الانتفاضة الثالثة قادمة مالم تـجـرِ إسـرائيـل حسابًا للنفـس

 

بقلم: أودي هيرش

شرارات الانتفاضة الثالثة وصلت اسرائيل مبكراً. فالانتفاضة الثانية لم تنته بعد. وحسب الميدان، فان حضورها في الواقع اليومي صفري: تعابيرها الثقافية طفيفة لدرجة أنها غير موجودة؛ فيلمان وثائقيان مثلّا اسرائيل في جائزة الاوسكار، وإن كانا نتاجا مباشرا لتلك الفترة الرهيبة، إلا أن معظم الاسرائيليين فرحوا بفشلهما. فبعد سنوات عديدة من حالة كان فيها كل صعود الى الباص او الدخول الى المقهى بمثابة مراهنة على الحياة، فان اسرائيل هي ظاهرا دولة غربية، وجهتها نحو الخارج، ومعظم مواطنيها ملوا المسائل السياسية. غلاء المعيشة يعنيهم اكثر.

ومع ذلك، فإن حدثاً باعثاً على الصدمة كهذا لا يمكنه أن يمحى بهذه السرعة. فكبت السنين ذاتها، والتي ترك فيها الشارع الاسرائيلي لمصيره في قصور أمني لا يقل عن ذاك الذي كان في حرب "يوم الغفران"، ولّد تنكراً مرضياً للمشكلة الفلسطينية. ففك الارتباط عن قطاع غزة كان نتيجة واضحة لشطب الفلسطينيين من الوعي الاسرائيلي: جر الأرجل والفرار من منطقة نازفة ومنكوبة، دون إدارة حوار ودون خلق أساس لاستقرار مستقبلي. لقد ولد فشل الخطة الشلل الحالي. فليس لاحد قدرة أو رغبة في اتخاذ خطوة حقيقية لحل المشكلة، بشكل سياسي أو عسكري.

الحملة الانتخابية الاخيرة، التي جرت بعد سنوات قليلة من "فك الارتباط"، تجاهلتها تماما تقريبا هي وآثارها. فقد حصلت "ميرتس" و"الحركة" على 12 مقعداً فقط من أصوات الناخبين اليهود ، ولا تزال تصر على الانشغال في الموضوع الفلسطيني، ودخول احدى الكتلتين الى الحكومة يعتبر خطوة مثيرة للهزء وعديمة الامل. فلا يمكن اجراء مفاوضات مع اناس غير موجودين.

من الدارج التفكير بان نجاح يائير لبيد في الانتخابات هو نتيجة الاحتجاج الاجتماعي، ولكن هذه المقاعد الـ 19 ولدت أيضا في أعقاب الانتفاضة: إسرائيل تريد الان وجوها جميلة تعطيها أملا كاذبا، وممثلين للجمهور يلقون خطابات مثيرة للانفعال عن التلمود، دون أي "ابو فلان"، كما يسمي الشريك السياسي لزعيم "يوجد مستقبل"، نفتالي بينيت، الفلسطينيين. المراقبون من الخارج يجدون صعوبة في فهم نهج اسرائيل تجاه المسألة الفلسطينية. "التصويت للعدم هو اختيار غريب لدولة محوطة بجلبة مستمرة"، كتب روجر كوهين في "نيويورك تايمز" بعد الانتخابات، قاصدا لبيد بفظاظة. في عيون اسرائيلية، يكاد لا يكون هناك مخرج آخر: هذا اختيار نفسي. ليس للاسرائيليين قدرة نفسية على معالجة وتحليل ما حصل هنا في السنوات المضرجة بالدماء والتي بدأت في تشرين الاول 2000، وبالتالي فانهم يفضلون الهرب الى شخص يعتمد عالمه الثقافي على المغنين والشعراء الاميركيين.

هذه العملية خطيرة. الفلسطينيون، لسوء حظنا، لم يذهبوا الى اي مكان. وهكذا أيضا المصريون، السوريون، الاردنيون وباقي الشعوب المتنازعة والمتورطة التي تحيط بنا. نأمل ألا تبدأ الانتفاضة الآن. ولعلها تتأجل شهراً، سنةً، أو سنتين. ولكن في غياب الحل لا بد ستأتي. اسرائيل غارقة في الكبت، لم تستخلص حقا استنتاجات الانتفاضة الثانية، باستثناء محرري مواقع الانترنت والبرامج الجديدة في التلفاز، ممن استوعبوا ان الانباء عن ابو مازن وابو علاء تجعل المتصفحين والمشاهدين يهربون. في فيلم "حماة الحمى" الذي يعنى بحساب للنفس كهذا، محدود وبنزعة أمنية، لم يكلف رئيس الوزراء ومعظم وزرائه أنفسهم عناء مشاهدته. وحسب نموذج مراحل الحداد الخمسة لكوبلر – روس، فان اسرائيل الان في مكان ما بين المرحلتين الاوليين – الكبت والغضب. وقبيل النهاية سيأتي الاكتئاب. نأمل الا يصطدم بظهور الانتفاضة الثالثة.

عن "معاريف"