علامات استفهام حول تقليص ميزانية وزارة الدفاع الامريكية

بقلم: عوديد عيران

يعد التقليص العرضي تقليصا جارفا في نفقات الميزانية الامريكية. وهو ينفذ بقوة قانون (Control Act of 1985 Balanced Budget and Emergency Deficit P.L.99-177).

في تشريع منفصل يقول أحد البنود في قانون Control Act of 2011 Budget P.L. 112-125 إنه في حالة فشل الكونغرس في تخفيض 1.2 تريليون دولار في الميزانية، فإن الأمر سيجر تقليصات تلقائية في النفقات في العامين الماليين 2012 2013، حيث تتوزع هذه التقليصات بالتساوي بين ميزانية الدفاع وميزانيات الوزارات الاخرى.

بعد أن فشل الكونغرس في إقرار الميزانية للعام المالي 2013، أصدر الرئيس الامريكي في 1 آذار مرسوما يأمر بتقليص عرضي بمبلغ 85 مليار دولار حتى نهاية العام المالي 2013. ويفصل المرسوم الخطط المختلفة التي ينبغي التقليص فيها، حيث يصل المبلغ إلى 42.667 مليار دولار في نفقات الدفاع ومبلغ مشابه في الوزارات التي لا تعنى بالأمن.

النتيجة المؤكدة الوحيدة من هذا التطور هي إنعدام اليقين الذي يخلقه حول أداء إدارة الولايات المتحدة، على الأقل على مدى الأشهر السبعة التالية المتبقية حتى نهاية العام المالي، في 30 أيلول 2013. كما أنه من الواضح أنه تمت تقليصات خطيرة في الميزانية الامريكية في إحدى السنتين أو عبر تنفيذ تقليص عرضي، أو عبر التوافق بين الجمهوريين الديمقراطيين في الكونغرس على ميزانية متفق عليها.

وقد سبق أن أعلن عن خطوات فورية واتخذت من جانب وزير الدفاع وموظفي الادارة الكبار الاخرين. ويندرج ضمن هذه الخطوات تخفيض ساعات الطيران في سلاح الجو الامريكي والغاء أربعة أقسام في الأسطول الأمريكي. ومن ناحية الشرق الاوسط، فان معنى الامر هو تقليص نصف عدد الايام التي تمكث فيها السفن، في المنطقة في البحر، وربع ساعات الطيران للطائرات. حاملة الطائرات الامريكية 'هاري س. ترومان' (النووية) لن ترابط كما كان مخططا له في الخليج. كما أنه في اثناء العام 2014 لن يكون انتشار لقوة ARG (Amphibious Ready Group)، القوة التي شاركت في الماضي في حملات مختلفة، ضمن امور اخرى ضد تهديدات الهجمات الارهابية في افريقيا.

ويمكن لاسرائيل أن تتأثر بذلك على عدة مستويات، وان كان كامل تأثير هذه التقليصات لا يزال غير واضح. وبالنسبة لدور وزارة الخارجية الامريكية في التقليص العرضي، فقد أمرت وزارة الادارة والميزانية (OMB) بتقليص مبلغ 6.344 مليار دولار بوتيرة 5 في المائة في السنة، اي 317 مليون دولار. نظريا، تعد هذه خسارة 150 مليون دولار من اصل المساعدات الخارجية الامنية لاسرائيل (برنامج FMF)، التي تبلغ 3.1 مليار دولار. وستتقلص ميزانية عمل حفظ السلام هي الاخرى بـ 19 مليون دولار، وان كان ليس ثمة مرة اخرى يقين بان الامر سيؤثر على انتشار القوة المتعددة الجنسيات في سيناء.

وتطرح التقليصات في وزارة الدفاع الامريكية علامة استفهام اكبر بالنسبة لمدى التأثير المرتقب لتعليمات وزارة الادارة والميزانية، بالنسبة لمشتريات الجيش، الاسطول وسلاح الجو الامريكي. كما أنه ليس واضحا كيف ستتأثر بذلك العقود التي وقعت مع شركات اسرائيلية. وستتأثر ايضا التدريبات المشتركة. في هذه الحالة لا يدور الحديث عن خسارة بتعابير تلقي التمويل، بل عن الاهمية التي للتدريبات سواء للتعاون الثنائي أم لصورة اسرائيل الامنية.

