إسرائيل تفرض تصاريح لدخول مناطق وبلدات شمال غرب القدس ومخاوف من ضمها

إسرائيل تفرض تصاريح لدخول مناطق وبلدات شمال غرب القدس ومخاوف من ضمها

زمن برس، فلسطين:  تتزايد مخاوف الفلسطينيين من أن يشكّل قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي تصنيف حي الخلايلة، وقريتي النبي صموئيل، وبيت إكسا في شمال غرب القدس المحتلة وسط الضفة الغربية "مناطق تماس" لن يسمح بدخولها إلا بتصاريح خاصة، خطوة عملية جديدة نحو الضم التدريجي للمدينة المقدسة ومحيطها. ومنذ صباح اليوم السبت، بدأ الاحتلال تطبيق القرار الذي يلزم السكان بالحصول على بطاقات وتصاريح خاصة لدخول قراهم، في إجراء يرى فيه الأهالي أداة لعزلهم عن محيطهم الفلسطيني وتقييد حركتهم، بما يفتح الباب أمام تغييرات ديمغرافية وجغرافية واسعة تخدم المخططات الإسرائيلية لفرض السيطرة الكاملة على القدس المحتلة.

وكانت إدارة الارتباط التابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة قد أعلنت، في 14 سبتمبر/أيلول الجاري، أن حيّ الخلايلة، وقريتي النبي صموئيل، وبيت إكسا سيتم إعلانها "مناطق تماس"، وسيتم إصدار وتوزيع تصاريح وبطاقات "ممغنطة" للسكان الدائمين هناك. عملياً هذا ما فرضته قوات الاحتلال منذ صباح اليوم، إذ توجّه سكّان المناطق المذكورة إلى مكاتب الارتباط التابع للاحتلال؛ واستلموا تصاريح تسمح بدخول مناطقهم.

وقال رئيس بلدية بيت إكسا، مراد الكسواني لـ"العربي الجديد" إن "سلطات الاحتلال أبلغت البلدية قبل عدّة أيام بتصنيف القرية ضمن ما تُعرف بمناطق التماس، وهي مناطق تقع خلف جدار الفصل العنصري مباشرة وتجاورها مستوطنات إسرائيلية مثل "راموت، والنبي يعقوب، وجفعات زئيف"، مضيفاً أنه "وفق الإجراءات الإسرائيلية ستقدم بطاقات إقامة وتصاريح دخول للسكان".

"مناطق تماس"

وحول مفهوم مناطق التماس، أوضح الكسواني: "هي مناطق يسكنها فلسطينيون خلف جدار الفصل العنصري مباشرة، إذ إننا في بيت إكسا، نعيش ضمن حدود القدس، لكن الاحتلال صنّفنا مناطق تماس بحجة قربنا من المستوطنات، معتبراً هذه المناطق فواصل بين القدس المحتلة والضفة الغربية، ويفرض على سكانها نظام تصاريح صارماً، ما يقيّد حرية الحركة ويحدّ من الوصول إلى أراضينا".

وتابع: "حتى الآن، لم يحصل سكان بيت إكسا على هذه البطاقات، بينما وزعت بالفعل على قريتي النبي صموئيل وحي الخلايلة، وستصلنا خلال أيام، ولا يمكن رفض القرار لأن ذلك يعني منع الدخول إلى بيت إكسا، ما يجعله مؤثراً على حياة آلاف السكان". وأردف الكسواني: "نحن على تواصل دائم مع الارتباط الفلسطيني، وقد أبلغنا الأجهزة الأمنية ومحافظة القدس بما حدث، كما أن محامياً متخصصاً سيطلع خلال اليومين المقبلين على تفاصيل القرار، لمعرفة حيثياته وتحديد إمكانية تقديم اعتراض إذا استدعى الأمر".

وشدّد رئيس البلدية على أنه "رغم هذا التصنيف، فإن البلدية تابعة للسلطة الفلسطينية إدارياً في كل أمورها، بما يشمل التراخيص المباني والأراضي، والخدمات المحلية"، مشيراً إلى أن سكان بيت إكسا يواجهون تحديات كبيرة "فالقرية تضم نحو 5000 نسمة، منهم حوالي 2000 يحملون هوية إسرائيلية زرقاء منذ فترة طويلة، و2000 آخرين يحملون هوية الضفة الغربية الخضراء، بينما يعيش نحو 1000 شخص خارج البلدة في قرى الضفة الغربية، خاصة في رام الله، وما زال وضعهم مع القرار غير مفهوم، وهو ما يثير مخاوف من منعهم من دخول القرية نهائياً".

ولفت الكسواني إلى أن الإجراءات الإسرائيلية تأتي بزعم ضبط حركة السكان ومراقبتهم، موضحاً أن "منطقة بيت إكسا مفتوحة على القدس والضفة الغربية، والحاجز على المدخل الشمالي قائم منذ عام 2010 بشكل دائم، لكن بعد القرار سيسمح بالدخول فقط لحاملي تصاريح مناطق التماس، وأي إجراء يخص دخول البلدة أصبح صارماً، ولا يسمح لأحد دخول القرية بعد ذلك". وكشف أنه "في الوضع السابق كان يسمح لأي شخص بالدخول بعد تسجيل هويته لدى موظف البلدية عند حاجز البلدة، وهذا وضع قائم منذ عام 2014 وبتنسيق مع الارتباط الفلسطيني، لكنّ هذا الحال اختلف حتى لم يعد أيّ دور للبلدية في ذلك، وبات القرار للاحتلال في السماح والمنع بالدخول للبلدة".

