التحالف بين لبيد وبينت يجنن نتنياهو

 

بقلم: شالوم يروشلمي

 

ألقى يائير لبيد يوم الاثنين خطابه البكر في الكنيست. وصعد نفتالي بينت يوم الثلاثاء أيضا لتقديم عرضه الأول. كل واحد منهما كان ممتازا على طريقته. لبيد أعطى خطابا اجتهد على صياغته طوال ثلاثة أيام وقام بالتدرب عليه أمام المرآة. توجه إلى الغرائز الصحيحة، وعرف كيف يشدد النبرة ومتى يخففها. وكان النص خليطا من وعي سياسي ورؤية تلحظ فيها أثر جون لينون. وسأل لبيد: «هل من المبالغة تخيل دولة بحدود آمنة؟ هل مبالغ فيه تخيل دولة تقود العالم في العلوم والثقافة؟» وكان ينقصه أن يحمل القيثارة بيده.

كان بينت أقل كاريزمية، ولم يثر انفعالا كلبيد. أسلوبه أقل مرحا. وتحدث أكثر مما خطب. لذلك لم يصعب عليه إدراج أقوال مثل» هذا أمر يجنني»، أو «كيف خطر ببالي». وكما في حديث عادي عصبي، استخدم بينت تشبيهات من عالم الجيش، تجذرت في الثقافة الإسرائيلية، ربما بسبب ماضيه في سييرت متكال. وإذا كان لبيد قد صعد إلى السماء فإن بينت نزل إلى الأرض. ووبخ بينت الحريديم قائلا: «في البداية 8 جنود يحملون جنديا واحدا. بعد ذلك 7 يحملون 2، والآن 5 يحملون 4. والنقالة توشك على السقوط».

وعدا الأسلوب والنبرة، بدا كما لو أن لبيد وبينت كتبا خطابا مشتركا، وتقاسما فقط التشديدات والأمثلة، وفق الارتياح والانتماء الاجتماعي. وعلى المنصة جرت رقصة ثنائية توزعت على يومين منفردين. لبيد حارب الأقلية التي تسعى لإملاء موقف على الأكثرية. واستخدم الحريديم الذين يسافرون في حافلات منفصلة، والمخلين بالنظام على التلال والعرب الذين يبنون بيوتهم من دون ترخيص. وغلى بينت غضبا على أقليات أخرى: أصحاب الأموال والحيتان الذين يحددون لنا جميعا غلاء المعيشة، وأيضا لجان العمال الكبرى الذين يبقون سفنا في عرض البحر فقط من أجل تحسين أجر مساعدة في إحدى اللجان. واستشاط بينت غضبا: «إنهم يكبدوننا خسائر بالملايين».

تحدث لبيد عن المساواة في الأعباء. وبينت شدد على الأمر كثيرا وأضاف ان الحريديم أثقلوا الدين على المواطنين وجعلوا الخدمات الدينية آلة وظائف هائلة. تحدث لبيد عن التعليم المناسب لكل طفل. وأضاف بينت بدوره: «فقدنا احترامنا للمعلمين». وأعلن لبيد أن «الجمهور انتخبنا كي نتعالى عن المخاوف». وقال بينت بعده: «جئنا لاقتحام الطرق المسدودة، فنحن جيل لا نخاف. وإذا خفنا لن نعمل». ونفذ صبر الاثنين. قال لبيد: «هيا نستيقظ. لنبدأ من جديد». وأشار بينت: «هيا نقر القوانين المناهضة للاحتكار الآن».

كانت الفوارق بين الرجلين هامشية. لبيد يطالب بالمفاوضات، بينت مستعد للتفاوض لكنه لا يؤمن بالسلام. لبيد كان أكثر مدنية. بينت أكثر يهودية. كلاهما أكثر إسرائيلية. لبيد كرر في خطابه سبع مرات «إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي». نفتالي بينت أنشأ حزبا أسماه «الإسرائيليون» قبل أن يذهب ويسيطر على «البيت اليهودي»... في هذه الأثناء لبيد وبينت أعطيا أحدهما للآخر عناقا إسرائيليا شجاعا بعد الخطابين. وكل منهما قال للآخر: «كنت عظيما، يا أخي».

