يوم دراسي بعنوان إنتاج المعرفة في العلوم الاجتماعية إلى أين؟

زمن برس، فلسطين: عقد مكتب تواصل المجلس العربي للعلوم الاجتماعية – فلسطين أول أمس السبت في مبنى سعيد خوري للتنمية/ جامعة بيرزيت يوماً دراسياً تحت عنوان: إنتاج المعرفة في العلوم الاجتماعية إلى أين؟
وجاء هذا اليوم في إطار أنشطة مكتب التواصل الساعية إلى تنشيط البحث العلمي والإنتاج المعرفي، والتشبيك بين الباحثين والأكاديميين، واطلاعهم على الفرص والمنح البحثية المتاحة، وبناء قدرات الباحثين الشباب، وهدف هذا اليوم إلى تقديم واستعراض المجهودات البحثية وحال العلوم الاجتماعية فلسطينياً.
افتتحت اللقاء رئيسة لجنة التوجيه الأكاديمي في مكتب تواصل المجلس العربي – فلسطين د. أيلين كتّاب، التي أكدت على أن هذا اليوم هو انطلاقة عمل لنشاطات مكتب التواصل في فلسطين، وأشارت إلى أن هناك تقصير من إدارات الجامعات في دعم العلوم الاجتماعية، كون هذه الجامعات تعتبر أن العلوم الاجتماعية لا يوجد لها قيمة سوقية ولا تضيف في عملية التراكم الرأسمالي، ونتيجة لغياب الديمقراطية وحرية التعبير، والثقافة المجتمعية السائدة اتجاه هذا النوع من العلوم.
وتساءلت كتّاب عن قيمة الأبحاث في فلسطين إذا لم تكن مرتبطة بالسياق الاستعماري لأن مهمة البحث يجب أن تكون مهمة تحررية.
وقدم مسؤول مكتب التواصل في فلسطين الباحث فراس جابر تعريفاً بالمكتب وأهدافه ومجالات عمله، وأكد على أن المجلس العربي يهدف إلى تدعيم البحث وانتاج المعرفة في مجال العلوم الاجتماعية في العالم العربي، من خلال دعم الباحثين ومؤسسات البحث العلمي والأكاديمي، حيث يساهم المجلس في انتاج الابحاث حول العلوم الاجتماعية ونشرها والتأكيد على صدقيتها واستخدامها وإثراء السجال العام بالتحديات التي تواجه المجتمعات العربية.
وأضاف جابر إلى أن المجلس استطاع من خلال برامجه أن يؤسس شبكة واسعة من الباحثين العرب وخصوصاً الشباب منهم، وقال في ذات السياق "إننا نطمح من خلال مكتب التواصل إلى أن يتم التبادل معهم لإنتاج معرفة أكاديمية يكون باحثي فلسطين في العلوم الاجتماعية جزءً منه".
وتناولت الجلسة الأولى التي يسرها د. عبد الكريم البرغوثي ورقة بحثية بعنوان "اشكاليات ومعيقات الانتاج المعرفي الاجتماعي والانساني في الجامعات الفلسطينية" والتي قام بإعدادها الباحث وأستاذ الفلسفة في جامعة بيرزيت رامي سلامة، حيث قال "أن هذه الورقة تسعى إلى الوقوف على حال العلوم الاجتماعية والانسانية في الجامعات الفلسطينية، وهي محصلة لعدة لقاءات بؤرية نفذت على مدار شهرين، عقدت هذه اللقاءات مع أساتذة دوائر العلوم الاجتماعية والانسانية وكانت على شكل لقاء حواري يسعى للبحث في قضايا محددة تتناول الاجندات البحثية المطروحة والمعيقات والاشكاليات التي يواجهها الإنتاج المعرفي الاجتماعي والانساني في هذه الدوائر".
وقد تناول سلامة أهم المشاكل والمعيقات التي تواجه البحث العلمي في هذا المجال في فلسطين مشيراً إلى أن اجندات البحث تفرض من خارج السياق المجتمعي وأن هناك العديد من المواضيع الانسانية والاجتماعية متروكة وغير مثارة للنقاش.
وأضاف "إن المشكلة الاساسية تظهر وكأنها ضعف في الامكانيات، هناك غياب لرؤى واضحة في هويات دوائر العلوم الانسانية والاجتماعية، حيث تعيد هذه الدوائر انتاج الصياغات المعرفية المهيمنة وبالتحديد الغربية".
وأكد رامي سلامة على أن ما ينتج من أبحاث نمطية تكتب من أجل الكتابة أو الحصول على درجة علمية أو الترقية، وأن الجامعة تنظر إلى انتاجها البحثي والمعرفي كخطوة للارتقاء على سلم التصنيف، وانه لا يوجد عمل تراكمي للمعرفة التي يتم انتاجها في أوقات مختلفة عن فلسطين وفي فلسطين.
وطرح سلامة إشكالية أولويات البحث الفلسطيني والتي تأتي للأسف على حد تعبيره ضمن أجندة الممول، وأن ثقافة التقارير عملت على تشويه وتسطيح البحث الاكاديمي اضافة الى طغيان البحث الكمي الإجرائي على البحث الكيفي وبالتالي لا يوجد موقف للباحث يطرحه في بحثه.
