إسـرائـيـل تـسـعـى إلـى تـخـلـيـد الـوضـع الـراهــن

بقلم: نوعم شيزاف

كشف نداف ايال في "معاريف"، الاسبوع الماضي، النقاب عن رسالة وجهها 19 مسؤولا كبيرا في الاتحاد الاوروبي يعترفون فيها بأن مسيرة اوسلو استنفدت نفسها. الموقعون، ومن بينهم رؤساء وزراء ووزراء خارجية سابقون، يقولون ان السلطة الفلسطينية بقيت متعلقة برحمة اسرائيل وبأموال المساعدات الاوروبية، إذ إن شرعيتها الجماهيرية تتآكل بسرعة، وإنه في ضوء موقف اسرائيل هناك أمل قليل جدا في أن تصبح دولة قابلة للعيش. وهم يوصون الاتحاد الاوروبي باشتراط استمرار المساعدة للسلطة بالتقدم السياسي المهم، والتعريف بشكل رسمي للوضع خلف حدود 67 كاحتلال. وقد وصلت هذه الرسالة متأخرة لاكثر من عقد. فحسب اتفاقات اوسلو، حتى 1999 كان يفترض ان توقع اتفاقات دائمة، والسلطة في صورتها الحالية كان ينبغي ان تنتهي.

لكن فشل المحادثات الدائمة لم يؤدِ الى تفكيك السلطة؛ كون القيادة الفلسطينية ودولة اسرائيل على حد سواء أرادتا استمرار وجودها. الفلسطينيون، بسبب مئات الالاف الذين يتمتعون برواتب السلطة وبفضل الامل الهزيل في أن تتحول فتصبح دولة.

من ناحية القدس، شكلت السلطة الحل الكامل: قواتها تمنح الامن لمواطني اسرائيل، والحساب تدفعه الولايات المتحدة والدول الأوروبية. والأهم، بفضل السلطة يعتقد مواطنو اسرائيل بان الاحتلال انتهى وان الفلسطينيين يتمتعون بحقوق كاملة.

غير أن هذا مجرد وهم. السلطة ليست دولة، بل انها ليست قريبة من ذلك. كل تعريفات السيادة موجودة في يد اسرائيل. عمليا، بعض هذه الصلاحيات بقيت في يد اسرائيل حتى بالنسبة لغزة.

الحكم في رام الله أقرب الى مكانة السلطة البلدية منه الى سلطة الدولة. وجعلت إسرائيل "المناطق" بمثابة سجن هائل للفلسطينيين. طالما لا يعربد السجناء، تسمح لهم بادارة شؤونهم اليومية بأنفسهم، ولكن ليس لاحد في المنطقة شك من هو الحاكم ومن هو المحكوم.

حتى الحكم الذاتي للسود تحت نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا – البنتوستانات سيئة الصيت والسمعة – كانت أقرب الى الاستقلال من السلطة الفلسطينية.

حقيقة أن الفلسطينيين يمكنهم ان يصوتوا في الانتخابات للسلطة – اذا ما جرت مثل هذه الانتخابات – لا تجعلهم مستقلين. في الساحة الدولية، الحكم الذاتي هو حل شرعي اضافة الى حقوق المواطن وليس بديلا عنها. هجمات السياسيين الاسرائيليين على حكومة رام الله تأتي للتغطية على حقيقة أن السلطة تخدم أساسا مصالحنا.

"الخطة السياسية" لنفتالي بينيت، التي ترغب في ضم المنطقة "ج وتحويل" السلطة الى جسم دائم، ليست اكثر من نكتة. نحن نمتنع عن ضم المناطق ليس بسبب رد فعل العالم او قرارات محكمة العدل العليا، بل ببساطة لان الاحتلال العسكري هو طريقة حكم أكثر راحة من ناحيتنا. لا يمكن بشكل عام مقارنة حرية العمل التي تتمتع بها الحكومة في وضع الحكم العسكري والقيود التي يفرضها القانون المدني عليها، بينما الفلسطينيون من جانبه يمكنهم فقط ان يحلموا باستبدال جنود الجيش الاسرائيلي بأفراد من الشرطة الزرقاء والمحكمة العسكرية في عوفر باجراءات مدنية.

الهدف الاستراتيجي الاسرائيلي اليوم هو تخليد الوضع الراهن. الحكومة ستفعل كل شيء كي تمنع انهيار الحكم الذاتي، ولا سيما انه طالما كان موجودا فان اسرائيل ترى نفسها معفية من الحسم بين السيطرة الدائمة في "المناطق" وبين اخلائها واقامة دولة فلسطينية. انهيار السلطة الفلسطينية بالذات –الحلم الجميل لدى اليمين – قد يكون الانعطافة التي تؤدي الى النهاية المنشودة للاحتلال.