المجال الذي من المتوقع أن يتأثر أكثر من التقليصات هو التطوير، الانتاج والانتشار للمنظومات المضادة للصواريخ. وفضلا عن سيف التقليص العرضي، فان فشل الكونغرس في الوصول الى توافق على الميزانية للعام 2013 يجعل الوضع أكثر تعقيدا. في مثل هذه الحالات، يكون هناك انتقال الى وضع التشريع المتواصل (Continuous Resolution) والذي يعني أن حكومة الولايات المتحدة تنتقل الى العمل على اساس ميزانية شهرية حجمها بالضبط 1/12 من ميزانية 2012 الى أن يتوصل الرئيس والكونغرس الى توافق على ميزانية جديدة. في 2013 كان يفترض باسرائيل أن تحصل على 211 مليون دولار من اموال وزارة الخارجية الامريكية لمنظومة 'قبة حديدية'، وعلاوة 269 مليون دولار لبرامج اخرى، مثل منظومتي حيتس 2 وحيتس 3، وكيلع دافيد، ارتفاع بمقدار 35 مليون دولار بالنسبة للمبلغ الذي خصص في 2012، والذي كان يبلغ 235 مليون دولار.

امام اسرائيل واصدقائها توجد معضلة هي تستغل الدعم الذي تحظى به في الكونغرس الامريكي فتحاول اخراج المساعدات لاسرائيل من قرارات التقشق ولا سيما الدعم المالي لمنظومات الدفاع ضد الصواريخ والمقذوفات الصاروخية. فالتقليصات في المساعدات الخارجية الامنية ستؤثر على كل الدول التي تحصل عليها، بما في ذلك مصر والاردن. وفي ضوء امكانية أن تكون آثار سلبية على الولايات المتحدة كنتيجة للربيع العربي والانسحاب من العراق وافغانستان، فالتوصية هي أن توافق اسرائيل على التقليص العرضي في المساعدات الخارجية الامنية. ومن شأن الامر أن يؤثر على التسلح للمدى البعيد بمنظومات من السلاح، وعلى القسم الذي تستبدله اسرائيل من المساعدات بشواكل لاغراض شراء معدات وخدمات داخل اسرائيل. ولكن التأثير بعيد المدى لتقليصات الميزانية الامريكية يمكن أن يشكل ايضا اعادة نظر لبعض من برامج المشتريات بعيدة المدى هذه وملاءمتها مع وضع الميزانية، سواء في الولايات المتحدة أم في اسرائيل. ويمكن لهذه ايضا أن تكون فرصة لاعادة النظر في قرار شراء طائرات اف 35 والتي سيتأخر على اي حال انتاجها في الولايات المتحدة في ضوء الميزانيات الطائلة التي ستحتاجها المنظومة. ومع ذلك، يجب القيام بمحاولة، قدر الامكان، لاستثناء التمويل لمنظومات محددة للدفاع ضد الصواريخ، والتي تتمتع بدعم كامل من الرئيس والكونغرس وهي ذات صلة أكبر بالتهديدات التي تقف أمامها اسرائيل في المستقبل المنظور.

ان التقليصات المتوقعة في ميزانيات الدفاع الامريكية، والتي تبلغ اكثر من نصف تريليون دولار في اثناء العقد القريب القادم، ستؤثر بلا شك على قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على مكانها كزعيمة للعالم والسعي لتحقيق اهدافها الاستراتيجية. ويعد أحد الابعاد المركزية في هذا السياق هو التأثير الذي سيكون لتقليصات ميزانية الدفاع العميقة هذه سواء على الاستعدادات أم على الجاهزية للمؤسسة العسكرية والسياسية في الولايات المتحدة للخروج في حملة عسكرية ضد البرنامج النووي العسكري لايران. أما الافتراضات بالنسبة للكلفة العامة المتوقعة للولايات المتحدة من حملة كهذه، فهي بالطبع تخمينات فقط، ومنوطة بمتغيرات عديدة معظمها عصية على التوقع. ومن شأن فترة طويلة من الحملات العسكرية أن تفرغ مخزون التوفير الذي ستنتجه عملية التقليص العرضي أو اتفاق على الميزانية بين الحزبين يقدم تقليصات مشابهة. ومع ذلك من السابق لاوانه جدا استخلاص استنتاجات مطلقة حول العلاقة التي بين تقليصات الميزانية بعيدة المدى في الدفاع وبين قرار امريكي بمنع ايران من نيل قدرات السلاح النووي.