استمرار الاحتلال يضعف مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة

بقلم: لي –أون هدار*

أراد الفكاهي الأميركي الشهير، و.سي بلدكس، أغلب الظن أن يوجه لذعة إلى مسقط رأسه غير الحبيب لديه عندما تسلى بفكرة أن يخط على شاهد قبره كلمات: "بالإجمال كنت أفضّل الآن أن اكون في فيلدلفيا". شاهد قبر بلدكس في كاليفورينا لم يحمل هذه الكتابة في النهاية، ولكن القول بقي مخطوطا في ذاكرة الناس، ولا سيما إذا وجدوا أنفسهم عالقين في موعد مغفل غير ناجح، في غرفة انتظار طبيب الاسنان أو اذا اضطروا لان يبقوا لاكثر من بضع دقائق مع "بيبي" وتقديم ثناء لا نهاية له لسارة نتنياهو – مثلما حصل للرئيس الأميركي، براك اوباما.

إن الرجل الذي ينجح في ادارة مفاوضات موضوعية على الميزانية مع الزعماء الجمهوريين الذين اتهموه بتمثيل ايديولوجيا يسارية متطرفة، لن يبقي على ضغينة لممثل الجمهوريين في البلاد المقدسة، الذي حتى وقت قريب عمل مستشارا انتخابيا لميت رومني الذي أمل في صرف اوباما عن البيت الابيض. من ناحية No Drama Obama، المصالح الأميركية في الشرق الاوسط ناهيك عن المصالح السياسية الخاصة به هو نفسه – تفوق تأثير الكيمياء الشخصية السيئة التي تميز علاقاته مع رئيس الوزراء الاسرائيلي.

وكمتحمس مهني نجح الرئيس الأميركي في أن يوازن بين الشعلات الاسرائيلية والفلسطينية المتلظية في عروض النار الدبلوماسية والبيانية التي قدمها خلال زيارته الاخيرة في المنطقة وان يثير حماسة الجمهور الاسرائيلي من خلال الالتزام المزدوج الذي أعرب عنه سواء للفكرة الصهيونية أم للاماني الوطنية الفلسطينية.

ولكن من تحمس (او اغتاظ) لدعوة اوباما تحقيق حل الدولتين يجب أن يتذكر بانه منذ 1992 كان كل الرؤساء الأميركيين – بمن فيهم جورج بوش الاب، الذي اشتبه بعدائه لاسرائيل، وبيل كلينتون وبوش الابن، اللذين لم يخفيا تعاطفهما مع دولة اليهود – ايدوا بصورة جازمة اقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل.

كانت خطابية الرئيس، إذاً، دراماتيكية، ولكن الرسالة التي تقدم بها لم تكن تاريخية بل بالاجمال تكرار للمواقف الأميركية الدارجة. ومن مع ذلك يتوقع من اوباما ان ينجح في أن يفعل ما لم ينجح فيه اسلافه، يجب أن يشرح لماذا ما لم يحصل في الفترة التي كان فيها استعداد اكبر في أوساط الاسرائيليين والفلسطينيين للوصول الى تسوية، ومكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط لا تتزعزع – سيحصل اليوم، عندما تكون الزعامة الاسرائيلية والفلسطينية لا تستطيعان الموافقة على تنازلات ذات مغزى فيما قدرة الولايات المتحدة على التأثير في السياقات في المنطقة قد ضعفت جدا.

الهدف المركزي للاستراتيجية الأميركية اليوم هي تقليص كلفة تدخل الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وتعويض التأثير السلبي للحربين في العراق وفي افغانستان – على خلفية تطلعها الى تقليص في الميزانية العسكرية ونقل مركز الثقل العسكري والاقتصادي لها الى شرق آسيا.

ويفترض تقليص التواجد العسكري الأميركي في المنطقة استمراراً للانسحاب من العراق ومن افغانستان وعدم القدرة على التأثير الكبير في السياقات التي خلقتها احداث الربيع العربي، ويفترض تعزيز التعاون مع تركيا ودول الخليج، التي تتخذ صورة المرشحين الطبيعيين للدفاع عن المصالح الغربية في الهلال الخصيب (بما في ذلك سورية) وفي الخليج الفارسي.

