الـسيـنـاريـوهـات الـمستـقـبلـيـة لحـكـومـة نـتـنـيـاهـو

بقلم: شالوم يروشالمي
أعلن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أول من أمس، أنه مستعد لحل وسط تاريخي مع الفلسطينيين لتحقيق اتفاق سلام. لم يتوقف العالم عن السير لان الجميع يعرف الموقف الحقيقي لنتنياهو من المفاوضات السياسية. في حزيران 2009 القى خطابا تاريخيا في جامعة بار ايلان، وأعلن أنه سيكون مستعدا لقبول حل الدولتين، ولكن في اللحظة ذاتها فرض على الصيغة التي اقترحها قيوداً ثقيلة. وقام الفلسطينيون بدورهم، عندما رفضوا الاعتراف بالدولة اليهودية، بتشجيع "حماس"؛ في غزة على الأقل.
السيناريو الاول: تحول سياسي
تعالوا نفترض ان نتنياهو سيقرر هذه المرة أن يجن جنونه وأن يتوجه مع ذلك الى حل وسط تاريخي مع الحكومة الجديدة التي أدت، أول من امس، اليمين القانونية. هذا هو السيناريو المتطرف الذي من شأنه أن يقود إلى ثورة مطلقة فتتفكك "الحكومة"، وينشطر "الليكود"، وربما نذهب إلى انتخابات جديدة. نتنياهو، حسب هذا السيناريو، يعلن أنه قرر قبول خطة أولمرت للسلام مع الفلسطينيين؛ أو صيغة مبادرة جنيف؛ أو الاقتراحات التي عرضها ايهود باراك على ياسر عرفات في كامب ديفيد 2000.
النقاط الاساسية في الخطة: اسرائيل تنسحب الى خطوط 67 في "يهودا" و"السامرة" مع تبادل للاراضي؛ تقام دولة فلسطينية على الارض التي تخلى والمستوطنات التي ستفكك؛ وتقسم القدس وتصبح المدينةالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية؛ وتنتقل البلدة القديمة الى جانب الاماكن المقدسية الى نظام وصاية دولية؛ ويحصل الفلسطينيون على حق عودة رمزي باعداد محدودة. وبالمقابل يوقع اتفاق سلام ويعلن عن نهاية النزاع مع الفلسطينيين ومع معظم الدول العربية.
وهكذا، بعد أشهر من المحادثات السرية في القدس، رام الله، عواصم أوروبية، وكذا في واشنطن يدعى نتنياهو وابو مازن الى البيت الابيض للتوقيع على الاتفاق.
ماذا يحصل عندها على المستوى السياسي؟ "الليكود – اسرائيل بيتنا" ينشق الى شطرين. معظم الاعضاء يهجرون نتنياهو، وهو سيشكل مع بعض الموالين حزب "الأمل". نفتالي بينيت و"البيت اليهودي" ينسحبان فورا مع معظم اعضاء "الليكود – اسرائيل بيتنا" ويحتل مكانهم في الحكومة الأصوليون، حزب العمل و"ميرتس". ويعد ائتلاف السلام هذا قرابة سبعين نائباً ("الامل"، لبيد، "العمل"، الاحزاب الاصولية، لفني، "ميرتس"، وموفاز) مع دعم 11 نائبا عربيا من الخارج. يجري احتفال التوقيع الخيالي في الساحة الخلفية من البيت الابيض، بالطبع. وعلى المنصة: نتنياهو، لبيد ويحيموفيتش في جهة من اوباما؛ ابو مازن، صائب عريقات، وياسر عبد ربه من جهة اخرى. وتسجل بين الطرفين مصافحة هزيلة، تعكس فرصة بقاء هذا السيناريو المتطرف.
السيناريو الثاني: هزات معتدلة
تبدأ حكومة نتنياهو الثالثة بالعمل على المواضيع الاجتماعية والاقتصادية، وفقاً لمطالب الناخب الاسرائيلي. وسرعان ما يغرق وزراء الحكومة في معالجة ميزانية الدولة، مشاكل السكن، تقاسم العبء، غلاء المعيشة، والزواج المدني. تصخب الكنيست بعد كل مشروع قانون جديد يطرح عليها. المعارضة الاجتماعية تثبت نفسها: مقاتلة، ناجعة وعنيدة مع النواب الاصوليين من جهة، وجماعة العمل و"ميرتس" من الجهة الاخرى.
الأحداث الجغرافية – السياسية في الشرق الاوسط لا يمكنها ان تبقي المسيرة السياسية بلا اكتراث.
