة اولئك الذين يرفضون ترداد شعاراته السلمية المنفصلة عن الواقع. وإلى أن يعرض عباس وشركاه استعداداً للمشاركة المتبادلة والمصالحة الحقيقية فستبقى الحقيقة أنهم ليسوا شركاء في السلام. وسنوهم انفسنا بصورة خطرة اذا وثقنا بهم.