تهريب الأسلحة من غزة: كيف وصل سلاح القسّام إلى الطيبة؟

تهريب الأسلحة من غزة: كيف وصل سلاح القسّام إلى الطيبة؟

زمن برس، فلسطين:  وحين عملت الشرطة وتحديدا الوحدة المركزية في لواء (لخيش) أثناء تحقيق سري وصلت إلى مسار تهريب الأسلحة، إذ ضبطت المجموعة التي كان ضمنها الجندي، وهذه المجموعة هي التي قررت بيع الأسلحة إلى مجموعات جنائية وعناصر في المنظمات الإجرامية. خلال العملية، ضبطت أسلحة استخدمتها كتائب القسام من نوع (كلاشينكوف AK 47) وصاروخ لاو يستخدمه الجيش الإسرائيلي، ولبنات متفجرة تستعمل لتصنيع العبوات الناسفة المهنية، ومصدر هذه اللبنات الجيش الإسرائيلي. كل هذه الأسلحة كانت في طريقها إلى المنظمات الإجرامية في المجتمعين العربي واليهودي.

قطاع غزة كمصدر آخر لسلاح الجريمة

يُعد قطاع غزة، في هذه الأيام، مصدرا آخر لتهريب الأسلحة إلى المنظمات الإجرامية والمجموعات الجنائية التي تتخصص في تجارة الأسلحة إلى جانب الأطراف الأخرى، والتي في الغالب وجهتها المجتمع العربي بسبب الطلب الكبير على الأسلحة غير المرخصة، بسبب الصراعات الدموية الدائرة بين المنظمات الإجرامية والعصابات وبعض العائلات المختلفة، ولعل أكبر مثال على ذلك هو أن السلاح المستخدم في جرائم القتل الأخيرة هو (كلاشينكوف AK 47) والذي بغالبه يُهرّب من جنوبي البلاد.

كانت صحراء سيناء الوجهة الأولى لتهريب سلاح (كلاشينكوف AK 47)، إذ أن قوات الأمن المصرية تستخدم هذا السلاح سواء للجيش أو الشرطة، ويتوفر السلاح في سيناء بكثرة، لكن الآن، بات هذا السلاح أيضا يُهرّب من قطاع غزة، من قبل جنود في الجيش الإسرائيلي، الذين يشاركون في الحرب على القطاع. في يوم 7 نيسان/ أبريل 2024، اقتحمت الشرطة الاسرائيلية منزل جندي احتياط في مدينة الخضيرة بعد عودته من المشاركة في الحرب بقطاع غزة، وعثرت في منزله على مسدس من نوع (غلوك) وذخيرة بكمية كبيرة لسلاح كلاشينكوف وأمشاط ذخيرة للسلاح وكاتم للصوت، وبعد إجراء التحقيق تبين أن الأسلحة والذخيرة قام الجندي بتهريبها من حي الشجاعية في قطاع غزة.

وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر 2023، اعتقلت الشرطة جنديين من لواء (غفعاتي) بعد هرّبا أسلحة كلاشينكوف من مدينة خان يونس، بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على مخزن للأسلحة يعود لكتائب القسام.

عبوات ناسفة وصواريخ لاو

في يوم 22 أيار/ مايو 2024 هزّ انفجار أركان مدينة الطيبة، وتحديدا قرب المدخل الشمالي. سُمع دوي الانفجار في الأحياء الجنوبية وأطراف المدينة، كان هذا الانفجار بسبب عبوة ناسفة زُرعت في الجزء السفلي لمركبة ما أسفر عن إصابة شاب بجروح خطيرة.

وفقا الشرطة، العبوة كانت تحمل كمية كبيرة من المواد المتفجرة، شُغّلت عن بعد، واعتبرتها الشرطة عبوة صُنعت بطريقة مهنية، والمواد المتفجرة التي صُنعت منها يشتبه بأنها من لبنات مهربة من معسكرات الجيش الإسرائيلي.

في يوم 15 آذار/ مارس 2024 أطلق جناة ملثمون صاروخ لاو على مركبة في قرية جديدة المكر، في محاولة لاغتيال شاب في إطار صراعات بين المنظمات الجنائية دون أن تتسبب بإصابات. وفي مدينة الرملة، في ذلك الأسبوع، عثرت الشرطة على صاروخين مشابهين. هذه الصواريخ هُرّبت من معسكرات الجيش الإسرائيلي.

بالإضافة إلى الصواريخ التي هُرّبت من معسكرات الجيش، فإن كميات كبيرة من المواد المتفجرة هُرّبت أيضا ووصلت إلى أيدي المنظمات الإجرامية في المجتمع العربي، والتي تستخدم لتصنيع العبوات الناسفة المهنية، وليست البدائية. وليس من قبيل الصدفة أننا نشهد ارتفاعا في استخدام التفجيرات كوسيلة للتصفيات في الصراعات الدموية.

