في الطريـق السـريع إلى الانتفاضة الثالثة

بقلم: اليكس فيشمان
مرة كل بضعة أسابيع يلعب معنا الجيش والحكومة اللعبة المعروفة "بارد، بارد، ساخن"، ما يجعلنا نفتح عيوننا ونسأل: هل أصبحت هنا انتفاضة ثالثة؟ عندما نكتشف أن اللهيب لا يعربد بعد حولنا فإننا نعود الى النوم.

إذاً، هيا رجاء استيقظوا؛ فالطريق السريع الى الانتفاضة مفتوح على مصراعيه، وما حصل، أول من أمس، من شأنه أن يصبح رصاصة الانطلاق: مات معتقل فلسطيني في أقبية التحقيق لدى جهاز الامن العام "الشاباك" في سجن مجدو. صحيح أن هذا ليس واحداً من الفلسطينيين الأربعة المضربين عن الطعام احتجاجا على اعتقالهم، إلا أن الشارع الفلسطيني يغلي منذ أسابيع طويلة.

وإذا لم يكن هذا بكاف، فإن تسلية المستوطنين الدائمة، ممن يطلقون النار في أيام السبت في اطراف قرية قصرة جنوب نابلس ويفعلون هناك ما يشاؤون انتهت، أول من امس، بالشكل الأسوأ. هذه المرة ورطوا ليس فقط الجيش الاسرائيلي، الذي اضطر الى التعرض لرشق الحجارة في محاولته لحمايتهم، بل ورطونا جميعا: اصيب فلسطينيان على الاقل بنار حية يحتمل أن تكون أطلقت من اسلحة بحوزة المستوطنين.

 

"سلة اوباما" للفلسطينيين

أجرى رئيس الاركان، أول من امس، مشاورات حول الاحداث الاخيرة في الضفة، حيث كان الحدث في قصرة في مركز الاهتمام. وكانت التعليمات للجيش، حاليا، هي استكمال الاستعدادات والجاهزية لتطورات أشد خطوة بكثير. وخلال هذا الاسبوع سيعقد الجيش اجتماعا خاصا يعنى بالتطورات الاخيرة في الضفة. وستكون هذه فرصة للمتطرفين لإنعاش المخططات وأوامر الطوارئ في "يهودا" و"السامرة"، او بكلمات اخرى: استكمال الاستعدادات نحو الانتفاضة الثالثة.

يحذر الجيش منذ عدة أشهر من التدهور المقلق في الوضع الأمني في الضفة. وكان عدد الاحداث العنيفة في الاشهر الاخيرة ارتفع بمئات في المائة مقارنة بالفترة ما قبل حملة "عامود السحاب". ولكن من المريح للقيادة السياسية الجمود في المحادثات مع السلطة الفلسطينية، ومن المريح لنا نحن الجمهور ايضا ألا نعرف ماذا يحصل في "المناطق"، طالما أن العنف لا يجتاز الخط الأخضر.

وتعول القيادة السياسية على أن السلطة الفلسطينية لن تسمح للميدان بالاشتعال، على الاقل حتى زيارة الرئس الاميركي الى إسرائيل. والان سيبحثون في القدس كل أنواع الابتكارات لارضاء الفلسطينيين وتبريد الميدان. وقبيل زيارة الرئيس يعدون في الحكومة "سلة اوباما"، ارسالية وجبات لأبو مازن: بعض السجناء المحررين، بعض التسهيلات، بعض المال، وعدة طيبات أخرى. يحتمل ان تبكر الحكومة الآن "إرسالية الوجبات" بل ولعلها تزيدها.

 

العالم العربي غير مبالٍ

ما يغذي الاحباط الفلسطيني ويحرك دواليب الانتفاضة التالية هو حقيقة أنه في الوقت الذي تفعل اسرائيل في "المناطق" ما تشاء، فإن العالم العربي ببساطة فقد الاهتمام بالفلسطينيين؛ لديه مشاكل أكبر.

اذا كان يتعين التبرع بالمال فإنه يسبق الفلسطينيين نحو أربعة ملايين فلسطيني سوري، في سورية وخارجها. وانهيار نظام الاسد، وامكانية تشكيل حكومة مؤقتة في المناطق التي احتلها الثوار في سورية، اكثر دراماتيكية واهتماما لمشاهدي "الجزيرة" من مجرد ادعاء فلسطيني آخر باعتقالات إدارية.

القيادة في العالم العربي قلقة اكثر من اعلان سكان بور سعيد العصيان المدني ضد الرئيس المصري مرسي ودعوة المعارضة في مصر الى فك الارتباط عن الحكم حتى في منطقة القاهرة، من مجرد بضعة جرحى فلسطينيين آخرين في اشتباكات مع جنود.

