لم تعد أميركا شرطي العالم

بقلم: عوديد تيره

تجّسد زيارة أوباما الى اسرائيل الاستراتيجية الجديدة التي تتبناها الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة؛ ألا وهي بعض الانطواء على نفسها. ستستمر هذه العملية سنوات، وفي نهايتها ستقلص الولايات المتحدة تعلقها بالطاقة، بالعالم، وستكف عن أن تكون "الشرطي" الذي يحاول حل مسائل استراتيجية، احيانا بقوة الذراع، وخارج الدولة.

توصلت واشنطن الى الاستنتاج بأن التطورات الجغرافية السياسية والاقتصادية في العالم بأسره من شأنها ان تؤدي الى انخفاض في مستوى المعيشة في الولايات المتحدة والى عدم الاستقرار. ولهذا فإن الولايات المتحدة تستثمر مقدرات هائلة في تطوير بدائل للنفط وفي الطاقة البديلة. وهي "تتوقع" ذلك إعلامياً، بمثابة "خضوع" لمطالب ممثلي جودة البيئة. ولكن في حقيقة الأمر ترغب الولايات المتحدة في إلغاء تعلقها بالنفط العالمي – المنتج المستورد الأكبر لديها.

وللفترة الانتقالية تحاول الولايات المتحدة إيجاد بدائل لاستيراد النفط من خلال تنقيبات اكبر في القارة الأميركية. وفي غياب الحاجة إلى النفط الشرق أوسطي يقل أيضا الاهتمام الأميركي بالشرق الاوسط. وعندما يقل الاهتمام بالشرق الاوسط يقل الاهتمام باسرائيل وبالفلسطينيين. في عملية الانطواء الاميركي لا يزال مطلوبا "مواقع خارجية"، مثل اسرائيل، تحمي "القوات الاميركية المنسحبة"، ولكن ليس أكثر من ذلك. ويفترض بالولايات المتحدة أن تصل الى استقلالها عن الطاقة في غضون ثلاث الى أربع سنوات. والوصول الى مثل هذا الاستقلال سيكون تغييراً إستراتيجياً مهماً للاميركيين وللعالم. وتفيد الزيارة إلى إسرائيل أوباما لاغراضه الداخلية. فهو يحاول تجنيد كل القوى السياسية في عملية الانطواء، وهو يحتاجنا في "الزاوية الجمهورية". فالعلاقات الطيبة مع اسرائيل تخدم اوباما في النسيج الأميركي الداخلي ولا سيما في الفترة الانتقالية، حتى استكمال مدى الانطواء المرغوب فيه.

وسنفحص بعض تصريحات اوباما في رحلته الى اسرائيل، فنحاول ان نرى اذا كانت تتطابق وفكرة الانطواء. في السياق الايراني قال اوباما ان قابلية اسرائيل والولايات المتحدة للضرر في ضوء التحول النووي العسكري الايراني مختلفة، ولهذا فاسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها. وحسب فهمي فان اوباما قال بذلك: "انتم لذاتكم. الدفاع عن اسرائيل في وجه ايران نووية هو شأنكم. نحن سنسندكم ولكن ليس بالتدخل العسكري المباشر". وبالمناسبة، في كل خطاباته، حتى اليوم، لم يقل اوباما انه في سلة الافعال التي يمكن لأمريكا ان تتخذها لمنع التحول النووي العسكري الايراني يوجد أيضا تدخل عسكري مباشر. وهو لم يقل ذلك ايضا في خطاباته في الزيارة الى اسرائيل، وخسارة أنه لم يكلف اي صحافي نفسه عناء سؤاله عن ذلك.

كما قال اوباما في اسرائيل انه "اذا تبين أن سورية استخدمت سلاحا كيميائيا فسنعرف كيف نتصرف". وهو لم يقل اذا كان مثل هذا الاكتشاف سيؤدي الى تدخل عسكري أميركي. معنى الأمر حسب فهمي هو أن الولايات المتحدة تكف عن أن تكون "الشرطي" الحصري للعالم وتصبح جزءا من مجموعة تتخذ قرارات جماعية. لقد كفت اميركا عن القرار، واصبحت "موصية". وهو الحكم بالنسبة للتدخل العسكري في ايران. ومن مفهوم الانطواء تنبع أيضا الهوة الواسعة بين اسرائيل والولايات المتحدة في موضوع الخط الاحمر الذي بعده يكون تدخل عسكري. فاسرائيل تعتقد بانه يجب الهجوم قبل أن نعلق في وضع تكون فيه لطهران بنية تحتية انتاجية، محمية جيدا، لانتاج سلاح نووي.

كما أن أقوال اوباما في الموضوع الفلسطيني هي الاخرى أقوال عدمية تحاول ارضاء اسرائيل. فالولايات المتحدة غير معنية حقا بالمسيرة السلمية. يحتمل أن يكون الجهد الرمزي لاحلال سلام مع الفلسطينيين قد جاء ظاهراً لإرضاء الأقلية الإسلامية في الولايات المتحدة، وليس أكثر من ذلك.

زيارة اوباما الى المنطقة، خطاباته، بل ولغة جسده بثت ان ليس له توتر مع اسرائيل بل اتفاق مصالح للمدى القصير. فاسرائيل لم تعد عائقا أمام سياسة الولايات المتحدة، بل بقدر كبير ذخر مؤقت في المدى القصير وذخر غير ضار في المدى البعيد.

  معاريف