الطاقة مقابل المياه.. هل يعطش الأردن بعد إعلان وقف الاتفاقية؟

الطاقة مقابل المياه.. هل يعطش الأردن بعد إعلان وقف الاتفاقية؟

زمن برس، فلسطين:  "إذا كان قادة الأردن يريدون أن يعطش شعبهم، فهذا حقهم"، هكذا رد رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق نفتالي بينيت، على تصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عقب إعلانه عدم توقيع اتفاقية الطاقة مقابل المياه، مع إسرائيل في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

قناة التلجرام لموقع "زمن برس" https://t.me/zamnpress99

جاءت هذه التصريحات في ظل مطالبات شعبية وحزبية أردنية واسعة، تطالب بعدم توقيع الاتفاقية مع إسرائيل، التي تشن حربًا على قطاع غزة خلّفت ما يزيد عن 14 ألف شهيد، وبالتزامن مع قصف إسرائيلي استهدف محيط المستشفى الميداني الأردني في جنوب القطاع، خلّف 7 إصابات في صفوف كوادر المشفى الميداني.

وتعود الاتفاقية، إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، عندما وقعت الأردن وإسرائيل والإمارات، إعلان نوايا يضمن دراسة اتفاقية تزود فيها دولة الاحتلال، الأردن بـ 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويًا لتغطية احتياجاته المائية، فيما تحصل تل أبيب على الطاقة النظيفة من الأردن لخفض انبعاثاتها الكربونية.

تسبب الإعلان الأردني، في إطلاق تصريحات من نفتالي بينيت، الذي وقعت الاتفاقية عندما كان في رئاسة الحكومة، إذ كتب على منصة "إكس" (تويتر سابقًا): "إسرائيل ليست بحاجة إلى الطاقة، وتوجهت لهذه الاتفاقية من باب واجبها كجار جيد"، لمساعدة من وصفهم بـ "الأردنيين العطشى للمياه"، وفق تعبيره. فهل فعلًا تمثل اتفاقية الطاقة مقابل المياه، حاجةً أساسية أمام الأردن حتى لا يعطش؟

يقول استشاري المياه والبيئة لؤي الفروخ في تصريحات لـ "ألترا صوت"، إن الهدف الأساسي من اتفاقية الطاقة مقابل المياه لم يكن تحسين الوضع المائي الأردني؛ وإنما دمج إسرائيل في المنطقة عبر مشاريع إقليمية متنوعة بين دول عربية، مؤكدًا عدم اضطرار الأردن للاتفاقية.

وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الأردني، عند إعلانه عدم توقيع الاتفاقية، بقوله: "كان هناك حوار إقليمي دولي حول مشاريع إقليمية، وأعتقد أن هذه الحرب أثبتت عدمية المضي بها".

من جانبه، أكد عضو لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب الأردني موسى هنطش، أن "الوضع المائي في الأردن مستقر"، لولا منظومة "فساد شعبي وإداري"، مشيرًا إلى وجود بدائل مائية عدة، يمكن للأردن تنفيذها بشكل مباشر.

 

ما هي البدائل المائية أمام الأردن؟

تتنوع مصادر الأردن المائية بين السطحية والجوفية، إذ تنقسم المياه السطحية إلى جزئين هي، نهر اليرموك الذي يتحكم فيه النظام السوري بشكل أساسي، ويأخذ الأردن حصة محددة منه، ومياه الأمطار التي تختلف وفق المواسم المطرية المتنوعة.

أمّا على صعيد المياه الجوفية، فإن الأردن قد استنزف تقريبًا كافة المياه المتواجدة على عمق يتراوح بين 200 إلى 500 متر، واعتمد على حوض الديسي الذي يعتبر من الأحواض العميقة غير المتجددة ما يعني انتهائه بعد سنوات.

