مدن مشتعلة

تسيفي برئيل

هناك مدينتان تنتظران الآن مصيرهما. لقد احتل الجيش السوري مدينة حلب، لكن سير الحياة هناك تحدده المليشيات التي تعمل باسمه. والحديث يدور عن مليشيات دموية، البعض منها ليس من السوريين، بل جاؤوا من افغانستان وباكستان أو من إيران. وهم يقومون باقتحام البيوت ويعيثون فيها الفساد ويقتلون بشكل عشوائي ويتقاسمون الغنائم. وقد تم تجنيدهم من قبل حرس الثورة الإيراني، وهم لاجئون هربوا من بلادهم ووجدوا الملجأ في إيران، والآن هم يدفعون ثمن استيعابها لهم. وقد تم تجنيد بعضهم بشكل قسري، والبعض تجندوا للانفاق على عائلاتهم في إيران، وبعضهم كان توجهه ايديولوجي. وسكان حلب، أي من ينجح في الخروج من المدينة، يحلمون فقط باسترجاع ممتلكاتهم من جديد في المستقبل القريب.
هناك مدينة اخرى، على بعد ثماني ساعات سفر (في زمن السلام)، وهي مدينة الموصل في العراق التي يعيش فيها حوالي 2 مليون مواطن مقابل 200 ألف انسان يعيشون في حلب. الاغلبية منهم يعيشون تحت سيطرة نظام داعش الفظيع، وبعضهم، سكان المناطق الشرقية التي أعيد احتلالها من قبل الجيش العراقي، يخضعون لسيطرته. والآخرون، في المناطق الغربية من المدينة، ينتظرون بقلق قدوم المليشيات الشيعية التي تسمى «الحشد الشعبي» والتي تقوم بتوسيع سيطرتها على شرق الموصل.
إن الموصل هي مدينة من الصعب احتلالها. وداعش الآن يقوم بتجنيد المرشدين من أبناء المدينة من اجل توجيه قواته في الازقة التي يعرفونها هم فقط. والقصف من الجو لن يفيد في هذه الحرب، إلا اذا تم استخدام طرق السحق الروسية، الامر الذي تمتنع عن فعله قوات التحالف الغربي بسبب العدد الكبير للقتلى المدنيين نتيجة ذلك.
مثلما هي الحال في حلب، ففي الموصل ايضا ليس الخوف من داعش فقط، بل ايضا من تصفية الحسابات عندما تدخل المليشيات الشيعية إلى مناطق الحرب البلدية. وقد أثبتت هذه المليشيات فظاعتها ضد المواطنين في مدن اخرى تم تحريرها. صحيح أن حكومة العراق قد أوضحت بأن المليشيات لن تشارك في الحرب في المدينة من اجل منع مذبحة اخرى، لكن هذه المليشيات ممولة ومدربة وتحصل على التوجيهات من حرس الثورة الإيراني.
في الشهر الماضي، قام البرلمان العراقي بسن قانون جديد يعيد ترتيب مكانة المليشيات واخضاعها لاوامر الجيش. رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، يحاول منذ ذلك الحين اقناع الجمهور بأن هذا القانون جيد، وأنه سيمنع سلوك المليشيات الوحشي. لأنها ستكون خاضعة لاوامر وزارة الدفاع ورئيس الحكومة. والمشكلة هي أنه حين يؤيد رئيس الحكومة قانون ما، فإن نجاعته تكون مثارا للشك.
إن التمعن في صيغة في القانون يشير إلى أن المليشيات يجب أن تنسق نشاطها مع رئيس الاركان العراقي، لكن الخضوع له ضعيف وهش، الامر الذي سيُمكنها من العمل بشكل مستقل. وفي المقابل، الامتيازات الاقتصادية المتوقعة لهذه المليشيات، حسب القانون، كبيرة جدا. حيث ستتحول إلى جزء لا يتجزأ من الجيش العراقي في كل ما يتعلق بدفع الرواتب والامتيازات للمعوقين من الحرب وعائلات القتلى.
للوهلة الاولى، تبدو مقارنة مكانة جميع القوات المقاتلة هي خطوة مطلوبة. ولكن المشكلة هي أن كل من يحمل السلاح، حسب التقدير بين 80 – 140 ألف مقاتل، بما في ذلك عشرات آلاف المقاتلين من السنة الذين يعملون في صفوف المليشيات، يمكنه الآن تسجيل نفسه كرجل مليشيا والحصول على شروط جيدة. الحديث يدور عن مشكلة في الميزانية وعن مشكلة سياسية من شأنها تهديد استقرار النظام. وكل ذلك بسبب معارضة ممثلي السنة في البرلمان للقانون الذي يمنح مكانة رسمية للمليشيات التي تخضع عمليا لإيران. إن تحالف الاحزاب السنية في البرلمان انسحب اثناء التصويت على القانون، واتهم اعضاؤه الحكومة بالمساعدة على اقامة قوة عسكرية مستقلة مثل حرس الثورة الإيراني، يقوم العراق بتمويلها دون الزامها بالانصياع للحكومة.
القطب السني في البرلمان العراقي يمثل أقلية. ونجح القانون، رغم معارضة الاكراد له بأغلبية 208 من اصل 328 عضو برلمان. ولكن تطبيقه سيتحدد حسب الموقف في الميدان. مثلا تستطيع القبائل السنية في الموصل معارضة الانضمام إلى الحرب ضد داعش، أو بدء الحرب ضد المليشيات الشيعية. بعض القبائل السنية حاربت ايضا إلى جانب داعش في الرمادي، ليس بسبب التضامن الايديولوجي،  بل بسبب كراهية الحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي. وأحد العوامل الهامة في نجاح داعش في احتلال الموصل في العام 2014 كان التعاون الناجع للمواطنين السنة في المدينة مع داعش على خلفية الصراع مع الجيش العراقي. ويبدو الآن أن الحرب ضد داعش في الموصل هي فقط البروفا للصراع الحقيقي الذي سيحدث من اجل السيطرة على كل العراق.

هآرتس

حرره: 
م.م