تجنيد الأصوليين يلحق مصيبة بالجيش الإسرائيلي

بقلم: اوري افنيري
أقسمتُ الولاء للجيش الاسرائيلي في يوم تأسيسه، في حرب العام 1948. خدمتُ في سرية "ثعالب شمشوم"، أم كل الوحدات الخاصة. كنا "وحدة مختارة" (على الاقل في نظر أنفسنا). كرهنا المتملصين من الخدمة، وبالاساس الساعين الى الوظائف ممن ارتدوا بزات مكوية ومكثوا في الخلفية. 
وأستبق الحديث بهذه الملاحظة كي تفهم جملتي التالية على نحو مناسب: أنا ضد المساواة في العبء! اعارض خدمة الاصوليين في الجيش سواء من الناحية العملية أم من الناحية الاخلاقية. 
من الناحية الاخلاقية: علينا أن نعترف بخصوصية الطائفة الاصولية. فهي تختلف عن باقي فئات الشعب. وسيكون هناك من يقول: هذا شعب آخر، مثل المواطنين العرب. بل ربما اكثر. لا يوجد ضابط يتوق لتجنيد المواطنين العرب. فكرة تسليح الشبيبة العربية وتدريبها العسكري تثير لدى الجيش الاشمئزاز. فكرة تجنيد الاصوليين لا تقل سخافة، وان كان لاسباب اخرى. 
عارضتُ الطائفة الاصولية الصهيونية منذ عهد هرتسل، لاسباب عميقة من الايمان. هذه الطائفة تعيش في اسرائيل في منفى، مغلقة ومنطوية على نفسها. والمطلب القاضي بان ترسل شبابها، مواصلي دربها، الى مجتمع الاغيار الاسرائيليين، بصحبة السائبات، أسوأ من المطالبة بان يأكلوا الخنزير. الحاخامون محقون بزعمهم انه بعد الخدمة في الجيش سيكون الشباب ضائعين وغير جديرين بالعودة الى الطائفة الاصولية. 
أما الاقتراح باستبدال الخدمة العسكرية بـ "خد
aمة مدنية" فمرفوضة من اساسها. اذا ما تحققت، فستكون النفقات هائلة، وسيقع ضرر بالعاملين العاديين وستكون المنفعة قليلة. وبالاساس: هذا ليس "مساواة في العبء". يجب ببساطة الاعتراف بان هذا جمهور خاص، مختلف من كل النواحي، ويحق له أن يعيش حياته دون أن تتحرش به الدولة. ومن الجهة الاخرى فان الدولة لا ينبغي لها أيضا ان تمولها. 
أنا ملحد تماما. وأتبنى فكرة الفصل التام بين الدين والدولة. وأمقت الاحزاب الدينية. ولا افكر باي دين. ولكن هذا لا يمنعني من أن اشعر بالتعاطف تجاه ذوي المعتقدات المختلفة. كما احتقر السياسيين الذين يحاولون الاندفاع نحو الحكم على ظهر الكراهية الدينية. 
ومن الناحية العملية: هذه ستكون مصيبة للجيش الاسرائيلي. تجنيد الاصوليين سيملأ صفوف الجيش بعشرات الاف الجنود الذين سيكرهون الجيش الاسرائيلي وكل ما يرمز اليه. هؤلاء الجنود لن يطيعوا الا اوامر الحاخامين، وسيرفضون اطاعة أوامر قادتهم عندما يقول الحاخامون لهم افعلوا ذلك. الكثيرون سيقضون فترة خدمتهم في السجن رقم 6. اما محاولة فرض الخدمة المتساوية (حقا متساوية) على جموع الاصوليين فستؤدي الى اضطرابات لا يحمد عقباها. 
لا حاجة الى الجيش الاسرائيلي لهؤلاء الجنود. فأنا أعرف ضباطا ينتظرون تجنيدهم بقلق. واذا ما جندوا، لا سمح الله، فانهم سيغيرون تماما طبيعة الجيش. فكرة إقامة معسكرات خاصة للوحدات الاصولية، فيها حاخامون ومدارس دينية، هي فكرة شوهاء. من الواضح أنه لا يمكن لاي مجندة أن تدخل الى مثل هذه المنشأة. من المفهوم أن "المساواة في العبء" ستضخم اكثر فأكثر ميزانية الدفاع المتضخمة على اي حال. 
يوجد حل بسيط لمشكلة "المساواة في العبء": وضع حد للخدمة الالزامية القديمة. فأفضل الجيوش في العالم وضعوا حدا لها منذ زمن بعيد، لصالح جيش متطوعين مهني. في عصرنا، المعركة لم تعد صداما بين كتلتين بشريتين مثل معارك ووترلو وبورودينو. الجيش الحديث هو جسم مهني صغير، يستخدم عتادا متطورا، يستوجب اختصاصا وتجربة. وكلما كان الجيش اكبر واكثر انتفاخا تكون نجاعته أقل.
مرت أزمنة كانت فيها الخدمة الالزامية مثالا متطورا. اليسار تبناها كي يمنع الحكام المطلقين من استخدام الجيش ضد الشعب. وعندنا كان التجنيد الالزامي جزءا من المثال الجماعي للصهيونية الاشتراكية. تلك العهود انقضت منذ زمن بعيد. آجلا أم عاجلا سيتعين على اسرائيل أيضا أن تتبنى لنفسها جيشا يقوم على اساس التطوع والمهنية. 
سيكون هناك من سيدهشون من قلقي على الجيش الاسرائيلي. تعاطفت مع الجيش الاسرائيلي الى أن جعلوه شرطة احتلال. وأنا واثق من أن الاحتلال سينتهي ودولة اسرائيل ستعيش بسلام وصداقة مع دولة فلسطين التي ستقوم الى جانبها. ولكن في المستقبل ايضا، مثل الدول الاوروبية التي بعد مئات السنين من الحروب تعيش بسلام رائع الواحدة الى جانب الاخرى، فان دولة اسرائيل هي الاخرى بحاجة الى جيش صغير، مدرب، ناجع ومهني.

 هآرتس