وعن البدائل المائية المتاحة أمام الأردن، يرى هنطش إمكانية مطالبة الأردن، للنظام السوري بزيادة حصته من نهر اليرموك والتي من الممكن أن تصل وفق قوله إلى 650 مليون متر مكعب بدلًا من 150، بالإضافة إلى إبرام عقود شراء بين الحكومة والقطاع الخاص الذي يملك حوالي 1500 بئر محفور يمكن استخدامه لسد الحاجة لمياه الشرب.

ويؤكد هنطش ضرورة الحد من الفاقد المائي، الذي وصل إلى ما نسبته 60%؛ بسبب توجه بعض المواطنين إلى سرقة المياه من الخطوط الرئيسية أو الفرعية بغرض الاستفادة منها في الزراعة أو غيرها. بالإضافة إلى توعية المواطنين بضرورة المحافظة على المياه ومعاقبة الجاني، ومعالجة أي هدر موجود في الشبكات، وبالتالي زيادة كميات المياه التي تضخ إلى الشبكات، وهو ما تعمل عليه وزارة المياه.

من جانبه، قال الفروخ، إن حصص الأردن من المياه قبل اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل، كانت كافية لحل كافة مشاكل الأردن المائية، مضيفًا أن "حقوق الأردن المائية في مياه بحيرة طبريا ومجرى نهر الأردن كانت ستؤمن للأردن حوالي 380 مليون متر مكعب وبالتالي لن يكون بحاجة لأي مشاريع مائية أو غيرها من الحلول".

وتسعى وزارة المياه والري الأردنية كل عام للبحث عن مصادر مياه جديدة داخل المملكة، على أمل زيادة الحصص المائية، وهو ما يراه الفروخ غير مجدٍ، قائلًا: "مصادر الأردن واضحة ومستغلة". مشيرًا في ذات الوقت إلى أن الأردن يمتلك حلولًا مستقبليةً -وإن كانت مكلفة ماديًا-، تتمثل بوجود آبار جوفية عميقة تضم مياهًا صالحة للشرب وأخرى تحتاج معالجة، ما يوفر مخزونًا جديدًا من المياه للأردن مستقبلًا.

وتعتبر منطقة الأغوار بحسب هنطش، منطقة غنية بالآبار العميقة التي يمكن استخراجها وتحليتها ومن ثم ضخها في الشبكات، موضحًا: "إذا نظرنا للأردن من الأعلى سنجد أن لكل محافظة من محافظات المملكة مصدر مياه سواء سطحيًا أو جوفيًا يحقق لها اكتفاءً ذاتيًا".

ويثني هنطش على توجه الوزارة مؤخرًا للحصول على خط ثانٍ من حوض الديسي بحوالي 100 إلى 120 مليون متر مكعب بالتوافق مع السعودية، ما يعتبره خطوة مهمة في زيادة مصادر مياه الشرب في الأردن.

ولا تقف الحلول المائية عند الحكومة الأردنية بحسب هنطش، إذ يؤكد على أهمية دور المزارعين الأردنيين في تخفيض احتياجاتهم المائية بمتوسط 10 إلى 15% عبر تحديث أدواتهم الزراعية، واصفًا إياهم بأعمدة توفير المياه في الأردن.

 

مشروع الناقل الوطني حلٌ استراتيجي

ورغم تنوع الحلول المتوفرة أمام الأردن لزيادة حصصه المائية، إلا أن هنطش والفروخ اتفقا أن كافة البدائل المطروحة لا تعتبر حلًا استراتيجيًا أمام الأردن، وأن الحل الاستراتيجي والمضمون يتمثل بمشروع تحلية مياه البحر الأحمر -مشروع الناقل الوطني-، الذي أعلنت عنه الحكومة الأردنية أواخر عام 2020.

ويهدف مشروع الناقل الوطني إلى تحلية ونقل 250-300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من خليج العقبة على البحر الأحمر إلى جميع مناطق الأردن، حيث تؤمن المرحلة الأولى من المشروع 130 مليون متر مكعب من المياه سيتم خلطها بمياه الآبار من حقل وادي رم لتأمين المياه العذبة لأغراض الشرب.

