أوباما في مهمة تاريخية: إقامة فلسطين

 

بقلم: لزمان شبيرا*

دون زعامة قوية في أميركا، فان ايران ودولا متوسطة اخرى في مناطق متوترة في العالم ستبدأ بالتزود بالسلاح النووي. وهكذا، في فترة تقاس بعشرات السنين، سينتقل العالم بشكل محتم – عقب تكاثر الدول النووية – الى حرب نووية تؤدي الى نهاية الجنس البشري.

نقف اليوم أمام لغز: لماذا تجد أميركا العظمى، التي تملك قوة عسكرية واقتصادية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، صعوبة في إدارة العالم؟ ومع ان الجواب هو في المجال النفسي، الا أن آثاره سياسية.

العالم الاسلامي معادٍ لاميركا. وجموع المسلمين يرون في اميركا عدو الاسلام؛ بدأت بحربين ضد البلدان الاسلامية؛ واحدة استمرت اكثر من عقد. وفضلا عن ذلك فان الجماهير من الرباط وحتى جاكرتا مقتنعون بان واشنطن تدعم منذ 45 سنة الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية، رغم أن هذا ادعاء لا يتطابق مع الواقع المركب.

براك اوباما، منذ كان مرشحا للرئاسة، فهم قيود القوة في العالم الحديث، ما قاد بلاده، القوة العظمى العليا الوحيدة في الكون، الى وضع مأساوي تجد نفسها فيه تستصعب إدارة العالم، الذي يحتاج على نحو يائس الى زعامة اميركية. ومنذ بداية ولايته الاولى بدأ الرئيس بخطوات ترمي الى التقرب من العالم الاسلامي. خطاباته في القاهرة واسطنبول يمكن تفسيرها كخطوات اولى لتسليم اميركا ببلدان الاسلام. ولكن الازمة الاقتصادية التي ألمت باميركا، والمعركة السياسية على الاصلاح التاريخي للتأمين الصحي، وكفاحه اليائس ضد الاغلبية الجمهورية في مجلس النواب، أوقفت حركته للمصالحة مع العالم الاسلامي.

والان، بعد اعادة انتخابيه، يستأنف اوباما زخمه لتحقيق الهدف الذي في نظره هو ارثه السياسي. تقرر موعد إنهاء الحرب في افغانستان منذ الان، في نهاية 2014. كل جهوده ستتركز، إذاً، على حل المشكلة الفلسطينية. وهذا هو السبب الحقيقي لمجيئه المرتقب إلى إسرائيل.

في نظر الرئيس، فان غياب حل المشكلة الفلسطينية هو عائق مهم في وجه تقرب اميركا من العالم الاسلامي. ومع الاخذ بالحسبان للتعلق السياسي والعسكري لاسرائيل باميركا (ولا سيما في مسألة استخدام الفيتو في مجلس الامن)، لا ريب أن اوباما سينجح في مهمته. وغياب الاضطرارات السياسية في ولايته الثانية يعزز هذه الفرضية فقط.

في نظر الرئيس، فان حل المشكلة الفلسطينية يقف حيال تدهور مكانة اميركا في العالم والانزلاق المحتمل الى حرب نووية في المستقبل. ولا ريب، إذاً، في أن اوباما يرى في اقامة الدولة الفلسطينية المهمة التي فرضها عليه التاريخ.

الرئيس الـ 44 للولايات المتحدة يتعلم من خطأ الرئيس الـ 42، بيل كلينتون الذي بدأ بمعالجة المشكلة الفلسطينية بشكل نشط فقط قبل نصف سنة من نهاية ولايته، حين استجاب لطلب ايهود باراك في عقد مؤتمر كامب ديفيد الثاني. اما اوباما فليس مستعدا لاخذ المخاطر لانه ليس واثقا بان السنوات الاربع التي تحت تصرفه هي فترة طويلة بما يكفي لحل المشكلة المعقدة والمفعمة بالكراهية والتوتر. فالرئيس ليس مستعدا لان يمنح وزير الخارجية، جون كيري، ولو عدة اشهر كي يجس النبض ويفحص الارضية. فقد قرر ان يقود بنفسه المصالحة بين اسرائيل والفلسطينيين، وهو مستعد لان يضع على الميزان كل وزنه ومكانته كي ينجح في مهمته.

ينبغي الافتراض بان الرئيس الاميركي سيبادر قريبا الى خطوة سياسية واسعة لإعادة تصميم الشرق الأوسط، وذلك لان خطوة بمثل هذا الحجم فقط تتضمن فرصا لوقف مسيرة انتصار الاسلام المتطرف في المنطقة. وستكون خطوته الاولى بالتأكيد إنهاء النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. فاذا كان يتطلع لان يبقي وراءه عالما أكثر أمانا، فببساطة ليس له خيار آخر.

ان الاهداف السياسية للولايات المتحدة واسرائيل في المنطقة متماثلة. وبالنسبة للدولتين ليست اقامة الدولة الفلسطينية هدفا بحد ذاته بل فقط وسيلة لتحقيق الهدف الاكبر. هدف اميركا هو تعزيز مكانتها في العالم من خلال نقل العالم الاسلامي الى جانبها. أما اسرائيل فهدفها هو تسوية سياسية مع العالم العربي واعتراف العالم الإسلامي كله بها. على إسرائيل ن تتطلع، إذاً، الى تسوية اقليمية واسعة، ليست إقامة دولة فلسطينية إلا أحد عناصرها، وبفضلها سيصل سفراء العرب الى القدس.

*مستشار سياسي سابق، نشر كتاب "ضائعون في الشرق الأوسط، المأساة الجديدة لأبناء اسرائيل".