منذ السابع من أكتوبر، فُجّرت 19 مركبة بعبوات ناسفة زُرعت فيها، وفقا لمعطيات من الشرطة، أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص كان آخرهم الشاب ربيع نعيم من قرية أبو سنان بعد انفجار عبوة في شاحنة كان يقودها. تتم عمليات التهريب هذه من معسكرات الجيش الإسرائيلي بسبب الثغرات الكثيرة التي حصلت بسبب الحرب على قطاع غزة، والتي أدت إلى انعدام الرقابة على الأسلحة والمواد المتفجرة المخزنة هناك، هذه الثغرات استغلها جنود في الجيش الإسرائيلي الذين رأوا بها تجارة مربحة، إذ بلغت أسعار الأسلحة مبالغ طائلة بسبب الطلب المتزايد للأسباب التي ذكرت أعلاه.

قبل السابع من أكتوبر شكلّت معسكرات الجيش الإسرائيلي المصدر الأول للأسلحة التي انتشرت في المجتمع العربي، وهذا باعتراف مراقب الدولة (تقرير مراقب الدولة 2022) الذي كتب في تقريره أن 75% من السلاح في المجتمع العربي مصدره الجيش الإسرائيلي. وفي العام 2015 قال وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، إن 90% من السلاح ا في المجتمع العربي مصدره الجيش الإسرائيلي. لكن، يبدو أن السابع من أكتوبر زاد من حدة تهريب الأسلحة الأمر الذي نراه بنوعية السلاح الفتاك الذي هُرّب للمجتمع العربي ويستخدم في الصراعات الدموية الدائرة كصواريخ لاو، على سبيل المثال لا للحصر.

تجارة مربحة وتحد كبير

تكمن المخاوف بعد السابع من أكتوبر جراء انعدام الرقابة على الأسلحة بشكل عام وبسبب تسليح عشرات الآلاف من الإسرائيليين بقطع سلاح جديدة، والحديث يدور عن أكثر من 280 ألف قطعة سلاح مختلفة وُزّعت على الإسرائيليين (فرق الاستنفار وغيرها) وسط غياب رقابة على هذه الأسلحة، والخطورة من زيادة كبيرة بتسليح المواطنين العرب والمنظمات الجنائية.

يمثل تهريب الأسلحة من المناطق المتأثرة بالحروب وتحديدا قطاع غزة تحديًا كبيرًا للمجتمع العربي، في حين أن أجهزة الأمن الإسرائيلية، سواء الجيش أو الشرطة، لا تبذل جهد أدنى للسيطرة عليه لأسباب مختلفة، سياسية وغيرها. وعلى الرغم من الجهود التي تحاول أن تصدرها الشرطة في هذا المجال، تظهر الكثير من التقارير أن نسبة كبيرة من عمليات تهريب الأسلحة تمر دون أن يتم اكتشافها أو اعتراضها، علما أن الوقائع الميدانية خلال اقتراف جرائم القتل أو محاولات القتل تؤكد هذا تقاعس الشرطة والأجهزة الأمنية.

يعود هذا القصور إلى عدة عوامل، بينها نقص الموارد البشرية والتقنية اللازمة لمراقبة معسكرات الجيش والحدود والمنافذ بكفاءة من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، يتفاقم الوضع بسبب تعقيدات الأوضاع السياسية والعسكرية في مناطق النزاع، خاصة أن أجهزة الأمن على علم كامل بأن هذا السلاح لن يستخدم إلا لأغراض جنائية فلا حاجة لتكثيف الجهود من أجله، فهكذا ترى الحكومات الإسرائيلية المواطن العربي الفلسطيني في الداخل، لا يستحق الحقوق كأي مواطن آخر، بل إنه تهديد أمني وديموغرافي.

ولعل الانتقادات من قبل قيادات عربية تشير إلى أن بعض الأجهزة الأمنية قد تتقاعس وتتواطأ ولا تؤدي دورها بشكل متعمد، أو أنها تتساهل في التعامل مع عمليات التهريب، سواء نتيجة للفساد أو للتواطؤ مع شبكات التهريب. هذا الأمر يعقّد المشكلة أكثر ويزيد من انتشار الأسلحة في أيدي المنظمات الإجرامية مما يؤدي إلى زيادة معدلات العنف والجريمة في المجتمع العربي. وفشل أجهزة الأمن في التصدي لهذه الأسلحة بات مكشوفا ويعكس ضعف الرقابة والمحاسبة، ويثير تساؤلات حول السماح لتسلّح المواطنين العرب.

كما أن تجارة السلاح هي تجارة مربحة، كما ذكرت آنفا، تدور فيها مئات ملايين الشواكل سنويا، وحين يتوفر السلاح وتغيب الرقابة بقصد أو بغير قصد، وتتحول التجارة إلى مربحة فإن المستهدف الأول لهذا السلاح هو المجتمع العربي.