الثالوث المقدس

بقلم: ناحوم بارنيع

 

في ذروة المعركة الانتخابية التقى رئيس البيت اليهودي نفتالي بينت مع مجموعة صحافيين. وحينما أنهكه السائلون بالأسئلة حول علاقته مع زوجة نتنياهو، سارة، تذكر أحدهم إيران. وسأله: هل أنت مع أم ضد مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية؟ تلكأ بينت للحظة وبعدها قال بصوت رقيق: «لا فكرة عندي. حتى اليوم لم تتوفر لي فرصة لدراسة الموضوع».

فوجئ مستمعوه. فلا سبيل أشد فعالية للتواصل مع الجمهور من الإقرار بالجهل أو بالخطأ. الوزراء ونواب الوزراء ينقسمون في هذا الجانب إلى مجموعتين: أقلية، مستعدة للإقرار بأنها تدخل عالما جديدا، غير معروف، والغالبية، واثقة بأنها تعرف كل شيء. لكن هؤلاء وأولئك مضطرون الى أن يتعلموا في الأسابيع القريبة، الكثير، وهم يتحركون. وخلال مباحثاته مع تسيبي ليفني روى نتنياهو أنه حاول إثارة قضايا أمنية أمام بينت. واشتكى نتنياهو: «انه لم يصغ. كل ما أثار اهتمامه هو رواية تجاربه من حرب لبنان الثانية».

نتنياهو لم يفهم، أو لم يرغب في أن يفهم. فبينت، مثل إسرائيليين كثر عادوا من لبنان، فقد الثقة بأسطورة الأمن. وقد تعلم أن ليس كمل ما يقال باسم الأمن مقدس، وليست كل التقارير من الميدان صحيحة، وليس كل ما يهمس به ذا شأن. نتنياهو أراد التأثير فيه بتفاصيل من داخل المعلومات السرية، «السوداء»، الموضوعة على طاولته. بينت رفض أن يتأثر. هو أراد التلميح لنتنياهو، وعبره للآخرين، أن الآمال بأنه، كزعيم لحزب يميني متطرف، سيؤيد كل خطوة صقرية، عنيفة، آمال فارغة.

وستكون امرا مثيرا متابعة مداولات المجلس الوزاري المصغر، أو المطبخ، إذا أنشأ نتنياهو مطبخا في الحكومة الجديدة. في معظم الحكومات تتأثر هذه الهيئات بضباط كبار متقاعدين، من الجنرالات. في الحكومة المقبلة لن يكون لهذه الشريحة سوى مندوب واحد فقط: موشي يعلون. الآخرون سيأتون من الحياة المدنية. وعندما ينشب خلاف، ستبرز ادعاءات بالجهل وانعدام المهنية والارتجال. وستفرح الصحف عندما تنشر صورة وزير المالية يائير لبيد يضع على رأسه منظارا مغلق العدسات قرب عينيه. من جهة أخرى، التاريخ سيقفز عن مئات آلاف الكلمات الفارغة، المتحجرة، على ألسنة رؤساء أركان وجنرالات سابقين في مداولات المجلس الوزاري المصغر، لكنه سيتذكر الملاحظات النبيهة، المتحررة من الجمود، التي قدمها في هذه الهيئات المدنيان دافيد ليفي وأرييه درعي. وهذا يسري على المداولات بشأن إيران في الحكومة المنصرفة. والتي لعب الدور المركزي فيها المدنيان دان ميريدور وبني بيغين.

 

تعايش الذئب والحمل

 

وتقف الحلبة السياسية مذهولة أمام التحالف بين لبيد وبينت. فدور حزب المستوطنين المتدينيين هو تحقير الاستهلاكية التل أبيبية. أما دور الاستهلاكية التل أبيبية فهو كراهية المستوطنين المتدينين. هذه هي هي التنميطات، وهذا هو السيناريو: لا يعيش الذئب مع الحمل. فقط خطأ سياسي عميق، من النوع الذي اقترفه نتنياهو تجاه حزب البيت اليهودي، يمكنه أن يحدث هكذا انقلاب في هذا الترتيب الطبيعي.

