درس جنوب إفريقي للفلسطينيين

 بقلم: جدعون ليفي - بريتوريا

إن الفلسطينيين ايضا لا الاسرائيليين فقط مُجبرون على تعلم دروس جنوب افريقيا. انحصر نضال السود هنا في قضية واحدة وهي حق الجميع في التصويت. ولم يكن "انسان واحد، صوت واحد" التي طلبها نلسون مانديلا شعارا فقط بل هدف استراتيجي. قبل 19 سنة تحقق ذلك، واتجه جميع سكان جنوب افريقيا الى انتخابات متعددة الأعراق هي الاولى. ومنذ ذلك الحين تم الحفاظ على الديمقراطية، والانتخابات هي انتخابات، والدستور الجديد هو دستور، وتسير الدولة رغم الصعوبات والمشكلات المعقدة.

برهن سكان جنوب افريقيا على أن غير الممكن ممكن؛ وعلى أن حلم الأكثرية وكابوس الأقلية يمكن ان يترجما الى عالم مفاهيم جديد. وأنه يمكن استبدال الكراهية والتهديد والخوف بواقع وأمل. إن "ارهابي" الأمس مانديلا و"منظمة الارهاب" التي كان يقودها، أعني المؤتمر الوطني الافريقي، نجحا في إزالة خوف البيض منهما. وربما كان ذلك الخطوة الأكثر مصيرية في نضالهما. وقد أدارا هذا النضال عن فهم عميق لحدود قوتهما. وأدركا ان العنف لن يفضي بهما الى أي مكان، وان النظام أقوى منهما وان الارهاب الأهوج سيسلبهما التأييد الدولي الضروري لنضالهما ولهذا حدا من استعمال القوة وهذا درس مهم للفلسطينيين.

ولم تكن وحدة الصفوف أقل من ذلك أهمية. وقد فشل الفلسطينيون في هذا الى الآن. لكن وحدة الهدف كانت فوق كل موقف، إنها انسان واحد، صوت واحد. وقد حان الوقت ليتبناه الفلسطينيون. وحان الوقت ليعترفوا بأن حلم الدولتين أصبح غير ممكن وان الاحتلال أقوى منهم وأن المستوطنات أكبر منهم وان الدولة الفلسطينية اذا نشأت فلن تكون أكثر من مجموعة كانتونات منثورة بين الكتل الاستيطانية التي زادت حتى بلغت أبعادا ضخمة وتحولت الى إجماع اسرائيلي ودولي. فقد حان الوقت أيها الفلسطينيون الأعزاء لتغيير الاستراتيجية. لا تناضلوا ضد الاحتلال ولا تحاربوا المستوطنات فانها وجدت هناك كي تبقى. فقد حان الوقت لاستعمال لغة جنوب افريقية وطلب حق أساسي واحد فقط هو: انسان واحد وصوت واحد.

سيُخيف هذا المطلب الاسرائيليين كما أخاف البيض في جنوب افريقيا على الأقل. وسيصرخون، وبقدر كبير من الصدق، بأن ذلك نهاية الصهيونية ونهاية الدولة اليهودية. لكن اسرائيل جلبت ذلك على نفسها باحتلالها، وبرهن جنوب افريقيا على ان خوف الأمس يمكن ان يزول اليوم؛ وعلى أنه بدستور ناجع وسلوك حكيم يمكن الحفاظ على حقوق الجميع وصبغتهم. وإن الدول العرقية أصلا الطاهرة العرق أو الشعب هي أمر أخذ يزول في عالم العولمة الجديد. ولا يستطيع العالم ان يظل غير مبالٍ بهذا الطلب لأنه من ذا يستطيع ان يقول "لا" لحق أساسي جدا لكل انسان لكونه انسانا.

إن حصر العناية في هذا الهدف سيسلب اسرائيل كل حججها. فماذا ستقول، هل تقول إن الفلسطينيين ليسوا بشرا؟ وإن حقهم ليس كحق أبناء كل شعب؟ ليس لكل شعب دولة لكن لكل انسان حقا في التصويت. وليس للفلسطينيين حق تصويت في دولة تسيطر على مصيرهم. ويمكن النضال ويجب النضال من أجل هذا الحق دون عنف مجرم مثل "الارهاب الفلسطيني" في الانتفاضة الثانية. وسيثير هذا النضال تأييد العالم وحكوماته ولن يستطيع أحد ان يقول له "لا"، سوى الاسرائيليين الذين سيضطرهم الى الفحص مرة اخرى عن اعتقاداتهم وقيمهم وعن كل الأبقار المقدسة والخطوط الحمر التي أوجدوها لأنفسهم. وسيضطرون الى الاعتراف بأنهم يعيشون منذ زمن في دولة واحدة لكنها دولة تشبه دولة فصل عنصري.

آنذاك سيحدث أمر من اثنين: فاما ان ينجح الفلسطينيون مثل مانديلا في إزالة المخاوف، ويظهر ان الكابوس الاسرائيلي العام، وهو الدولة الديمقراطية الواحدة، هو مستقبل واعد؛ وإما ان يصحو الاسرائيليون آخر الامر ويسارعوا الى اخلاء جميع "المناطق" ويُمكّنون من انشاء دولة فلسطينية ذات بقاء، ولا يوجد امكانية عادلة ثالثة.