ادارة الحياة والموت في سوريا المتفككة

بقلم: تسفي بارئيل

كاميرا رجل المعارضة السورية في بلدة تلبيسة شمال مدينة حمص تمر بين جدران المدرسة المحلية وتوثق الدمار. في الصف الصغير اطفال وطفلات يجلسون على الارضية، تلفهم طبقات من الملابس ويرتعدون من البرد. في وسط الغرفة توجد مدفأة نفط ولكنها لا تعمل لانه لا يوجد نفط. الحيطان مبنية على عجل بصفوف من الطوب المكشوف وأرضية الاروقة المظلمة لا تزال مليئة بحطام البناء، بقطع الحديد الملتوية ورذاذ الاسمنت والتي يشق التلاميذ الى صفهم عبرها.

في غرفة اخرى الصف أكثر ترتيبا، توجد فيه طاولات وكراسي ولكن النوافذ فالتة، بعضها مغطاة بالنايلون الذي لا يفلح في صد الريح الباردة. رجل الهلال الاحمر السوري، الذي انتج الفيلم، يجلب بعض الهدايا الصغيرة للاطفال: كراس رسم، اقلام رصاص، بعض الملابس. ويتساءل ماذا يريدون ان يجلب لهم في زيارته القادمة. 'طاولات'، يطلب احد الاطفال، 'حقيبة مدرسة'، تقول بهدوء طفلة، 'والوان'.

حسب تقرير نشرته منظمات الاغاثة، فان اكثر من 3.800 مدرسة هدمت في الحرب، والعديد من المدارس التي لم تهدم تستخدم مقرات عسكرية، مستشفيات معدة على عجل، او سجون للنظام. بعضها تستخدم لاسكان النازحين ونحو 650 ألف نسمة يسكنون فيها. تلبيسة هي بلدة صغيرة، يسكن فيها نحو 40 ألف نسمة، او على الاقل كانوا يسكنون فيها حتى القصف الاخير للجيش السوري الاسبوع الماضي. وهي تدار من قبل الجيش السوري الحر، وفيها فرع من 'قيادة الثورة' التي سجلت في كانون الثاني انجازا هاما عندما اسقط مقاتلوها طائرة ميغ سورية.

الرد لم يتأخر في الوصول. قصف اجرامي من الجو وقصف مدفعي اصاب مئات المنازل في البلدة وقتل عشرات المواطنين. بعد يوم من ذلك خرج مئات من المواطنين للتظاهر ليس فقط ضد الاسد ونظامه بل وايضا ضد الدول العربية، التي لا تساعد في شيء، وضد الدول الغربية، الغارقة في عدم اكتراثها. 'الزعماء العرب سرقوا رغيف خبزك، وبعد ذلك يعطونك لقمة منه ويأمرونك بان تشكرهم على سخائهم. يا لهم من عديمي الخجل'، هكذا يقتبس الشاعر الفلسطيني غسان كنفاني في صفحة مجلس الثورة في محافظة حمص، المسؤول ضمن امور اخرى عن ادارة الحياة في تلبيسة.

'ادارة الحياة' هو تعبير مرن. القسم الاساسي منه يقع على عاتق المواطنين، الذين يشكلون مجالس محلية تطوعية تنظم قوات لحفظ النظام، خدمات رفاه اجتماعي وحتى محاكم. وهذه المجالس لا تنسجم دوما في رؤيتها مع الجيش السوري الحر. فقد أفادت 'نيويورك تايمز' مثلا عن مجلس مدني كهذا في بلدة تلالان في شمال سوريا، اضطر للصراع مع قيادة الجيش السوري الحر على توريد المنتجات الاساس. وفي النهاية نجح المجلس في تحقيق رغيفين في اليوم لكل كبير في السن وتوريد للكهرباء لاربع ساعات في اليوم. انجاز صغير ولكن هام بما يكفي لمنح المجلس الشرعية. ولكن عندما حاول مواطنون جر هيكل دبابة سورية لبيعها لتجار الخردة وكسب بعض المال، اعتقلهم جنود الجيش الحر وأمروهم بترك الدبابة في مكانها كنصب يدل على انتصارهم العسكري.

من الصعب أن يفهم المرء ما الذي يغذي تصميم سكان هذه البلدة ومئات البلدات والقرى مثلها، التي تتعرض للقصف الجوي والمدفعي وتواصل القتال او التظاهر. على صفحة الفيسبوك لتلبيسة لا يوجد تفسير لهذه الاسئلة. ولعل الجواب هو في صور الدمار الهائل التي الى جانبها تظهر صور قتلى البلدة. طلال العقيدي، الجندي الفار اياد العقيدي، خالد سليم سويس، عمر المصري، كلهم يحظون بشاهد الكتروني خالد، سيصبح جزءا من الذاكرة الجماعية في اليوم الذي يقوم به نظام جديد في سوريا وتبدأ عملية تصفية الحساب.

'هذه بلدات صغيرة. الجميع فيها يعرف الجميع. اذا كان ابنك خدم في جيش الاسد، فان عائلتك تصبح على الفور مشبوهة. اذا قتلت ابنتك في قصف النظام، تصبح بطلا. لا يمكن ان تسمح لنفسك الا تخرج الى التظاهر او التضامن مع العائلات الثكلى. انت تخرج الى الشارع حتى عندما تتعرض حياتك للخطر والا فانك لن تتمكن من ان تري وجهك للناس'، يشرح علي عثمان، لاجىء سوري يسكن في تركيا لصحافي تركي. بيته استولى عليه قوات الجيش الحر، وهو لا يعرف اذا كان سيتمكن من استعادته في أي مرة من المرات.

مواطنو تلبيسة لا ينشغلون بالخطوات الدورية الفاشلة الرامية الى اسقاط الاسد. وهم لا يتابعون جولات مبعوث الامم المتحدة الاخضر الابراهيمي ولا يسألون رأيهم في زعيم المعارضة، معاذ الخطيب، الذي يجد صعوبة في اقامة حكومة سورية مؤقتة. من بقي في البلدة يجتهد بالاجمال لان يجتاز يوما آخر وهو على قياد الحياة. علاوة المساعدات التي وعدت بها الولايات المتحدة، بمبلغ 60 مليون دولار، مشكوك ان تصل الى المدرسة المحلية المهدمة أم الى المخبز الذي يصعب عليه توفير أرغفة الخبز. المال سينتقل الى قيادة المعارضة وقيادة الجيش السوري الحر ليستخدم اساسا لشراء السلاح او لتمويل الرحلات الجوية لزعماء المعارضة. الحساب الكبير سيأتي لاحقا عندما سيتعين على احد ما ان يمول اعادة بناء الدولة. 

هآرتس