كارمن فينشتاين.. المصريّة التي دعت لإسرائيل بصمت

بقلم: سمدار بيري

طلبت كارمن فينشتاين، رئيسة الطائفة اليهودية في القاهرة، إليّ ذات مرة أن أعلّمها كيف ندعو الله من أجل سلامة دولة إسرائيل. "ماذا ستفعلين بهذا؟" قلت بلغة توبيخ، "فالمخابرات تتصنت وتعلم في كل لحظة أين توجدين. لا تستطيعين على أرض مصر أن تباركي دولة اسرائيل".

"سأدعو الله بصمت"، وعدت. "ينبغي ألا يكون مكان للخطأ فأنا أولا مواطنة مصرية "حتى النخاع" وأنا يهودية في المكان الثاني فقط، لكن يجوز أن ندعو الله لسلامة الجيران"، قالت لي غامزةً. "أليس كذلك؟".

توفيت فينشتاين، أول من أمس، في سن الثانية والثمانين في الشقة التي تسكنها في حي الزمالك. وهي امرأة شديدة البأس ومعقدة، حملت على كاهليها خلال شهور حياتها الأخيرة الطائفة الضئيلة، واستطاعت حتى قُبيل موتها أن تتابع ترميم الكنيس الصغير في حي المعادي، وان تستحث العمال. فلو أنك قلت يهود مصر لقلت في الوقت ذاته كارمن فينشتاين.

التقيت بها آخر مرة قبل تنحية الرئيس مبارك بأيام معدودة. وكانت تدير بجد مراسم مؤثرة لافتتاح المعبد المسمى باسم الرمبام (موسى بن ميمون). قامت متثاقلة على رجليها عند مدخل "حي اليهود" القديم، وأشارت إلى ضباط الأمن المحلي تُعلمهم من هم مدعووها ومن يجب أن يُبعدوا عن الحفل.

لم تبق في تلك المراسم عيون جافة. استطعت ان أتعرف على اعضاء الطائفة اليهودية التي عرفت قبل ذلك سنين مجيدة. بقي فقط 22 امرأة وأربعة رجال، أي أنهم لا يكفون حتى لصلاة الجماعة، وعشرون حاضراً آخر. ولد هؤلاء يهودا واختاروا الذوبان في زواج مختلط، لكن القلب يقودهم في أعياد اسرائيل الى مكان الاجتماع في القاهرة والاسكندرية. وتضع النساء على وجوههن خُمر المسلمين من أجل أمنهن.

عرفت كارمن أيضا من اختاروا الابتعاد عن الطائفة. وهبت للمساعدة حينما دُفعوا الى ازمة اقتصادية أو تورطوا مع السلطات. وكانت تتنقل بين الأرامل وكانت مشاركة في العمليات السرية لتهجير الجيل الشاب الى إسرائيل. طلبتّ إلي في يوم من الأيام أن أعلمها صلاة الجنازة عندنا على ضحايا الجيش الاسرائيلي. فسألت متعجبة: "مرة اخرى؟". وأبرزت أمامي أصابع يدها اليمنى الخمس ملوحة بها ووضعتها فوق قلبها: "سيكون ذلك بيني وبين نفسي"، أقسمت. "فمن ينصت أيضا لن يستطيع أن يسمع".

استطاعت ان تحتفل بليل الفصح الأخير في الكنيس الكبير، وسط القاهرة، الذي أحاط به حزام ثخين من الحرس. كان هناك سفيرة الولايات المتحدة وثلاثة دبلوماسيين كبار من اوروبا، والحاخام الذي جاء من فرنسا بصورة خاصة. لم يعد للإسرائيليين موطئ قدم ولا يوجد سياح يهود، ومع ذلك توجد موائد مليئة بطعام العيد. إنها امرأة عجوز شديدة البأس تشرف على جماعة تحذر جداً في دولة انتقلت الى حكم الحركة الإسلامية.

وجدت مصدر عيشها في دار النشر العائلية. وكانت تأتي الى القدس في احيان نادرة بحجة العلاج الطبي. وقللت الظهور عندنا وحذرت ألا تتأثر ورجعت دون ان تثير انتباها. واختفت قبل سنتين في ذروة دعوى قضائية. وأصرت وسائل الإعلام في القاهرة على أن رئيسة الطائفة اليهودية فرّت. لكنها عادت الى القاهرة ووكلت محامين وخرجت للنضال. وقالت لكل من هاتفها ليهنئها بالعيد الاخير في صوت متعب "انتصرنا".

نامي في سلام يا كارمن. فقد انتهت شجارات حياتك. ويا لمبلغ رمزية أنك توفيت قُبيل يوم ذكرى الدولة التي تطلعت إليها واقتربت بصورة خاطفة وروضت نفسك على الابتعاد ولم تستطيعي حتى ان تتجرئي على الدعاء لله من أجلها.

يديعوت احرنوت