تعظيم المحرقة

 

 

بقلم: ناحوم برنياع
 

وصلت ذات يوم في خريف ما الى لودج، المدينة التي ولدت فيها أمي، في بولندا. وفي ذلك الوقت كان يعمل سفيرا في وارسو صديقي دافيد بيلغ وهو من أفضل الدبلوماسيين في وزارة الخارجية. وأبلغ عن وصولنا سلفًا الى الرجل المناسب في البلدية واستقبلتنا المدينة مثل أبناء ضائعين يعودون الى الوطن.
دلونا على بيت جد أمي الذي كان من أثرياء المجموعة اليهودية. واحتل البيت حيزا في شارع مركزي في المدينة. وأظهرونا على الميدان الذي كان يقوم فوقه المصنع والبيت الذي نشأت فيه أمي. وفتحوا المقبرة اليهودية تكريما لنا. وقامت قطعة قبر جدي في مقدمتها كما يناسب منزلته. وكانت القطعة فارغة لأن أحدا ما سلب القبر وهدمه. وغير بعيد من هناك وجدنا قبرا جديدا فخما أقيم بدل القبر الأصلي. وجهد الرجل الذي أنفق على البناء في ان ينقش على القبر اسمه ورتبته العسكرية بابراز كبير. وكان الرجل واحدا من جنرالات اخفاق يوم الغفران.
"
أنا على يقين من أنك ستأتي الى هنا في اوقات متقاربة"، قال لي ممثل البلدية. "إبنِ قبل كل شيء من جديد شاهد قبر جدك الأكبر واعتنِ بالملك بعد ذلك. نحن نلقى هنا اسرائيليين كثيرين جدا يبحثون عن جذور".
حدثته عن كتاب موشيه شمير "بيديه"، الذي كتب عن أخيه إليك الذي قتل في حرب الاستقلال. ويبدأ الكتاب بجملة "جاء إليك من البحر". وقلت: "يؤسفني أنني لا أعتقد أنه يوجد لي ما أبحث عنه هنا، فجذوري تبدأ وتنتهي في اسرائيل".
وأخذنا الى بيته لحديث طال أكثر ساعات الليل. وتحدثنا عن ألف سنة وجود يهودي في بولندا وعن الاسهام العظيم لليهود في تاريخها؛ وتحدثنا عن المحرقة؛ وتحدثنا عن العلاقات المركبة بين الشعب اليهودي والشعب البولندي. وحدثته عن أن أمي التي هاجرت من بولندا في 1936، رفضت العودة لزيارتها برغم أنها فقدت في المحرقة أكثر عائلتها وربما لأنها فقدتها. وقالت انه كانت في بولندا مجموعة يهودية جليلة علمانية تبوأت مكانا مركزيا في الثقافة البولندية والصحافة والسياسة. وتم القضاء على هذه المجموعة، وقالت: "الجدران لا تعنيني". وكانت تحتقر بدعة الاتكاء على بولندة من جديد ولخصت هذه الظاهرة بكلمة واحدة هي "كِتش".
يتذكر المجتمع الاسرائيلي اليوم المحرقة. وبرنامج اليوم وهو التأليف بين التخليد والذكرى صحيح – من الصافرة الى الوقفات في المدارس والمؤسسات العامة والى اغلاق دور اللهو والبرامج الخاصة التي تبث في قنوات المذياع والتلفاز.
والصعوبة هي في تناول المحرقة في سائر ايام السنة. في كل مرة أدخل فيها مكتب جنرال في الجيش الاسرائيلي وأرى صورة السور عند مدخل معسكر الابادة بيركناو وفوقها تحليق طائرات اف 16 من سلاح الجو الاسرائيلي، يصعب علي أن أتغلغل الى عمق الذهن الصبياني الذي أنتج هذا اللقاء لأن تظاهرة جوية لا تختزل قتل ستة ملايين يهودي.
قال عاموس عوز ذات مرة ان دولة اسرائيل عملية رد على المحرقة، وقال ذلك في تحدٍ. وكان في الجيش الاسرائيلي عدد من الجنرالات فهموا قوله فهما حرفيا.
لست على ثقة بأن وفود الطلاب الى معسكرات الابادة هي عمل تربوي ناجح. والنفقة المالية باهظة ويوجد آباء لا يستطيعون احتمالها ويضطرون الى إخجال أبنائهم. والشيء الأساسي هو ان سلوك الطلاب في اثناء الرحلة لا يتساوق دائما مع الادعاء التربوي. وقد شاهدت من قريب عددا من هذه الفصول الدراسية في اثناء زيارة لاوشفيتس وخجلت. يوجد وزير تربية جديد ولن يضر أن يفحص عن هذا المشروع فحصا أساسيا. وقبل السفر الى بولندا يوجد الكثير مما يتعلمونه في "يد واسم"، ففي القدس ايضا ما يتعلم وفي زخرون يعقوب وفي دغانيا ايضا، فالتاريخ لا يبدأ في مطار بن غوريون.
يوجد غير قليل من الامتهان لاستعمال المحرقة. فخطب الساسة الذين يصفون مشكلات اسرائيل الأمنية وكأننا كنا نعيش في غيتو وارسو قبل الابادة بيوم هي مثل من الأمثلة. وهناك مثل من نوع آخر وهو الاستعمال الزائد لمصطلح "ناجٍ من المحرقة". إن أحداث العنف التي تقع بشيوخ عاجزين هي أحداث شديدة غير محتملة ولا حاجة الى ان نضيف المحرقة اليها، فالشيخ أو الشيخة اللذان ولدا في بغداد أو طرابلس أو غيرهما يستحقان كامل الحماية من المجتمع وهي حماية لا تعطى لهما لمزيد المهانة.