 

أزمة عمر المنتصف

 

إن مهمة حياة نتنياهو هي تفكيك هذه القوى التي يقودها لبيد وبينت، أو إدخالهما إلى ائتلاف هائل يعد 88 عضو كنيست (الليكود بيتنا، هناك مستقبل، البيت اليهودي، شاس، يهدوت هتوراه، الحركة وكديما). وحتى الآن من دون نجاح. ليس هناك أي توافق بين يائير لبيد والحريديم. وخلف كل الصيغ واقتراحات الحل الوسط هناك عنصر واحد مقرر: من سيقرر عدد المجندين: الدولة السيدة، كما يريد لبيد، أم الحريديم أنفسهم.

ويتعذر على نتنياهو والمقربين منه فهم ما يجري هنا. فلماذا لا يستطيعون انتهاج سياسة فرق تسد. وقال بيأس أحد المقربين من نتنياهو ممن يديرون المفاوضات ممثلا لليكود بيتنا: «إن ناخبي لبيد لم ينتخبوه لتأمين مصالح نفتالي بينت أو العكس». في هذه الأثناء كل الطرق جائزة لتفكيك الرزمة: استخدام الحاخامات الحريديم-القوميين، المتماثلين مع البيت اليهودي، الإغراءات الوزارية التي تطلق هنا وهناك، القناة الثانية قالت هذا الأسبوع ان أربع حقائب عرضت على بينت كي يختطفها بسرعة. بينت نفسه يقسم انهم لم يعرضوا عليه شيئا.

لكن المفاوض عن الليكود يحتج: «ألم نعرض عليه شيئا؟ لقد قدمنا له عرضا مرتبا. جلسنا ساعات، في كل الدوائر. نتنياهو مع بينت، ليبرمان، أوري أرييل، جميعهم. قلنا له، اسمع، هذا هو عرضنا. هنا خط أساسي. ثمة اقتراح منطقي لمساواة الأعباء. لدينا اقتراح لتغيير أسلوب الحكم. لدينا حقائب لك: التعليم، الأديان، حقيبة اقتصادية، نائب وزير الدفاع. كل ما يهمكم. لديك فرصة أن تأخذ كل هذا الآن أو تنتظر حتى النهاية. إذا انتظرت، فسيأتي أحدهم ويخطف هذه الحقائب».

وفرضية العمل عند نتنياهو هي أنه لا خيار لدى بينت. فهو يلعب كرة قدم في ملعب من دون مرمى لذلك يستحيل فوزه. في النهاية سيصل إلى طريق مسدود. ويسأل المقرب من نتنياهو: «حسنا، لنفترض أن بينت سيبقى مع لبيد حتى النهاية ونتنياهو لن يفلح في تشكيل الحكومة. على من سيوصي بينت بعدها؟ على لبيد؟ على سيلي يحيموفيتش؟ على ليفني؟ ماذا سيقول لناخبيه، الذين مئة في المئة منهم يريدون نتنياهو؟ وماذا سيقولون له؟ هل سنذهب بسببك للانتخابات مرة أخرى لإسقاط نتنياهو؟ ماذا ستقول مؤسساته؟ ماذا سيقول أعضاء الكنيست الكبار؟ سيقولون لبينت: بسببك خسرنا كل هذه الحقائب الكبيرة».

 

سياسة دنيئة

 

الأزمة حقيقية. يرد مسؤول في البيت اليهودي: «أساليب نتنياهو هذه تعهير للسياسة. إنها السياسة القديمة. إنهم يعرضون علينا حقائب بدلا من أهداف، وظائف وزارية بدلا من قضايا مركزية. هكذا، يرمون الحقائب من دون أن نعرف الشركاء، ولا صورة الائتلاف. إنهم يتاجرون معنا. ما هذا؟ يقدمون لك شيئا ويضربونك لتهرب». لكن المقرب من نتنياهو يقول ان «بينت هو من يلجأ للسياسة القديمة. وهو من ينفخ عضلاته ويرفع السعر، رغم علمه أنه في النهاية سيكون في الائتلاف، ولا مفر أمامه».

ونتنياهو رغم ذلك لا يفهم أمرا أساسيا. ثمة عامل جديد هنا. في السنوات الأخيرة تبلورت هنا خطوط أخرى للسياسة الإسرائيلية يقودها أناس مختلفون. وأمام أنظارنا تنبت ظاهرة مثيرة. الجيل الجديد، من أبناء وأحفاد الجيل المؤسس، يأخذ بيديه السلطة بعدما دارت، بحسب رأيهم، زمنا طويلا بأيدي مجموعات الأقلية. لبيد وبينت يتحدثان عن ذلك. رأينا في الخطابات. ولبيد، كما يبدو، يفضل الجلوس في المعارضة على البقاء في الحكم مع الحريديم. وبالتأكيد ليس مع الزعبيين.

