يرون العنف الفلسطيني ويتعامون عن عنف الاحتلال

بقلم: جدعون ليفي
العاصفة، التي هبّت إثر مقالة عميره هاس التأسيسية "الإنشاء الداخلي لرشق الحجارة" ("هآرتس"، 3/ 4)، هي عاصفة مباركة: فقد كشفت دفعة واحدة عن نفاق أو جهل أجزاء واسعة من الرأي العام الاسرائيلي. إنه نفاق لأن المتحمسين تجاهلوا العنف الأولي والأساسي والمؤسسي والمنهجي لأفعال الاحتلال على اختلاف ألوانه؛ وهو جهل لأنه يُبين ان المتحمسين ربما لا يعلمون مبلغ قسوة الاستبداد العسكري في "المناطق". إن الذين اتهموا هاس بغضب شديد بـ "تجاوز الحدود" و"الدعوة الى القتل" لم يقرأوا ايضا مقالتها حتى نهايتها. فليست فيها دعوة الى القتل بل تأمل سديد ونزيه وشجاع في النضال الفلسطيني من أجل الحرية يغيب عن الخطاب الاسرائيلي. واذا كان يوجد في مقالتها دعوة فهي مخصصة في أساسها للنضال ضد الاحتلال غير العنيف على شكل دعوة الى توثيقه والخروج للعمل في الاراضي التي سُلبت والتغلب على الخوف في التحقيقات؛ وسوغت استعمال الحجر ايضا باعتباره ملاذا لا امتناع عنه.
نُشرت المقالة بعد بضعة ايام من قراءة شعب اسرائيل قصة الفصح التي تروي قصة نضال شعب من اجل الحرية وهو نضال اشتمل على ضربات أشد فظاعة من رشق سالبي الحرية بالحجارة. ويقرأ شعب اسرائيل على اختلاف أجياله هذا النص في إجلال وتأثر ويرويه لأبنائه. لكنه غير مستعد لتطبيق القاعدة الأساسية ذاتها والعدل الداخلي ذاته الذي يقول إن مقاومة السلطة الاجنبية، بما فيها المقاومة العنيفة، هي حق وواجب فطري لكل شعب واقع تحت الاحتلال كما كتبت هاس، وهو ينطبق انطباقاً عاماً على النضال ضد كل شعب لا على النضال ضد شعب إسرائيل فقط.
ويتم التعبير بذلك عن فكرة مغروسة عميقاً جداً في الكيان الاسرائيلي وهي ان ما يحل للشعب اليهودي محرم على الآخرين، لكن لا حاجة بتاتاً الى الذهاب الى ايام فرعون لأن التاريخ البشري مليء منذ ذلك الحين بنضالات الحرية الموجهة ضد حكام أجانب من تلك التي أثارت إجلالا تاريخيا وكان أكثرها أيضاً عنيفاً بل أعنف احيانا من النضال الفلسطيني. "أيها المحتلون ضقنا بكم ذرعا"، ليست هذه صرخة تُسمع بالعربية فقط بل سُمعت خلال التاريخ بكل لغة تقريبا ومنها اللغة العبرية الحالية.
إن هاس تعارض العنف، مثلي. وأنا أُبيح لنفسي أن أكتب هذا باقتناع داخلي عميق. فمن الذي يريد ان يرى اولادا قتلى بحجارة ومدنيين مهشمي الاعضاء بشحنة ناسفة أو فتيانا أُطلقت النار عليهم؟ لكن يجب ان تكون مقاومة العنف مباشرة وعامة ونزيهة، فيجب ان تشتمل على مقاومة عنف المحتل. ولا يجب ان نحصي عدد الموتى والجرحى والمعوقين والمصدومين من الشعبين كي ندرك ان العنف الأكبر والأقوى هو عنف المحتل. إن الحجر والشحنة الناسفة الفلسطينيين سببا خسائر وضررا كبيرا بالشعبين والطريق الوحيد لوضع حد لهما هو انهاء الاحتلال. وللأسف الشديد لا يمكن ان يحدث هذا من تلقاء نفسه، فقد برهنت اسرائيل في سني الاحتلال الـ 46 على انه لا يوجد أي طريق لارغامها على وقف عملها الشرير بصورة طيبة. ويجب الآن ان نسأل المعترضين على هاس: ما الذي تتوقعونه؟ وما الذي تقترحونه أنتم الوطنيين ومعارضي العنف على الفلسطينيين؟ هل تعتقدون حقا ان يطأطئوا رؤوسهم باستكانة وخضوع 46 سنة اخرى كهذه؟ وهل توجد سابقة في التاريخ لشعب فعل ذلك؟ وحتى لو فعلوا ذلك فماذا سيحدث؟ إن قضيتهم ستُنسى أكثر فقط، لأن هذا هو الدرس الذي منحته إسرائيل لهم بطريقتها القاسية.
إن الحجر قد يكون قاتلاً حقاً ومثله ايضا كرة المطاط وقنبلة الغاز والنار الحية والقذيفة والقنبلة. وحقيقة ان اسرائيل تستعمل هذه الاخيرة لا تُخفف من عنفها. والزعم بان اسرائيل تستعملها للدفاع عن النفس فقط سخيف بالضبط مثل الزعم بان اسرائيل هي الضحية في كل هذا الشأن الدامي وان الاحتلال قد فُرض عليها (!) أصلا وهو زعم قد سُمع في ذروة العاصفة. هكذا يكون النفاق والاخلاق المعوجة والكذب، وهي عناصر الانشاء الداخلي لعاصفة هاس.