كان السيناريو المثالي من ناحية الأميركيين دوما تسوية اسرائيلية – عربية شاملة. ولما كان حل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني لا يبدو قابلا للتنفيذ وسقوط النظام المؤيد للغرب في مصر هزّ هذه الاستراتيجية فلم يتبقَ للأميركيين الكثير من الخيارات باستثناء خلق انطباع بأنهم يحاولون عمل شيء لحل النزاع، لمنع انتفاضة ثالثة، لمساعدة الاسرائيليين والاتراك على استئناف العلاقة بينهما، ولمنع هجوم اسرائيلي على ايران.

من هنا فان منع التدهور، الذي يمس الدور الأميركي المهتز، هو السيناريو الاقل سوءا من ناحية ادارة اوباما. فمن ناحية ما هناك اسرائيل غير القادرة على التأثير المباشر في التغييرات السياسية الداخلية في دول المنطقة، ولا يمكنها أن تؤدي دورا مركزيا في هذه السياسة الأميركية؛ ومن جهة اخرى فان استمرار النزاع مع الفلسطينيين يعزز الميول المناهضة لأميركا في العالم العربي والاسلامي.

لا شك أن اوباما كان يريد أن يساعد اسرائيل على الوصول الى تسوية مع الفلسطينيين ليس فقط كي يحث الى الامام الاستراتيجية الأميركية، بل وايضا انطلاقاً من التخوف العميق الذي يشارك فيه يهود أميركيون كثيرون ممن يؤيدونه، فان استمرار الاحتلال سيضعف في المدى البعيد مكانة اسرائيل في الولايات المتحدة. نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد البحوث "بيو" – وأبرزتها وسائل الاعلام الاسرائيلية – أظهرت ان 49 في المائة من الأميركيين يؤيدون اسرائيل، مقابل 12 في المائة يؤيدون الفلسطينيين. ولكن كانت فيها ايضا نتائج ينبغي أن تقلق مؤيدي اسرائيل ايضا.

فمثلا، بينما كان 66 في المائة من الجمهوريين يؤيدون اسرائيل فان المعدل في اوساط الديمقراطيين هو 39 في المائة فقط. وفي أوساط الشباب من 30 سنة فما دون ينخفض التأييد في اسرائيل الى 36 في المائة، و 19 منهم يؤيدون الفلسطينيين. 34 في المائة من الشباب تحت سن 30 لا يتماثلون مع اي طرف.

المؤيد المميز لاسرائيل هو بروتستانتي، جمهوري، وكبير السن. استطلاع "بيو" لم يفحص مواقف السود والهسبانيين. ولكن استطلاعات أخرى تبين أن التأييد لاسرائيل في أوساطهم اقل منه في اوساط الناخبين البيض. وإذا أخرجنا من الصورة اليهود المؤيدين للديمقراطيين، فان الصورة الديمغرافية لمن يعبرون عن الانخفاض في التأييد لاسرائيل أو عدم الاهتمام بالنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، ديمقراطيين، شباب، غير بيض، تشبه جداً صورة من شكلوا الائتلاف الانتخابي الذي أدى الى انتصار اوباما في الانتخابات الاخيرة، وهم ايضا اولئك الذين يفترض بقوتهم السياسية أن تتعزز في السنوات القريبة القادمة.

من هذه الناحية يمكن أن نرى في زيارة أوباما وفي محاولة الوعد بتسوية مع الفلسطينيين جزءاً من المساعي لمنع اتساع الفجوة السياسية – الثقافية بين اسرائيل وأميركا الجديدة. اوباما كان يفضل ربما ان يقضي زمناً أقل مع "بيبي". من سيجلس في البيت الأبيض في المستقبل غير البعيد قد يفضل ان يقضي زمنا أقل في إسرائيل.

 

*محلل كبير في شركة استشارات جغرافية – استراتيجية في واشنطن.