ليس تماما. فالارتباط بين اليمين الديني والوسط العلماني لم يبدأ بلبيد وبينت ولا بمحاولة نتنياهو القفز عن كليهما. والتعبير السياسي الأول عن تقارب المعسكرين كان في انتخابات بلدية القدس، قبل أربع سنوات. ودارت المعركة أساسا بين نير بركات، مرشح علماني يميني ومائير بروش، الحريدي. السكان الصهاينة المتدينون درسوا مصالحهم واختاروا المرشح العلماني. وهؤلاء يشاركون الحريديم في حماية حرمة يوم السبت، والانضمام للصلاة، والربط بين التوراة والتقاليد وعدة مواضيع على الصعيد الفردي. لكن هؤلاء أعداء ألداء للحريديم في توزيع الموارد، المشاركة في سوق لعمل، الثقافة، التعليم، الخدمة العسكرية والقومية، التعامل مع الجيران العلمانيين. والفارق يبدأ بالماء. فالحريدي لا يشرب حتى الماء عند علماني، إلا إذا قدمت في كأس تستعمل لمرة واحدة. أما المتدين فيشرب ويرتوي. كل من يسكن في عمارة مشتركة في القدس يعرف اللحظة التي يقترح فيها أحد الجيران طلب رخصة من البلدية لبناء شرفة. لحظة، يقول جار آخر، ان بناء شرفة يدخل الحريديم. الحريديم؟ يصرخ معتمرو القبعات الدينية، على جثثنا. الحاخامات في الجمهور الصهيوني الديني مختلفون: كثيرون منهم قريبون من المعايير الحريدية. ومثل أدوات التقديس لدى الجمهور الحريدي، فإنهم يعتاشون من المساعدة الحكومية، تحت وفوق الطاولة. كثيرون منهم حريديون بصلتهم بالدين، وقوميون متطرفون بشأن أرض إسرائيل. وهم يعيشون في العالمين.

لقد ضغط قسم من الحاخامات هؤلاء على رجال تكوما، القسم شبه الحريدي داخل كتلة البيت اليهودي، للارتباط بالحريديم بدلا من لبيد. بينت رفض. وبذلك أعاد حزبه لأيام موشي حاييم شابيرا، حيث الفصل التام بين الحاخامات والسياسة. وقدم بذلك خدمة تاريخية لناخبيه.

وبينت متدين من رعنانا. يميني لكنه ليس مستوطنا. متدين لكنه يسمع بتلذذ غناء النساء. أزح القبعة الصغيرة عن رأسه تجده ليكوديا. يائير لبيد علماني من رمات أفيف، علماني قومي. صراعه ضد الحريديم ممزوج بالاستناد إلى دراسات دينية وإلى تراث الأجداد.

والتحالف بينهما طبيعي بمستوى الوحدة العسكرية، العمارة السكنية، الحي، المدينة. ولو أن إسرائيل كانت الدانمارك، لتزوجا، أو لأقاما حزبا مشتركا. ولكن إسرائيل ليست الدانمارك، وعاجلا أم آجلا سيضطر الاثنان لقيادة كتلتيهما نحو قرارات مشحونة أكثر. الأميركيون سيحاولون استئناف المفاوضات. لبيد سيكون مع. بينت أيضا سيكون مع، بتبرير أنه لن يخرج منها شيء، وأن المفاوضات جيدة للدعاية.

لكن حينها يشترط الفلسطينيون المفاوضات بالتجميد. بينت سيعارض. هل سينسحب؟ هل سينزل الصراع إلى الشارع؟ هل سيخضع للمتطرفين في كتلته؟ وماذا سيفعل لبيد، هل سيناضل لمصلحة التجميد أم يجلس هادئا تاركا النضال للآخرين؟ وماذا سيفعل عندما يكتشف أن صديقه بينت يسمح لأوري أرييل، وزير الإسكان الجديد، ولرئيس لجنة المالية الجديد سلوميانسكي بضخ أموال هائلة للمستوطنين، بالضبط كما ضخ جفني الأموال للحريديم؟

وقد أثبت لبيد وبينت في المفاوضات أنهما مخلصان لناخبيهما. وقد حققا لهم إنجازات لا بأس بها ووقفا، كل على حدة، خلف الشعارات التي أطلقاها زمن الانتخابات. والإخلاص للناخب قيمة تستحق الثناء، لكنها غير كافية. وقريبا سيضطران للرد على السؤال التقليدي الذي طرحه لوبا إلياف لفلاتو شارون: ماذا فعلت لصالح الدولة؟

ونتنياهو ينتظرهما على الزاوية. وهو لم يرغب ببينت ولا بلبيد. فقد رأى في كل منهما، وبشكل أشد في كليهما معا، حصان طروادة الذي سيدمر حكومته من الداخل. والمفاوضات الائتلافية لم تبدد هذه المخاوف، بل العكس. وطموحه الراهن هو تغيير تركيبة الائتلاف خلال شهور، وضم الأحزاب الحريدية وربما أيضا التخلص من أحد الحزبين المهددين له. هذا ما وعد به الحريديم. وهذا ما يعد به نفسه.

إن معركة حقيبة التعليم كانت جزءا من هذه النظرة. والألاعيب الإعلامية تحدثت عن محبته العميقة لجدعون ساعر والأحلام التعليمية لنتنياهو. كل ذلك كان ستارا دخانيا. نتنياهو أراد حقيبة التعليم كنوع من مغسلة: ليست هناك حقيبة يمكن عبرها تحويل مئات ملايين الشواقل للمؤسسات الحريدية أفضل منها. هكذا يعترف الحريديم أنفسهم في حواراتهم الخاصة. في وزارة الداخلية يوزعون وظائف. في وزارة التعليم يوزعون أموالا.