على نار هادئة

بقلم: أليكس فيشمان
لم يخطر ببال رجال الشاباك، الذين أخرجوا وأداروا الضربة الافتتاحية لعملية «عمود السحاب» والتي جوهرها اغتيال رئيس أركان قوات حماس أحمد الجعبري، أن يكون تأثير الاغتيال هامشيا على أداء الذراع العسكري للتنظيم. وليسوا هم وحدهم. فقد كانت للأذرع الأمنية الأخرى لإسرائيل توقعات تتجاوز الضربة المعنوية، وأن يكون الوزن النوعي للضربة أثقل وأبعد مدى. واليوم بعد خمسة شهور على الاغتيال، يتبين أن كل ما فعلته إسرائيل هو تصفية الحساب مع الرجل السيئ الذي كان مسؤولا عن قتل يهود، وخطط لعمليات وأركعها في قضية شاليت. فوريثه، مروان عيسى، إلى جانب الزعيم العسكري القديم لحماس محمد ضيف، حل بسهولة محل الجعبري. والتغيير الجوهري الوحيد الذي طرأ على غزة منذ «عمود السحاب» ليس في القوة العسكرية لحماس، وإنما في حافزها على فتح الجبهة مع إسرائيل.
وإسرائيل تعيد هذا التغيير إلى الردع الذي خلقته العملية. أما حماس، من جانبها، فترى في الهدوء على الحدود أداة تكتيكية لتجيير الإنجازات السياسية التي حققتها منذ «عمود السحاب». وأيا يكن الحال، فإن وزراء المجلس الوزاري المصغر الذين استمعوا يوم الأربعاء هذا الأسبوع لتقرير في الموضوع الفلسطيني من نائب رئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات، كان يمكنهم أخذ الانطباع بأن الجبهة مقابل غزة في 2013 ستكون هادئة نسبيا. صحيح أن إطلاقات يمكن أن تحدث، كقذيفة هنا وصاروخ هناك ـ ولكن بشكل مبدئي ستواصل حماس جهودها للحفاظ على التهدئة.
غير أنه ينبغي إدخال متغير آخر إلى داخل هذه المعادلة: لقد دخل إلى وزارة الدفاع وزير جديد، مع رؤية واضحة جدا بشأن نيات الفلسطينيين. من ناحيته - حماس وأيضا الجيش الإسرائيلي، وعمليا كل شعب إسرائيل - ينبغي أن يروا أن مكنسة جديدة وصلت. وموشي يعلون لا يؤمن بأن تنقيط الإطلاقات من القطاع عارض، أو أنه «فقدان سيطرة» من جانب حماس. في رؤيته تحظى حماس بقليل جدا من الصدقية، وقصف سلاح الجو في غزة يوم الأربعاء كان نوعا من إثبات حضوره: السيولة والتنقيط غير مقبولين عندي.
قصف بدلاً من الإحسان
ثلاث مرات منذ «عمود السحاب» أطلقت النار من غزة نحو إسرائيل. المرة الأولى كانت في نهاية شباط، حينما سقط صاروخ غراد من صنع محلي أطلقه رجال حماس على عسقلان. إسرائيل شنت حملة ديبلوماسية، لكنها لم ترد عسكريا. الإطلاق الثاني تم خلال زيارة أوباما لإسرائيل في نهاية آذار، ووقفت خلفه منظمات إسلامية متطرفة أقامت في القطاع وهددت أيضا سلطة حماس ذاتها. وأيضا لم ترد إسرائيل، واكتفت بخطوات إدارية ـ تقليص مناطق صيد وعقوبات في معبر كرم أبو سالم.
بالمناسبة، وخلافا لما نشر أثناء الزيارة، في ذلك الهجوم لم تطلق أربعة صواريخ نحو إسرائيل وإنما أكثر من 15 صاروخا. لم يكذب أحد، ببساطة تم الإعلان رسميا فقط عن أربعة صواريخ سقطت في إسرائيل، وليس عن تلك التي أطلقت «فقط» نحوها. ولو أنهم رووا لنا أن الصلية شملت أكثر من 15 صاروخا ـ فضلا عن أن يكون أحدها كما تبين هذا الأسبوع سقط في روضة أطفال وفقط بأعجوبة لم يُحدث كارثة - لأشعل ذلك حريقا تحت عدد من الوزراء الجدد. كما يبدو لم يرغب أحدهم في تخريب زيارة أوباما وعرقلة التصالح مع الأتراك. إذاً لماذا إطلاع الجمهور على الحقيقة؟
وجاء الإطلاق الثالث منذ العملية هذا الأسبوع ـ حيث غدا وزير الدفاع يعلون منذ أكثر من يوم في منصبه. وأيضا وقفت هذه المرة خلف الإطلاق الجماعات المتطرفة ذاتها، لكن هذه المرة كان كافيا لصاروخ وقذيفتي هاون أن ترسل طائرات سلاح الجو إلى غزة. ورغم ذلك، وحتى تحت ترؤس يعلون وزارة الدفاع، تتواصل في القاهرة المباحثات بين إسرائيل ومصر وحماس. وهذا نوع من لجنة تنسيق دائمة يفترض أن تمنع سوء الفهم بين إسرائيل وحماس وتحافظ على التهدئة. وقبل غارة سلاح الجو سلمت إسرائيل احتجاجا شديد اللهجة لمصر التي نقلت الاحتجاج لحماس. وبروحية عهد يعلون أضيفت للاحتجاج الكلامي أيضا ضربة للعقارات تحت أرضية في غزة، والتي تزعج إسرائيل جدا.
