اعتراف دول غربية بفلسطين: خطوة ضعيفة لا تردع إسرائيل

زمن برس، فلسطين: تدلّ تصريحات وأفعال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزرائه على أنهم لا يولون أهمية لإعلان الدول الغربية عن عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولا يتعاملون معها بجدية. فقد أعلن الإسرائيليون رفضهم لها، ووصفوا الإعلانات الغربية بأنها "جوفاء" و"جائزة للإرهاب"، وقال نتنياهو لنظيره البريطاني إن الدولة الفلسطينية ستكون "دولة جهادية".
ولا يبدو حاليًّا أن إعلان الدول الغربية سيردع إسرائيل ويجعلها توافق على وقف حرب الإبادة التي تشنّها على غزّة، أو وقف الحرب الزاحفة في الضفّة الغربية، بل إنّ إسرائيل تخطّط لتصعيد الحرب ومواصلة قتل الفلسطينيين وتجويعهم، وصولًا إلى التهجير من قطاع غزّة، في ظلّ تحليلات إسرائيلية لا تستبعد أن يكون ذلك تمهيدًا لتنفيذ تهجير الفلسطينيين من الضفّة أيضًا.
الأحزاب الحريدية انضمّت إلى حكومة نتنياهو من أجل تحقيق مكاسب فئوية للمجتمع الحريدي، وفي مقدّمتها منع تجنيد الحريديين للجيش، وهو هدف يسعون لتحقيقه وبنجاح منذ تأسيس إسرائيل، ويدركون أن استمرار تحقيقه سيكون من خلال سنّ قانون يُعفيهم من الخدمة العسكرية، وأن سنّه سيكون من خلال الحكومة الحالية فقط، وباستغلال ظروف نتنياهو، الذي يخضع لمحاكمة بتهم فساد، ولذلك يدعمون سياسته في كافة المجالات، وخاصة إضعاف جهاز القضاء.
أحزاب اليمين الاستيطاني الخلاصي انضمّت إلى حكومة نتنياهو حاملة أجندة كاملة وواضحة: توسيع الاستيطان في الضفّة الغربية، محاصرة الفلسطينيين في مدنهم وقراهم ومنع توسيعها، تهجير جميع الفلسطينيين الذين يعيشون حياة البداوة عن أراضيهم ومراعيهم والاستيطان مكانهم، ثم تنفيذ مخطّط الضم. وكان هدفهم إبعاد الفلسطينيين عن أنظارهم، بانتظار فرصة سانحة لتنفيذ الترانسفير.
وهم يرون أن حزب الليكود بزعامة نتنياهو هو دفيئة لهم لتنفيذ أجندتهم، بعد تطهيره من "الليبراليين". فقبل تزعم نتنياهو، لم يكن الليكود يوافق على ضمّ أحزاب يتزعمها تلاميذ الحاخام الفاشي، مئير كهانا، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. أمّا الآن، فمعظم أعضاء الكنيست من الليكود لا يختلفون عن أعضاء حزبي سموتريتش وبن غفير.
ويعتبر اليمين الاستيطاني أن الفرصة باتت سانحة في الحرب على غزّة، للتهجير من غزّة كمقدّمة لتهجير لاحق من الضفّة. وسموتريتش صرّح مرارًا وتكرارًا في الأيام الأخيرة بأن "غزّة هي جزء لا يتجزّأ من أرض إسرائيل"، وأنه "لا أريد العودة إلى غوش قطيف (الكتلة الاستيطانية السابقة في قطاع غزّة)، فهي صغيرة جدًّا. وهذا (الاستيطان) ينبغي أن يكون أكبر بكثير وأعرض بكثير. غزّة تسمح بالتفكير بشكل أكبر".
وقال سموتريتش، هذا الأسبوع، إنه في الضفّة الغربية "نُنفّذ ثورة. نفرض سيادة فعليّة، أعمال بناء من خلال تسوية (أي شرعنة بؤر استيطانية)، مصادرات وتغيير DNA النظام كلّه، وشقّ شوارع"، وأضاف أن الحكومة الحالية ستفرض "سيادة إسرائيلية رسمية" في الضفّة.
بالأمس، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن نتنياهو يدفع خطوات قابلة للتنفيذ في سياق تهجير الغزيين، من أجل منع بن غفير من الانسحاب من الحكومة، وأن هذه الخطوات تشمل مداولات أسبوعية وتقاسم صلاحيات، وأن نتنياهو أوعز للموساد بتسريع الاتصالات التي يجريها مع دول مرشّحة لاستيعاب المهجّرين من غزّة، وبينها إثيوبيا وليبيا وإندونيسيا، وأن الإدارة الأميركية مطّلعة على هذه الاتصالات. كما تعهّد نتنياهو لسموتريتش بضمّ مناطق من القطاع إلى إسرائيل.
هذه المخطّطات الإسرائيلية، وخاصة تلك المتعلّقة بالضفّة الغربية، تبلورت منذ سنين طويلة، والتهجير من غزّة خلال السنتين الأخيرتين، وجميعها معروفة للعالم، الذي لم يبقَ صامتًا وحسب حيالها طوال هذه السنين، وإنما دعم إسرائيل وسلّحها وموّلها باستثمارات هائلة. ولذلك، فإنّ إعلان الدول الغربية أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية لا يزيد عن كونه تصريحًا كلاميًّا، ولن يمنع تنفيذ المخطّطات الإسرائيلية الخطيرة ضدّ الفلسطينيين والتي تستهدف وجودهم. ما يمكن أن يرفع هذا الخطر عن الفلسطينيين هو ضغط أميركي. فنظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا استمرّ بالبقاء رغم العقوبات الأوروبية عليه، لكنه انهار لاحقًا بعد فرض العقوبات الأميركية عليه.
