الـقــدس شـــرارة الانـتـفـــاضـــة الـثــالــثــــة

 

بقلم: يونتان يفين

قبل عشر سنوات تقريباً جئت الى المستشفى الفقير "بيكور حوليم" في مركز القدس كي استوضح كيف يواجه الفريق الطبي الانتفاضة التي وقعت على رأسه حقاً. فلا تكاد تفصله عن مطعم سبارو 100 متر أو عن لهب سوق محنيه يهودا. جيء بجرحى كثيرين الى اقسامه البائسة حيث عولجوا بصعوبة كبيرة على أيدي يهود وعرب وحريديين وعلمانيين. وحينما خرجت لأتنفس قليلا من الهواء الضروري في المفترق القذر في شارع الأنبياء وشتراوس رأيت مشهدا جميلاً، فقد أرادت امرأة في نحو الأربعين من عمرها قطع الشارع، ووقف سائق السيارة الذي جاء من الانعطافة في آخر لحظة. وتحول خوفها المفهوم سريعا الى غضب حقيقي حينما رأت من الذي تعامله حينما انحنت على نافذته وصرخت: "ليتك تموت أيها العربي القذر!". وأضافت الى هذا الرجاء تفضلا على شكل بصقة كبيرة على السيارة مباشرة على وجه الراكبة الى جانب السائق.

وتابع السابلة، الذين وقفوا ليشاهدوا المشهد، سيرهم بعدم اكتراث بل انهم كانوا يبتسمون ووقفت ذاهلا أحمد الله لأنني انتقلت قبل سنتين فقط من "عاصمتنا الأبدية" هذه التي يسكنها في الأساس أناس يفرحهم ان يروا اسرائيل الصهيونية تنهار في الغد صباحا. وانتقلت الى تل ابيب، وهي المدينة التي يظنوننها خطأ "سليمة العقل".

بقيت القدس هي القدس، على نحو يفرح كل محبيها الفرحين المبتهجين. وهي مدينة تهاجم نساؤها امرأة غريبة في محطة قطار لأنها من الشعب غير الصحيح؛ وهي مدينة يضرب فيها فتى عربي حتى يوشك ان يموت تقريبا في ميدانها الرئيس ولا يفتح أحد فمه معترضا؛ وهي مدينة يطلب فريق من مشجعي فريق كرة القدم فيها ان يبقى "طاهرا"؛ أي ألا يلعب فيه "عرب" حتى لو كانوا مسلمين من اوروبا.

صحيح ان القدس تعرضت ولا تزال لمحاولات تفجير من العرب، ومن المؤكد ان ليس كل اليهود سيئين. صحيح ايضا انه وقع في يافا، هذا الاسبوع، هجوم على عربي لسبب قومي، وان العنف العنصري ليس موجودا في القدس وحدها. لكن القدس لسبب ما تعاود الظهور في العناوين الصحافية في سياقات أصبحت تُذكر بصورة حقيقية محسوسة بفترات كان يهاجم فيها الأبرياء بسبب بطاقة الهوية.

يمكن اذا ان نستمر في البحث عن نذر الانتفاضة الثالثة في "المناطق"، وان نقف وأيدينا على ضابط الساعة والمنظار يلاصق عيوننا كي نعلم بفخر فقط اللحظة التي "بدأوا فيها". ويمكن ان نحول الى السلطة الفلسطينية اموال ضرائب تهدئ الآلام فقط، فثمة سلب في وضح النهار لكل شيء، ما يشجع على هياج النفوس في الضفة.

ويمكن ان نوجه المنظار إلينا ايضا، إلى القدس عاصمتنا الأبدية، وان نفتح في الوقت نفسه العدسات والأعين لنعرف تدهورنا الأخلاقي، والفساد الجنائي الذي يحتفل دون أن يخشى القانون، والعنصرية الظاهرة برعاية حكومية والتي نشارك ونسكت عنها، ونتحمل جزءا صغيرا على الأقل من تهمة الحافلة القادمة التي ستتفجر. وقد أصبحوا متأهبين في "بيكور حوليم".

  يديعوت