ما العمل؟ وهذا بات واضحا، لن يقيم نتنياهو ائتلافا من دون الحريديم. وهو لن يضع رأسه بين يدي لبيد وبينت. وهو يظن أنهما يعدان له لغما من مرحلتين. هما سيدخلان الحكومة من دون الحريديم، وسيخرجان منها حينما يكون مريحا لهما وحينها سيدعو الحريديم من الخارج، لكنهم سيكونون عميقا بين يدي إيهود أولمرت. وهذا الأسبوع تلقى نتنياهو تهديدا على هذا النحو. الحريديم ذكروه أنهم بنوا له الحكومة الحالية، بعدما رفضوا كل مساعي تسيبي ليفني. ونصحوه: «لا تختبرنا ثانية».

في نهاية هذا الأسبوع عادوا يتحدثون عن حكومة ضيقة، تعد 69 نائبا من الليكود بيتنا، البيت اليهودي، شاس، يهدوت هتوراه، الحركة وكديما. هذا ليس مثاليا. نتنياهو يكره هذا الخيار، وبحق. هذه حكومة الماضي. إنها العودة للمعسكرات السياسية، اليمين في مواجهة اليسار. وعلى الدوام يمكنهم إلقاء الذنب على يائير لبيد.

 

ماركة فايغلين

 

يمر موشي فايغلين، عضو الكنيست الجديد من الليكود بيتنا، بأمر ما. في العام الأخير يعيش، زيفا أو حقيقة، حالة اعتدال ذاتي، واهتمام بالآخر، وحرص على الكلام الموزون، وتظاهر بسلوك سياسي منطقي، عديم الصفقات، إضافة إلى أقوال لطيفة أعدت لتحويلة إلى سياسي شرعي، بعيدا عن صورته الكهانية، كشخص يستحق أن يقود لاحقا الليكود والدولة.

ونال سلوك فايغلين هذا مكاسب. وخلافا للماضي، لم يفرض رئيس الحكومة الفيتو ضد انتخابه عضو كنيست في الليكود. فقد أقنعه مقربوه بأن فايغلين تغير فعلا وأنه لا يعد قوائم تصفية في الانتخابات التمهيدية ولا يبني لنفسه قوة اعتراض في الكنيست. وفايغلين الذي سبق وقال ان «نتنياهو متقلب، وإخلاصه لأصدقائه وآل بيته الاقربين مشكوك فيه»، حظي بالوقوف إلى جانب رئيس الحكومة في حدائق المعارض، معا برفقة أعضاء الكنيست الجدد.

ويبذل فايغلين ورجاله جهدا ومالا كثيرا لبناء الشخصية الجديدة له. ويوم الاثنين سيعرض في متحف تل أبيب فيلم «اللغز - الرجل الذي لا يريدونكم أن تسمعوه» وهو عن شخصية فايغلين الجديدة، اللطيفة، المؤدبة، وليست لمنتهك القانون الذي حكم بالسجن لدعوته إلى التمرد. وهو ليس طبعا صاحب المواقف غير المتسامحة الذي دعا قبل عشر سنوات الحاخامات للتعامل مع قوات الأمن والقضاء على أنهم «قوات سياسية غير شرعية».

وهكذا، بدلا من فايغلين الذي يرى في إقامة الهيكل الثالث هدفا استراتيجيا ستجدون فايغلين في الفيلم قادما من عائلة علمانية ويقرر: «أنا لا أصنف نفسي كشخص متدين، ولو أن القانون يلزم بوضع الكيبا على الرأس لما اعتمرتها». هذا فايغلين نفسه الذي كتب أن «إله المسلمين، ومحمد المقدس، قوي متوحش ومخادع». والرجل الذي طالما دعا لطرد العرب يعلن في الفيلم «أنا ضد الطرد الإجباري. لا حق لليهودي في إيذاء العربي».

وهكذا دواليك. فايغلين المعجب بالقاتل باروخ غولدشتاين والمقتنع بأن اغتيال اسحق رابين مؤامرة سياسية يجلس الآن مع أبراهم بورغ الما بعد صهيوني ليجريا مصالحة. بعد خطاب فايغلين في الكنيست تقدمت منه المرشحة لمنصب وزيرة في الليكود تسيبي حوتبولي ووصفته بأنه ثوري وصاحب رؤيا، بالضبط مثل بنيامين زئيف هرتسل، وليس أقل.