ديان يعارض ضربة مسبقة لمصر رغم إنذار أشرف مروان

بقلم: أمير أورن 

عارض وزير الدفاع، موشيه ديان، في صباح "يوم الغفران" في السادس من تشرين الاول 1973، تجنيداً عاماً لقوات الاحتياط في الجيش الاسرائيلي خشية ان يُمكّن هذا التجنيد الدول العربية من ان تزعم ان اسرائيل بادرت الى حرب خلافا لوعودها لواشنطن. فقد قال ديان إن التجنيد العام قد يثير فضيحة، حسب وثيقة تمت الموافقة على نشرها الآن من أرشيف الجيش الاسرائيلي وجهاز الأمن.
يُبين انطباع جرى في مكتب ديان أن كبار مسؤولي جهاز الأمن عملوا بحسب صيغة جزئية للإنذار الذي سلمه المقرب من أنور السادات، أشرف مروان، الى رئيس "الموساد"، تسفي زمير. إن الصيغة الموجزة التي نقلها رئيس مكتب زمير، فيردي عيني، الى ديان والى رئيس هيئة الاركان دافيد (دادو) اليعازر والى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء، إيلي زعيرا، قالت على نحو لا لبس فيه إن السادات استقر رأيه على بدء اطلاق النار رغم ان زمير نفسه تحدث في مذكراته عن ان "مروان تحفظ على كلامه وقال: اذا وجدت ظروف سياسية أو عسكرية مختلفة، واذا وجد تغيير حاسم مهم في الظروف العسكرية أو السياسية فإن السادات يمكن ان يوقف كل شيء". ومع عدم وجود هذه القطعة المهمة لم يتم النقاش في تبني سياسة مختلفة تجعل السادات يلغي الحرب.
تم النقاش بين السادسة إلا ربعاً والسابعة صباحاً وقُبيل نهايته انضم اليه زعيرا، الذي أبلغ أنه "في سورية دفعوا المدافع والدبابات الى الأمام" لاستعداد "هجومي أكثر من ان يكون دفاعيا"، وأنه "في مصر تستعد القوات للدفاع وللهجوم" و"لا يوجد تحريك طائرات لأهداف هجومية". وأضاف زعيرا، انه "توجد جلبة عالية في مصر وفي سورية، عرفنا مثلها قُبيل حرب كما حدث في 1967". ولا يحتاج السادات من جهة سياسية للخروج الى حرب، ولهذا يوجد تناقض. وهناك انطباع ان المصريين والسوريين بينهم تنسيق. فإما ان يكون ذلك تدريباً منسقاً أو حرباً منسقة".
بعد الحرب زعم ضباط في شعبة الاستخبارات العسكرية ان زعيرا منع نشر معلومات تم الحصول عليها من اعتراض برقية للملحق العسكري العراقي في موسكو، الذي نقل الى بغداد انذاراً بالحرب حصل عليه من مصادره السوفييتية. إن وثيقة مكتب ديان تنقض هذه المزاعم في الحقيقة. ويُقتبس فيها تقرير لزعيرا الى ديان واليعازر عن معلومة (تم تسليط الرقابة على مصدرها ومكان ارسالها لكن صحيفة "هآرتس" حصلت في نهاية الاسبوع على تصديق أنها تتناول البرقية العراقية من موسكو). "علمنا ان الروس يجلون عن سورية لأن سورية ومصر توشكان ان تهاجما. لم يكن الثقة الأكبر لكن هذا ما أبلغه. لماذا يخرج الروس، يصعب ان نعلم. ربما لا يريدون ان يكونوا شركاء في حرب دبرت لها سورية ومصر".
إن تفصيلات المشاورات لدى ديان معلومة منذ سنوات، لكن الوثيقة – التي يبدو أنه كتبها النائب الثاني للوزير المقدم آريه بار أون – تعزز التساؤل وهو لماذا حصرت لجنة التحقيق برئاسة رئيس المحكمة العليا شمعون أغرينات المسؤولية عن مفاجأة نشوب حرب "يوم الغفران" في شعبة الاستخبارات العسكرية؟ وتُبين الوثيقة انه بعد ان حصل ديان ورئيس الاركان، اليعازر، على إنذار صادق في نظرهما بحرب ستبدأ بعد المشاورة بينهما بنحو 12 ساعة، لم يهتما بانهيار قدرة صد القوة النظامية في الجولان وسيناء. وقال اليعازر: "كل شيء في مكانه في القوة النظامية". وقدّر ديان ان إمداد الجولان بلواء واحد فقط يكفي لصد الهجوم السوري. 
واجهتهما تقديرات اخرى وفي مقدمتها معارضة اميركية لضربة اسرائيلية سابقة (ديان)، والرغبة في الانتقال من الغد بعد ساعات قليلة من الموعد المتوقع للهجوم، من الصد الى هجوم مضاد (اليعازر) والمعنى السياسي الخارجي لتجنيد قوات الاحتياط، ونُقل حسم الأمر الى رئيسة الوزراء، غولدا مائير، التي حسمت الامر لمصلحة اليعازر، لكن مرت حتى ذلك الحين 3 ساعات ثمينة اخرى.