هذه مجرد البداية. في تونس، عرش "الربيع العربي"، انهارت "الحكومة النموذجية" التي تشكلت بعد فرار الرئيس بن علي؛ في ليبيا تدور رحى حرب عصابات في الشوارع؛ في العراق – انتفاضة واسعة؛ لبنان على الحافة؛ الاردن، السودان، الصومال، ماليا – كلها ترتعد. الفلسطينيون يدحرون عن جدول الاعمال الاقليمي. وهم يفهمون بأنه إذا لم يكن هنا عنف فلن تكون عناوين رئيسة. وبدون عناوين رئيسة (مثلا، عشية وصول أوباما الى المنطقة)، فإنهم لن ينجحوا في رفع قضيتهم الى رأس سلم اولويات الرئيس الأميركي الذي تمنوا جداً انتخابه.

صحيح أن الانتفاضة كما عرفناها في الماضي لم تبدأ بعد، ولكن منذ اكثر من خمسة اشهر يسود في الضفة وضع جديد وخطير. نحن لا نزال في مرحلة "اعمال الشغب" العنيفة في الشارع الفلسطيني، لم نصل مرحلة "الارهاب" الذي ميز الانتفاضة الثانية، ولكن حتى هكذا لا شيء بالصدفة. موجة العنف هذه تتحكم بها بقدر كبير السلطة الفلسطينية وتوجهها. فقد أعلنت السلطة على الملأ استراتيجية "المقاومة الشعبية" وباستثناء استخدام السلاح الناري ضد الاسرائيليين، فإن كل شيء مسموح به، وهذا يتضمن الاعمال الجماهيرية لـ "الاخلال بالنظام"، القاء الحجارة والزجاجات الحارقة، اغلاق المحاور والمواجهات مع الجيش.

من أجل السيطرة على مستوى اللهيب توجه السلطة العنف الى المدن الكبرى وبقدر أقل الى مخيمات اللاجئين، حيث يصعب أكثر عليها هناك التحكم بما يجري. كما أن اضراب السجناء في السجون متزامن تماما. ففي الاسابيع الثلاثة الاخيرة، منذ بدء موجة العنف الحالية، توجد "وردية اضراب" في السجون حسب تعليمات من فوق. مرة يكون هذا سجن الفارعة الذي يتبرع ببضع عشرات السجناء المضربين لـ 24 ساعة ومرة اخرى يكون سجن عوفر.

 

رافعة أيديولوجية للعنف

تمتطي جولات العنف في كل مرة أجندة جديدة. ذات مرة اندلعت على خلفية الضائقة الاقتصادية في "المناطق" والتي وجهت نحو اسرائيل؛ وذات مرة تأييدا لغزة بعد "عامود السحاب"؛ والآن وفرت اسرائيل للفلسطينيين ذريعة إضراب السجناء عن الطعام.

المحاولات السابقة من السلطة لخلق احتجاج شعبي لم تكن قوية بما يكفي لخلق عناوين رئيسة. وبالمقابل، فإن الاضراب عن الطعام هو رافعة مثالية توحد الصفوف، تحافظ على مستوى عنف ثابت، وتسمح بحرق الزمن، إلى أن يصل أوباما، وإلى أن تتشكل حكومة في إسرائيل.

عنف الشارع هذا يمكنه أن يحقق انجازات للسلطة الفلسطينية مثل تحرير سجناء إداريين، تحرير "مخربين" تحرروا في صفقة شاليت وحبسوا مرة اخرى او على الاقل تعهد اسرائيل بتحرير سجناء قدامى من "فتح". فضلا عن ذلك، فإن الاضطرابات الجماهيرية التي ترفع فيها اعلام "فتح"، "الجهاد الاسلامي"، و"حماس" تخلق مظهراً سطحياً من الوحدة.

توجد فقط مشكلة صغيرة: من المشكوك فيه أن تتمكن السلطة الفلسطينية بالفعل من السيطرة على مستوى اللهيب. يوجد عندنا ايضا نوع من تأجيل النهاية. فجهاز الأمن يؤمن بأننا نتواجد على نحو مريح في المنطقة الى أن نعرف كيف نلاحظ متى يتحول الاحتجاج الشعبي الى انتفاضة مسلحة. وفي قيادة المنطقة الوسطى ينسقون الجهود لمنع "حماس" من امتطاء هذه الموجة في الضفة. أما القيادة السياسية بالمقابل فتواصل نومتها لأنها ترى المشكلة الفلسطينية من الزاوية الأمنية فقط وليس من الزاوية السياسية. وهكذا فإن الطريق السريع نحو الانتفاضة التالية مفتوح