إجراء يمس الآلاف

من جانبه، أوضح المستشار الإعلامي لمحافظة القدس، معروف الرفاعي، لـ"العربي الجديد" أنّ "من يتأثر بهذا القرار هم السكان الأصليون الذين يقيمون خارج القرية؛ هؤلاء لن يُسمح لهم بالدخول، حتى لو كانت عناوين إقامتهم أو ولادتهم مذكورة في هوية بيت إكسا". ويبلغ عدد المتأثرين بهذا الإجراء أكثر من 3200 مواطن، بينهم نحو 400 في حي الخلايلة، و400 في حي النبي صموئيل، بحسب الرفاعي.

وأكد أن هذا الإجراء يشكّل "خطوة نحو ضمّ الأراضي في القدس الشرقية واعتبار السكان الأصليين مقيمين مؤقتين، ما يعني على المدى الطويل انخفاضاً في أعداد السكان"، موضحاً أن من سيتزوج من خارج هذه المناطق لن يُسمح له بتغيير عنوانه في الهوية. وحذر من أن عزلة القرى والبلدات ستؤثر مباشرة على التركيبة الديمغرافية للمناطق شمال غرب القدس، قبل أن يستدرك "سنلتقي بالارتباط الفلسطيني غداً الأحد، لمتابعة آثار القرار وتبيان الصورة بشكل أدق".

بدوره، رأى عضو هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس، مازن الجعبري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القرار يمثل تقليصاً لصلاحيات السلطة الفلسطينية، ويزيد من الإجراءات المفروضة على السكان"، موضحاً "هذا الموضوع في جوهره إجرائي أمني، الهدف منه زيادة القيود على السكان والتحكم في حركتهم بشكل أكبر، خصوصاً بعد العملية الأخيرة في القدس بتاريخ 8 من هذا الشهر، التي أسفرت عن مقتل سبعة إسرائيليين، وقد انطلق منفذوها من قرى شمال غرب القدس".

وتابع الجعبري: "هذا القرار يأتي ضمن إجراءات تهدف إلى تهجير السكان تدريجياً، عبر مخططات ضم تدريجية، ما يجعل المقدسيين وسكان الضفة في وضع صعب، لا سيما أن هذه الخطط جزء من سياسات إسرائيلية تُحاك لمناطق القدس". وتوقع أن تتوسع هذه المخططات بعد اللقاء المقبل بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ سيُناقش وضع القدس وعمليات الضم بشكل تدريجي أو متسارع، مشيراً إلى أنه "لا يمكن فصل ما جرى من إغلاقات وبوابات في الضفة عن فصل هذه القرى عن القدس وعن الضفة الغربية".

ولفت الجعبري إلى أن "هذا الإجراء يحاكي ما حدث عام 2006، عندما أقامت إسرائيل سوراً شمال مدينة القدس بالقرب من بيت حنينا وقلنديا، وفصلت منطقة الرام عن القدس، ومنعت السكان من دخول المدينة وهو ما يعيد تكرار نفس التجربة اليوم"، مضيفاً أن "قرى شمال غرب القدس جزء من محافظة القدس، لكن بعد عام 2005 عُزلت بالكامل عن المدينة، وأصبح لها ممر يربطها بالضفة الغربية دون أي طريق مباشر إلى القدس".

جدار الفصل العنصري في بلدة الرام شمال شرق القدس المحتلة، 6 نوفمبر 2018 (Getty)

وتقدّر أعداد سكان شمال غرب القدس بحوالي 50 ألف مقدسي فلسطيني يعيشون في عزلة ضمن مناطق القدس الغربية، ويحاول الاحتلال أن يطاول بهذا الإجراء جميع سكان شمال القدس تدريجياً، وفق الجعبري.

حماس: قرار إصدار التصاريح لسكّان شمال غرب القدس تطبيق عملي للسيطرة الكاملة

حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، اعتبرت أنّ قرار إصدار التصاريح والبطاقات لسكّان شمال غرب القدس "يمثّل تطبيقاً عملياً لنهج الاحتلال الرامي لعزل المدينة وتقطيع أوصالها وصولاً للسيطرة الكاملة عليها". وقال مسؤول مكتب شؤون القدس في الحركة، هارون ناصر الدين، في بيان له، اليوم السبت، إنّ "القرار يكشف بوضوح أن الاحتلال يتعامل مع هذه المناطق باعتبارها أراضي إسرائيلية، ما يشكل إعلان ضمّ فعلياً وخطوة خطيرة نحو تكريس سياسة الفصل العنصري وتهجير المقدسيين من بلداتهم".

وأشار ناصر الدين إلى أنّ هذا الإجراء "يأتي في سياق متصاعد من الانتهاكات اليومية في القدس المحتلة، من اقتحامات متكررة للمسجد الأقصى المبارك، إلى سياسة هدم المنازل، واعتقال الشبان، وفرض القيود على حركة المقدسيين، بهدف إفراغ المدينة من أهلها الأصليين وفرض واقع استيطاني جديد".