طلب اليعازر تجنيد فرق الاحتياط الاربع استعداداً للهجوم المضاد، في حين فضل ديان تجنيد فرقتين فقط – واحدة في الشمال واخرى في الجنوب (أو في الوسط) – كان يُقدر أنهما ضروريتان للدفاع. وقال ديان في ختام المساومة مع رئيس هيئة الاركان بحسب وثيقة مكتبه: "قد يضر هذا من جهة السياسة الداخلية لأنهم سيقولون إننا كنا نوشك ان نخرج للحرب لأن تجنيد قوات الاحتياط عمل حربي. حسناً، لنمضِ الى غولدا مع الامكانين. ستكون فضيحة كبيرة اذا جندنا كل شيء. لا خيار للدفاع".
وتتحدث الوثيقة عن ان ديان جاء الى مكتبه في السادسة إلا ربعاً في الصباح ولقي هناك مساعده، تسفي تسور، وسكرتيره العسكري، العميد يهوشع رفيف، ونائبه الثالث، بار أون، ومدير مكتبه حاييم يسرائيلي، والمدير العام لوزارة الدفاع اسحق عيروني ومنسق العمليات في "المناطق" اللواء شلومو غازيت. وانضم اليهم في السادسة رئيس هيئة الاركان، دافيد اليعازر، ورئيس مكتبه المقدم أفنير شيلو. ولم يكن الامر الأشد إلحاحا الذي شغل ديان الى حد استيضاح الحاجة الى تجنيد قوات الاحتياط وبامدادها بالخبراء والقوات هو الوضع على خطوط المواجهة بل الادارة العسكرية في "المناطق". وحينما قال اليعازر عن القضية العامة ان "المسألة الأساسية هي هل نتجه الى تجنيد قوات الاحتياط"، فضل ديان بعد دقائق من ثنائه على صدق الأنباء التي نقلها مروان بأنها "من الطراز الاول وبأنها أفضل ما يوجد"، تأجيل التباحث في تجنيد قوات الاحتياط وان يتم الاتفاق أولا "على الامور الصغيرة"، مثل اجلاء الاولاد عن مستوطنات الجولان تحت غطاء نزهة.
لم يكن ثمة اختلاف في هذه النقطة بين ديان واليعازر، لكن السطور التالية تفسر واحدة من نقاط الضعف الجوهرية في توقع الجيش الاسرائيلي – ولا سيما سلاح الجو – ان توافق الحكومة على ضربة سابقة بسبب الإنذار بحرب.
"الوزير (ديان): قلنا في حينه انه اذا كنا على ثقة من أنهم متجهون الى حرب فلسنا مجبرين على الانتظار، واذا كان ذلك مؤكدا فقط على أساس معلومات فإننا لا نستطيع" (أي انه يُحتاج للموافقة على ضربة سابقة الى تحرك مكشوف في ارض قوات العدو؛ ولا تكفي معلومات استخبارية مهما تكن صادقة، سواء نُقلت من جواسيس أو أعمال تنصت، وأنها غير كافية لاقناع واشنطن بأن الهجوم العربي مؤكد).
"رئيس هيئة الاركان: ما الذي قاله ذلك الفتى بالضبط لتسفيكا؟".
"العميد رفيف: ستبدأ العملية المخطط لها هذا المساء. فالسادات لا يستطيع الرجوع عن ذلك وهذا سيبدأ هذا المساء".
"الوزير: أتحدث عن استعداد. اذا كانت هذه هي الخطة التي نعرفها فإنها في الوقت نفسه، لكن السوريين يستطيعون الانتظار".
في هذه المرحلة من المشاورات هاتف ديان عيني كي يستوضح معه مرة اخرى ما الذي سلّمه مروان لزمير بالضبط. وتم استعمال الرقابة على جواب عيني: "قال إن الحديث يدور عن المساء. ومع كل ذلك فإن الخطة... سنحصل على البرقية في غضون ساعة أو ساعتين". وقال ديان لـ اليعازر: "اذا رأينا شيئا أول في مصر فلنا الحق في ان نبدأ مع السوريين... نحن في وضع سياسي لا يُمكننا من ان نفعل ما فعلناه في 1967، لكن اذا بدأ المصريون فيمكن ان نتجه الى السوريين حتى لو وُجد هدوء هناك".
"رئيس الاركان: بدأت أنظر بجدية الى كلامه (مروان) هذه المرة" (بعد ساعتين من نقل الانذار اليه – بتأخر لم يُفسر الى العمق حتى اليوم – من مصدر خيّب الآمال في الشهور الماضية بانذارات باطلة، بدأ رئيس الاركان ينظر إليها بجدية). "نحن قادرون على توجيه ضربة رادعة الى المطارات في مصر وسورية، ونحن قادرون على ان نلزم سورية فقط – سلاح الجو ومنظومة الصواريخ".
"الوزير: الجواب هو لا. ليس في الحسبان توجيه ضربة رادعة إلا اذا تم ما قلته قبل ذلك، فالأميركيون خصوصا يقولون انهم لا يوشكون ان يهاجموا".