"ضمّ من خلال الفصل" في الضفّة
منذ بداية الحرب على غزّة، نصب الجيش الإسرائيلي مئات الحواجز العسكرية في أنحاء الضفّة الغربية، إلى جانب إغلاق مخارج بلدات فلسطينية بواسطة أكوام تراب مرتفعة ومكعبات إسمنتية أو بوّابات حديدية، ووصل عدد هذه العراقيل إلى 900 في بداية حزيران/يونيو الماضي، وارتفع عددها أكثر خلال الحرب التي شنّتها إسرائيل ضدّ إيران، وتسبّب بمنع خروج الفلسطينيين إلى الشوارع والتوجّه إلى بلدات مجاورة.
وعرقلت هذه الحواجز والإغلاقات وصول البضائع إلى البلدات الفلسطينية، وتسبّبت بنقص منتجات مثل الغاز البيتي والطحين للمخابز وبضائع أساسية أخرى للحوانيت، كما أن المزارعين لم يتمكّنوا من نقل منتجاتهم الزراعية التي تفسد بسرعة مثل الخضار ومنتجات الألبان، وتكبّدوا خسائر مالية كبيرة. ولم تتمكّن خدمات الطوارئ، مثل سيارات الإسعاف والإطفاء، من التنقّل في هذه البلدات. وفي غضون ذلك، دمّر مستوطنون معدات زراعية، وشقّوا شوارع، وعمّقوا سيطرتهم على الأراضي الزراعية الفلسطينية.
خلال السنة الأخيرة نُشرت عدة تقارير حول هذه الحواجز في الضفّة وتبِعاتها الخطيرة، بينها تقرير نشره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، حول تقييد حرية تنقّل ملايين الفلسطينيين، وتقريران نشرتهما منظمة "كرم نابوت" الحقوقية الإسرائيلية حول منطقتي بيت لحم وجبل الخليل، وربطا بين تقييد حرية التنقل وبين المناطق التي يحاول المستوطنون السيطرة عليها، وأكّدا على أن هذه الحواجز هي استمرار للسياسة الإسرائيلية منذ سنوات طويلة.
وأفاد الباحث أفيف تتارسكي، في تقرير نشره موقع "محادثة محلية" الإلكتروني، أول من أمس الأربعاء، بأنّ الحواجز والإغلاقات للبلدات الفلسطينية تهدف إلى "تخليد السيطرة الإسرائيلية على الضفّة الغربية كلّها، أو على مناطق واسعة فيها على الأقل، وإنشاء فصل مطلق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن الفكرة الأساسية هي منع الفلسطينيين من الوصول إلى المناطق C، والفصل بين الجيوب الفلسطينية في المناطق A وB".
ووصف تتارسكي هذا المخطّط بأنه "ضمّ من خلال الفصل" يقود إلى "تطهير عرقي للضفّة الغربية". وأضاف أنه "فيما كانت الأنظار متجهة نحو إيران، في منتصف حزيران/يونيو، نفّذت إسرائيل هذا المخطّط كتجربة أولية. وطالما لا يوجد ردّ فعل مضاد، ستتمكّن إسرائيل من تنفيذ هذا المخطّط بالكامل متى تشاء".
وركّز الباحث في تقريره على محافظة سلفيت، وشدّد على أنه "بواسطة الحواجز وإغلاق البلدات، فكّكت إسرائيل عمليًّا محافظة سلفيت إلى جيوب فلسطينية منفصلة عن بعضها". وأضاف أن التنكيل بالفلسطينيين "موجود في صلب الإستراتيجية الإسرائيلية التي تسعى إلى طرد الفلسطينيين"، ولفت إلى شعارات عُلّقت في الشوارع وكُتب فيها أن "لا مستقبل لكم في فلسطين".
في هذه الأثناء، تستمرّ إسرائيل ومستوطنوها، يوميًّا، في قتل الفلسطينيين في الضفّة الغربية والاعتداء على أملاكهم ونهب أراضيهم لتوسيع المستوطنات، بدون محاسبة من أي جهة. وحتى بعد زيارة السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، لقرية الطيبة قرب رام الله بعد اعتداء المستوطنين وإحراق كنيسة فيها، اعتدى المستوطنون على القرية مجددًا وأحرقوا سيارات فيها، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه لم يتعرّف على مشتبهين في هذا الاعتداء.
وتعتزم حكومة نتنياهو دفع مخطّط استيطاني يشمل 3412 وحدة سكنية، في المنطقة المعروفة باسم E1 الواقعة شرق القدس الشرقية. ومن شأن تنفيذه أن يفصل بشكل كامل بين شمال الضفّة وجنوبها. ويعقد "مجلس التخطيط الأعلى" في وحدة "الإدارة المدنية" التابعة للجيش الإسرائيلي، وتخضع لمسؤولية سموتريتش، اجتماعًا يوم الأربعاء المقبل، بحجّة استكمال الاستماع للاعتراضات على هذا المخطّط.
وتحاول إسرائيل دفع هذا المخطّط الاستيطاني منذ تسعينيات القرن الماضي بدون نجاح، بسبب معارضته في إسرائيل والعالم. وحاول نتنياهو دفع هذا المخطّط، في الأعوام 2012 و2020 و2023، لكنه اضطر إلى وقف دفعه بسبب معارضة الولايات المتحدة. وليس واضحًا كيف ستتصرف إدارة ترامب في حال قرّرت إسرائيل تنفيذ المخطّط.