الاضطرابات في مصر تتعاظم، منظمة "القاعدة" تستولي على مواقع في الحكم في سورية، ثورة اسلامية تعتمل في الاردن وما شابه. ايران تواصل التقدم نحو انتاج سلاح نووي، واسرائيل تتجه نحو فقدان خيار العمل بشكل مستقل حيال طهران وتعتمد على عملية اميركية فقط.
تسخن الساحة الاسرائيلية – الفلسطينية. التقدم السياسي كفيل ببساطة أن ينقذ اسرائيل من التطورات المخيفة حولها. والولايات المتحدة أيضا تضغط، الرئيس اوباما يواصل الشرح لنا بان التسوية مع الفلسطينيين ستحافظ على الهوية اليهودية للدولة. رئيس الوزراء نتنياهو وابو مازن يلتقيان، وبعدهما فريقا تسيبي لفني وعريقات. تبدأ مسيرة سياسية معتدلة وتدريجية، لا تنجح في حل الخلاف.
اسرائيل، مثلما في المرة السابقة، تقرر تجميد البناء في المستوطنات لزمن محدود. في "الليكود – اسرائيل بيتنا" يبتلعون القرص المرير (هذا لا يشمل فايغلين الذي ينسحب ويصبح حاييم امسلم – الجيل التالي). يجتمع "البيت اليهودي" في جلسة عاجلة ويقرر نفتالي بينيت، رغم كل شيء بان ليس مجديا حل الحكومة بسبب تجميد لن يؤدي الى اي خطوة. التجميد ينطلق على الدرب. تسيبي لفني تبذل الجهود، ولكن تعلق المفاوضات لان ليس لها اي قوة سياسية لفرض الفيتو أو خلق الجلبة. الاميركيون يعودون ليركزوا على شؤونهم الداخلية. وتنجو الحكومة.
إمكانية أخرى: يقرر نفتالي بينيت بأن الكلمة هي الكلمة ويترك الحكومة في أعقاب التجميد. الاصوليون و"العمل" يقفزون الى الداخل. المسيرة تستمر، ولكنها لا تؤدي الى اتفاق لان الواقع الناشئ على الأرض لا مرد له، كما هو معروف.
السيناريو الثالث: التركز على المشاكل الداخلية
تقرر الحكومة معالجة المشاكل الاجتماعية – الاقتصادية – المدنية فقط. يائير لبيد يغرق في شؤون الميزانية، ويحاول ان يحل بالتوازي مشاكل السكن وتقاسم العبء. الموضوع السياسي يعنيه تقريبا مثل الاصوليين الذين بقوا بفضله (او بسببه) خارج الحكومة. نفتالي بينيت ينشغل حتى أعلى رأسه في الدفع الى الامام بالتكنولوجيا العليا في وزارة الاقتصاد وفي اقصاء الاصوليين عن المجالس الدينية. وزير التعليم بيرون يعمل على تعليم المواضيع الاساس في المدارس الدينية. رئيس الوزراء نتنياهو يرى كيف أن الرفاق تحته يتعذبون، ويركز على الموضوع الوحيد الذي يعنيه: القدرة النووية المتطورة لايران.
المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين تدحر الى الزاوية. فيقرر الرئيس اوباما عدم ممارسة الضغط الشديد على اسرائيل ويكتفي بالمنفعة الكبيرة التي حققتها له زيارتنا في أوساط الجمهوريين في الكونغرس وفي مجلس الشيوخ. الفريق المفاوض بقيادة تسيبي لفني يعمل بكسل والاعضاء هناك يسربون الواحد ضد الاخر ويعطلون الواحد الاخر. اما الفلسطينيون فيطالبون، من جهتهم، بشروط مسبقة لاستئناف المفاوضات، شروط ليس لها أي أمل في أن تقبل من الحكومة اليمينية الجديدة.
الروابط الاقتصادية – الاجتماعية في الحكومة تتعزز كل يوم. ويصبح قادة الاحزاب يشبه الواحد الاخر، كما هو متوقع. كلهم محافظون جدد وبرجوازيون جدد لم يأتوا لاحداث ثورات اجتماعية في الحكومة ولا يهمهم ان يقلصوا وان يفرضوا ضرائب جديدة.
المعارضة القوية بقيادة "العمل"، "ميرتس"، والاحزاب الاصولية تصرخ ضد المساس بالطبقة الوسطى والطبقات الضعيفة، ولكن الحكومة في اسرائيل لا تتفكك كما هو معروف بسبب النقص في الجيب.
وبالتوازي يتغلب نتنياهو، لبيد، بينيت، ولفني كيفما اتفق على الرواسب الشخصية القاسية كي لا يكونوا معلقين الواحد الى جانب الاخر. الحكومة تصمد على مدى زمن الحياة المتوسط في السياسة الاسرائيلية، ثلاث سنوات. فرصة هذا السيناريو هي برأيي الاعلى.
معاريف