"رئيس الأركان: حصل العرب نسبيا على مفاجأة كبيرة. وجهت أمرا الى سلاح الجو ليكون مستعدا اليوم بعد الظهر، اذا قررت. وأنا أحتفظ بهذا الخيار أو في حال هجوم رادع أو اذا هاجموا (المصريون) في الخامسة بعد الظهر، وكان لي ساعة ضوء اخرى".
"الوزير: اذا لم توجد مفاجآت غير متوقعة فإن هذا ليس في الحسبان. بحسب تقديري، وهو مهم، حتى لو كان الاميركيون على يقين تام فإنهم لن يدعونا نهاجم أولاً. يمكن اذا وجدت أنباء فظيعة أن نمضي الى غولدا لتقول "نعم". وستقول بحسب رأيي "لا" وأنا لا أوصي. قد يوجد ما يشبه انفلات رصاصة أو صاروخ سكاد ويكون ذلك سببا لدحرجة الامر الى الأمام بأقصى صورة. والجواب لا لضربة رادعة. والجواب نعم لضربة رادعة لسورية حتى لو كان المصريون هم البادئين".
آنذاك فقط اتجه ديان واليعازر للحديث في تجنيد قوات الاحتياط.
"رئيس الاركان: أريد أن أقوم بتجنيد شبه كامل لـ 200 ألف شخص".
ديان: "لا يمكن بحسب رأيي فعل هذا بناء على المعلومات القائمة. ما الذي تحتاجه لهضبة الجولان؟ والى أي تجهيز تريد التوصل؟".
اليعازر: "الى تجهيز الفرق كلها. لنقل إنهم سيخترقون الى الأمام. أريد الانتقال الى ضربة مضادة وهي خطة لثلاث فرق".
ديان: "ماذا سيمنحك التجنيد؟ أعلن هذا المساء لساعات الصباح. اذا وجهت الى هضبة الجولان لواء آخر فإنه كاف بيقين لتعزيز التجهيز ولا تبدو لي ايضا الحاجة الى هجوم مضاد".
اليعازر: "في هضبة الجولان حتى لو هاجموا هذه الليلة، نحن مستعدون. الفرقة فيها 12 ألف شخص. لو ان الامر للدفاع لجندت فقط 50 ألف انسان للبلاد كلها".
يدل رد ديان على ان الانذار الاستخباري لم يبدُ له سببا كافيا لتعجيل التجنيد وانه فضل القيام به متأخرا – لا مبكرا – قدر الامكان، لتقدير سياسي. "الوزير: السؤال ما هي الساعة الاخيرة، وسأضطر الى الحديث مع غولدا". 
اليعازر: "كنت سأجند فرقتين في الشمال وفرقة في الجنوب وفرقة في الوسط هي احتياطي هيئة القيادة العامة". 
ديان: "ستبلغ 100 ألف. ويجب على سلاح الجو ان يُجند. سلاح الجو كاملاً. فرقة للشمال وللوسط". اليعازر: "اذا هاجموا هذا المساء وكانت لهم نجاحات فسنضطر غدا ايضا الى هجوم مضاد والى تجنيد قوات احتياط ايضا". 
ديان: "ماذا عندك في سيناء؟ لنقل فرقة للشمال وفرقة لسيناء. وفيما يتعلق بالفرقة الثالثة سنرى في الليل". 
اليعازر: "أريد ان أكون في أفضل وضع غدا صباحا".
ديان: "اؤيد ان نطلب من غولدا الموافقة على تجنيد فرقة في الشمال وفي الجنوب، وسلاح الجو. هذا يعني 50 ألف شخص". 
اليعازر: "كنت سأقوم بتجنيد عام ليعلم العالم كله أننا مستعدون للحرب". 
ديان: "قد يضر هذا من جهة سياسية، لأنهم سيقولون إننا أوشكنا ان نخرج للحرب لأن تجنيد قوات الاحتياط عمل حربي. حسنا، لنذهب الى غولدا مع الامكانين. ستكون فضيحة كبيرة اذا جندنا كل شيء. أما الدفاع فلا خيار معه... تعال نتفق على "اجلاء" الاولاد عن هضبة الجولان وأبو رودس (في خليج السويس) ولك مني موافقة على سلاح الجو، فرقة في الشمال وفي الجنوب".
اليعازر: "اربع فرق تصل الى 70 ألف شخص".
خشي ديان ايضا ان يضر باسرائيل نشاط لتحديث المعلومات الاستخبارية. 
زعيرا: "توجد صورة عن تقديم (صواريخ ارض – جو) "اس.إي 6" الى القناة".
ديان: "قد يساعدهم ذلك في العبور".
اليعازر: "أريد ان أصور في القناة ومع طائرة بلا طيار في سورية ليعطينا ذلك عمقا أكبر". 
ديان: "هناك احتمال لأن يسقطوها. ولن يكون حسناً أن يسقطوها وسيمنحهم ذلك ذريعة. أقترح ألا نجتاز الحدود".