لي حساب عسير مع بن غوريون.. ولكن

بقلم: يوسي احيمئير

كان كارهاً كبيراً لأبي ولعائلتي. كان خصماً حاداً لجابوتنسكي، لبيغن، ولحركتهما. كان مفتري دم في قضية اغتيال ارلوزوروف قبل ثمانين سنة، وتسبب بسفك الدماء في قضية "التلينا"، كان اشتراكيا متزمتا، شريراً ومتعالياً، ولكنه كان الزعيم الذي حظي باعلان اقامة دولة اسرائيل وقيام البيت الثالث اليهودي. كان هذا دافيد بن غوريون، زعيم حزب بلاد اسرائيل "مباي"، ورئيس الوزراء الاول.

لي ولعائلتي، لي ولحركتي، حساب عسير، طويل، مع بن غوريون. فقد كاد يتسبب بموت أبي شنقا، دون ذنب اقترفه. ثم عاد وشهر به. عاد وشتمه، ولا يزال البعض منا يصدقون ادعاءاته المغرضة التي لم يتراجع عنها حتى يومه الأخير. ولكن كل الانتقاد والغضب عليه يتقزمان في ضوء الحدث التاريخي العظيم، المتفرد، الذي حظي هذا الرجل بقيادته يوم الجمعة، الخامس من أيار من العام العبري تشح (15 ايار 1948) قبل 65 سنة بالضبط.

قلائل هم الزعماء في أمم العالم، على مدى التاريخ، الذين ترتبط اسماؤهم بحدث على هذا القدر من العظمة، مثل قيام استقلال شعبهم. أحيانا الصدفة هي التي تكون دعتهم لان يكونوا في مركز الحدث التاريخي. واحيانا هم أنفسهم يكونون استدعوا وقوعه، لكونهم كانوا في تلك اللحظة الرجل السليم، في المكان السليم، في الزمن السليم.

قبل ثماني سنوات من إعلان استقلال اسرائيل توفي زئيف جابوتنسكي. وهكذا يكون زال التهديد السياسي الجدي عن حكم بن غوريون في الحاضرة. ومن الآن فصاعدا لم تكن له كوابح واعتراضات نفسية لتحقيق جزء من رؤيا الخصم الكبير. وأولها، الاعلان الشجاع عن الدولة في نافذة فرص نادرة زعيم بقامته وحده يمكنه أن يشخصها.

ينبغي أن نتذكر بانه فقط في 1942 اعترف بن غوريون، في خطاب ألقاه في نيويورك، بما تحدث عنه جابوتنسكي منذ أسس في العام 1925 حركته "تساهر"، إذ قال: هدف الصهيونية هو إقامة دولة عبرية. أعلن بن غوريون، ولكنه نفّذ أيضا. بل انه طبق نظرية "الحائط الحديدي" التي وضعها جابوتنسكي قبل تسعين سنة.

2013 هو عام بن غوريون. في ايار تحل الذكرى الخمسون لاستقالته من رئاسة الحكومة، بعد بضعة اسابيع من اثارة "عاصفة لم يكن لها مثيل" في الكنيست، حين شهر بشدة بأبي الراحل ووجد نفسه بعزلة غير لامعة حتى في حزبه، "مباي". في كانون الاول تحل الذكرى الاربعون لموته ودفنه في سديه بوكر. 2013 هو ايضا عام الاستقلال الـ 65 الذي تحقق بعد طرد المحتل الأجنبي البريطاني وصد الغزاة العرب.

زعيم عظيم فقط يعرف كيف يتخذ قرارات تاريخية، احيانا "ضد كل الاحتمالات". هكذا كان في الخامس من ايار تشح، حين كانت الحاضرة اليهودية لا تعد 600 الف نسمة، وكانت ستة جيوش عربية جاهزة لافنائها. زعيم عظيم فقط، شديد النفس، كان يمكنه أن يجمع وجهاء الشعب في قاعة في قلب تل أبيب الصغيرة وأن يتلو بفخار وثيقة الاستقلال. هكذا كان بن غوريون. ليس سخياً، ولكن عبقري ووحشي.

منذ بن غوريون قلة من زعمائنا من اتخذوا قرارات عظمى وشجاعة، وان كانت موضع خلاف ايضا. بيغن كان هكذا بقراره في اتفاق السلام مع مصر. شارون كان هكذا في قراره في فك الارتباط. ولكن فقط قرار اعلان الدولة يوجد عليه اجماع مطلق، وهذه هي الحظوة الكبرى لبن غوريون.

هل اليوم، في شروط أفضل بكثير من تلك التي سادت في 1948، سيتجرأ رئيس الوزراء على اتخاذ اي قرار تاريخي، بحجم يقترب من إعلان الاستقلال؟

  معاريف