وللمفارقة، فإنه تحديدا يوم إرسال الطائرات للقصف في غزة كان يفترض بيعلون أن يعيد للصيادين في القطاع المساحة التي حرموا منها جراء الصواريخ أثناء زيارة أوباما. في النهاية، بدلا من الجزرة على شاكلة مناطق صيد تلقى القطاع عصا بشكل قصف. وكل ذلك لأن منظمة وهمية صغيرة قررت الاحتفاء بوفاة أسير أمني بمرض السرطان بإطلاق صواريخ.
وينبغي القول ان حماس تخرج عن طورها كي لا تستفز إسرائيل، والمصريين. فوزير الدفاع المصري، الجنرال السيسي، ليس مستعدا لمقابلة مشعل أو قيادة حماس. وقد أنشأ لهم مدرسة، بحيث لم تفد حتى وساطة الرئيس مرسي. فالمؤسسة الأمنية المصرية لا تنسى ولا تغفر لحماس تورطها في قتل 16 جنديا في سيناء. كما أن المصريين لا يحبون مغازلة حماس السرية للأموال والأسلحة الإيرانية، مثلما يرون بامتعاض عناق حماس لأردوغان. وبالمقابل، فإن حماس تحاول منع العمليات ضد إسرائيل في سيناء كي لا تفاقم التوتر مع القاهرة. وأحيانا تبذل حماس جهودا شبه سخيفة: رجال حماس طلبوا من أنصارهم في أوروبا عدم إخراج قوافل نحو غزة، كي لا يخلقوا استفزازات مع إسرائيل.
مدروس ولكن خطر
وبدلا من تسخين الجبهة بالنيران، تفضل حماس اليوم انتصارات في الحلبة السياسية. فانتخاب خالد مشعل ـ حبيب الأتراك، القطريين والمصريين - رئيسا للمنظمة ليس صدفة. مشعل يعتبر رجل «الوجه المعتدل»، الذي يبيع العالم هدنة طويلة المدى مع إسرائيل، ومصالحة مع أبي مازن وتقربا مع الملك الأردني. والرجل الذي يمكنه فتح أبواب مع أوروبا. وهذا هو سلاح حماس الذي ينبغي لإسرائيل مواجهته اليوم، وليس إسرائيل وحدها: فمشعل يرى نفسه أيضا بديلا لأبي مازن، رئيسا لمنظمة التحرير.
ورئيس الأركان، الذي أوصى وزير الدفاع «بتحطيم الأواني» ومهاجمة غزة، اختار ـ وليس صدفة - أهدافا لا تجبر حماس على الرد والعودة إلى جولة قتال أخرى. وفعلا، ضرب سلاح الجو أنفاقا في منطقة مفتوحة، ولم يُصَب أحد بأذى، ودولة إسرائيل لم تخرج مهانة. بالعكس: رجال «قوات الردع» التابعة لحماس والتي شكلت خصيصا لقمع محاولات إطلاق النار وعمليات من جانب منظمات متطرفة ضد إسرائيل، نفذوا يوم الأربعاء اعتقالات في صفوف من أطلقوا الصواريخ.
ومـع ذلــك، فإن قصــف ســلاح الجــو، للمرة الأولى مــنذ «عمود السحاب» كان مخاطرة. صحيح أنها مدروسة، لكنها أيضا مخاطرة. فقصف كهذا، حــتى إن لم يحــدث ضـررا، يوفر ذريعة لحماس وللعالم العربي لمطالبة مصر بإبداء مرونة أكبر تجاه تهريب الأسلحة إلى غزة، لأن حماس تتعرض للهجوم. من يرسل الطائرات يعرف أنه يقامر. فالقصف يمكنه أيضا أن يقتل وأن يشطب التكهنات حول الهدوء النسبي للعام 2013.
يديعوت أحرنوت