وتناولت الجلسة الثانية من اللقاء والتي يسرها د. علاء العزة، والتي كانت بعنوان أخلاقيات البحث والتي جاءت على شكل مشروع بادر به المجلس العربي بالتعاون مع لجنة أخلاقيات البحث في جامعة بيرزيت قدمته المحاضرة في كلية دراسات المرأة في جامعة بيرزيت د. لينا ميعاري، حيث تناولت ميعاري الاجراءات المتعلقة بأخلاقيات البحث المتبعة في جامعة بيرزيت، وقضايا أخلاقيات البحث وكيف لنا أن نفكر بمفهوم أخلاقيات البحث في سياق فلسطين الاستعماري والقضايا الحاضرة في هذا السياق.
وقد أكدت ميعاري على أن القضية السياسية مرتبطة ارتباطاً قويأ بالقضية المعرفية، بمعنى أن الواحدة تؤثر على الأخرى، وأن الحديث عن بحث متحرر ومقاوم ومناهض للاستعمار هو ليس حديث في مجال السياسة وإنما في صلب الانتاج المعرفي، والعلاقة ما بين الانتاج المعرفي والواقع السياسي علاقة عضوية.
فيما تناولت الجلسة الثالثة التي يسرتها د. أيلين كتاب تقرير المرصد العربي للعلوم الاجتماعية والذي قدمه معد التقرير الباحث والمفكر الفلسطيني د.م حمد بامية من الولايات المتحدة عبر تطبيق "السكايب".
وقد أكد بامية على أنه في السنوات الـ30 الماضية كان هناك ثورة على المستوى المعرفي في العالم العربي من ناحية عدد الجامعات ومراكز البحث والدوريات العلمية والجماعات العلمية، إلا أن هذه الانجازات غير مترابطة مع بعضها البعض، كون الثورات المعرفية مرتبطة بتنظيم المجتمع لنفسه.
واستعرض د. محمد واقع العلوم الاجتماعية في الجامعات العربية مؤكداً على ان نصف الجامعات العربية تتناول موضوعات العلوم الاجتماعية بشكل منظم وباقي الجامعات تعتمد على عدد بسيط من الباحثين والمفكرين بصورة غير منظمة، وأوضح على أن هناك هيمنة واضحة لعلم الاقتصاد والعلوم الاجتماعية المرتبطة بموضوع الحداثة بشكل تقليدي وليس بالضرورة نقدي، و هناك شبه غياب لعلم الانسان وعلم التاريخ. وأشار د.محمد بامية على أن هناك انتاج بحثي وعلمي، لكن هناك افتقاد للجماعة العلمية.
أستاذ الفلسفة والعلوم الاجتماعية في جامعة الأقصى د. ناصر أبو العطا من قطاع غزة عبر تطبيق "السكايب" أكد معقباً على تقرير المرصد العربي على أن الدول العربية ما بعد الاستقلال ذهبت إلى دعم التخصصات التي تدعم عملية البناء، واستعرض أبو العطا واقع العلوم الاجتماعية في قطاع غزة قائلاً "بأن جامعات غزة تكاد تفتقر إلى الانتاج المعرفي في مجال العلوم الاجتماعية، وأن واقع جامعات القطاع يعكسه حداثة قيام الجامعات، وأن التكوين الأكاديمي للباحثين في غزة مرتبط بمعاهد هامشية".
وأشار د. ناصر إلى أن هنالك العديد من القضايا بحاجة إلى جماعة علمية وباحثين مختصين، مثل قضايا المدينة والهجرة، وعملية التنميط التي يتعرض لها المواطن الغزي، حيث التوجه نحو أسلمة المجتمع.
وفي تعقيب له على تقرير المرصد العربي أكد المحاضر في جامعة حيفا د. مهند مصطفى على تطوير العلوم الاجتماعية يعتمد على الدعم الحكومي ووجود هامش في الديمقراطية حيث أن العلوم الاجتماعية لا تتطور تحت أنظمة تسلطية.
واستعرض د. مهند واقع العلوم الاجتماعية في الداخل الفلسطيني المحتل، واوضح أن 90% من مواضيع البحث التي يعمل على عليها فلسطينيو الداخل هي "العرب في اسرائيل" وأن الهويات الذاتية تنعكس في مواضيع البحث، حيث أن الدروز يدرسون الدروز وأهل النقب يدرسون أهل النقب...الخ، وهذا "جزء جوهري من تماهي المستعمر مع المستعمر" على حد قوله، وقال د. مصطفى "هناك تماهي واضح مع الاكاديميا الاسرائيلية التي لا تريد وضع العربي لذاته في البحث، وأن معظم هذه الأبحاث كمية واجرائية حتى النهاية".
من الجدير ذكره أن المجلس العربي قام بإنشاء مكتب تواصل له في فلسطين بحيث يكون مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية مظلة لمكتب تواصل معتمداً للمجلس العربي، يعمل على نقل وتعميم برامج المجلس وتشجيع العضوية فيه بالإضافة إلى تنفيذ برامج المجلس في فلسطين.

حرره: 
م.م