ويأتي مشروع الناقل الوطني كبديل استراتيجي لمشروع ناقل البحرين الذي كان من المتوقع أن يكون مشروعًا مشتركًا بين الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، لتحلية مياه البحر الأحمر وتوليد الطاقة وإنقاذ البحر الميت من الانحسار، إلا أن دولة الاحتلال أجهضته بعد صرف ملايين الدولارات عليه؛ بسبب رجحان كفة الاستفادة إلى الأردن، وهو ما دفع المملكة للتفكير ببديل وطني استراتيجي لحل مشكلة المياه.

 أين وصل مشروع الناقل الوطني؟

في شهر أيلول/ سبتمبر 2022 أعلنت وزارة المياه تأهيل 5 ائتلافات من أصل 13 لتنفيذ مشروع الناقل الوطني، على أن تقدم عروضها مع نهاية العام الماضي، إلا أن العملية تأخرت عامًا كاملًا، حتى أعلنت الوزارة استقبال العروض بشأن المشروع في 4 من كانون أول/ ديسمبر المقبل، للبدء بإجراءات الغلق المالي واستكمال الإجراءات المتعلقة بالأمور الفنية والمالية.

أكد عضو لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب الأردني موسى هنطش، أن "الوضع المائي في الأردن مستقر"، لولا منظومة "فساد شعبي وإداري"

ويشهد مشروع الناقل الوطني خطوات متسارعة، حيث أكد العاهل الأردني عبد الله الثاني، في عدد من اللقاءات مؤخرًا، أهمية المضي قدمًا في هذا المشروع كأولوية وطنية، فيما تم الإعلان خلال زيارة العاهل الأردني إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، في تشرين الأول/ نوفمبر الماضي، عن حزمة مساعدات أوروبية للأردن، تضمنت تخصيص منحتين لدعم المشروع بقيمة 97 مليون يورو، بالإضافة إلى قرض تنموي من بنك الاستثمار الأوروبي بقيمة 100 مليون يورو لدعم المشروع.

من جهته، يؤكد عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية موسى هنطش، جدية الحكومة في الوقت الراهن للعمل على مشروع الناقل الوطني، مبينًا توفر كلفة المشروع التي كانت تشكل العائق الأكبر أمام انطلاقه والتي تقدر بحوالي ملياري دولار، مشيرًا إلى أن المشروع سيعمل على "ترييح الطبقات الجوفية التي تعتبر المصدر الأساسي للمياه في الوقت الحالي".

هل يمكن العودة إلى الوراء؟

"هل لك أن تتخيلي وزيرًا أردنيًا يجلس إلى جانب وزير إسرائيلي ليوقع اتفاقية تعاون في مجال الكهرباء والمياه بينما تقتل إسرائيل أهلنا في غزة"، هذه التصريحات التي قالها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لاقت استحسانًا كبيرًا لدى الشارع الأردني الذي اعتبر إعلان عدم توقيع اتفاقية الطاقة مقابل المياه انسجامًا واضحًا بين الموقف الرسمي والشعبي، إلا أنه لا زال يعرب عن تخوفه من العدول عن هذا الإعلان عند انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والعودة إلى الوراء برهن المقدرات المائية للدولة الأردنية بيد دولة الاحتلال كما حدث سابقًا في اتفاقية الغاز.

 
كشف تقرير نشرته مجلة بوليتيكو الأمريكية أن الإدارة الأميركية زودت إسرائيل بمواقع وإحداثيات المنظمات الإنسانية في غزة لتفادي قصف منشآتها، لكنها على الرغم من ذلك واصلت استهدافها.

وأضافت المجلة نقلا عن ثلاثة مصادر مطلعة أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد زودت دولة الاحتلال بإحداثيات العديد من المواقع التي تعدّ مرافق طبية وإغاثية، إضافة إلى معلومات عن أنشطة العاملين في الجهود الإغاثية في القطاع، إلا أن الجيش الإسرائيلي نفذ رغم ذلك غارات عديدة ضدّ هذه المواقع ذاتها كأهداف يدّعي أن فيها وجودًا لعناصر من حماس، أو بالقرب منها، ويشمل ذلك المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس وغيرها، وهو ما ألحق دمارًا واسعًا وخسائر هائلة في الأرواح بين المدنيين، كما منع وصول الوقود والإمدادات الضرورية الأخرى إلى تلك المنشآت، بشكل أخرجها عن العمل تمامًا. 

 

وأشارت المجلة إلى أنه ليس واضحا ما إذا كانت الولايات المتحدة أعدت قائمة بالأهداف التي ينبغي عدم قصفها أم زودت إسرائيل بتوجيه لمرة واحدة. لكن المصادر أكدت أن مسؤولين ساعدوا في الإبلاغ بإحداثيات مواقع الجماعات التي توفر الغذاء والرعاية الطبية في غزة وتعمل خارج المستشفيات والمكاتب. وقد كان من بين المواقع التي أخطرت بها الولايات المتحدة الحكومة الإسرائيلية منشآت طبية منها مستشفى الشفاء الذي اقتحمته قوات الاحتلال الإسرائيلية في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، ليتبين لاحقًا أن المستشفى يخلو من أي نشاط لعناصر المقاومة، بخلاف الرواية الإسرائيلية التي ادّعت أنّ المستشفى يمثّل مركز قيادة لكتائب القسام. 

نظام الإشعار الإنساني (HNS) 

بعد بضعة أيام من 7 تشرين الأول/أكتوبر، أرسلت مجموعات الإغاثة في غزة إحداثياتها إلى الأمم المتحدة – بموجب ترتيب معتمد ومعمول به سابقًا يسمى نظام الإخطار أو الإشعار الإنساني (Human Notification System) وذلك لمنع حصول أي استهداف ولو عرضي لهذه المواقع التي يعمل بها المدنيون ويتواجدون فيها. ويعد هذا النظام أحد الأنظمة المعمول بها في مناطق النزاع، للتنسيق مع الأطراف المعنيّة لتسهيل الأعمال الإغاثية وضمان عدم استهداف العاملين معها. 

لكن ومنذ أن بدأت إسرائيل حربها الانتقامية ضدّ قطاع غزّة، والتي أوقعت زهاء 13,000 شهيد وشهيدة على الأقل، ومع تصاعد شدّة القصف الجوي في غزة، بحثت منظمات الإغاثة عن قنوات اتصال إضافية لمشاركة إحداثيات مواقعها والمعلومات المتعلقة بعملها، بما في ذلك الاتصال بكبار المسؤولين الأمريكيين وأعضاء الكونجرس، وذلك على أمل الضغط على واشنطن للمساعدة في حماية أنشطها والعاملين معها، بحسب ما نقلت المجلة. 

رغم ذلك، فإن الهجمات استمرت على تلك المواقع وبالقرب منها، كما تواصل ما أكدت العديد من التقارير المستقلة أنه استهداف مباشر لها وللعاملين فيها. فبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن غارة جوية إسرائيلية قد أصابت منطقة خلف المستشفى الإندونيسي في غزة مما أدى إلى مقتل شخصين، بحسب ما أكدته الأمم المتحدة. وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وهي إحدى وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة العاملة في غزة، إن 176 شخصًا لجأوا إلى منشآتها قد قُتلوا خلال قصف القوات الإسرائيلية. 

ومن جهتها، قالت منظمة أطباء بلا حدود الأسبوع الماضي إن موظفيها احتموا في مكاتب المنظمة ومبان سكنية تابعة لها، وعلى الرغم من تواصلهم مع أطراف إسرائيلية لتسهيل إخلائهم، إلا أنهم لم يتمكنوا من المغادرة. وبحسب تصريحات صادرة عن المنظمة، فإنه ما يزال هنالك موظفون عاملون لديها عالقون مع عائلاتهم في تلك المباني، وليس لديهم ماء ولا طعام”. وأضاف البيان: “نحن نرجو ونناشد ونتوسل، من أجل السماح للمدنيين بالتحرك”.